واشنطن تتساءل: هل يخرج الرئيس الصيني أكثر قوة بعد مؤتمر حزبه الحاكم؟
واشنطن- لم تنتظر واشنطن انطلاق أعمال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، المقررة يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول، لتتعرف على النتائج الرسمية للحدث الهام الذي تشهده الصين كل 5 سنوات.
إذ بدأت بالظهور العديدُ من التقارير الأميركية، عن نتائج المؤتمر المفصلي في تاريخ الصين، بينما تشهد علاقات واشنطن وبكين توترات غير مسبوقة في طبيعتها ودرجة خطورتها.
وفي ندوة نظمها معهد “بروكينغز” -وحاور فيها توماس فريدمان، الكاتبُ الشهير بصحيفة نيويورك تايمز، البروفيسورَ تشنغ لي مدير برنامج الدراسات الصينية بالمعهد، وحضرتها الجزيرة نت، انتهت إلى أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، سيخرج أكثر قوة بعد هذا المؤتمر بما تستمر معه السياسات المتشددة تجاه تايوان والولايات المتحدة.
ومنذ صعود شي للقيادة عام 2013، تم تعديل الدستور وإلغاء القيود المفروضة على مدة ولايته كي يُسمح بتمديدها لأكثر من فترتين كل منهما 5 سنوات، ويتهيأ حاليا لمنحه فترة حكم ثالثة.
سر شعبية الرئيس شي
على غير العادة، لم تشهد الأسابيع والأشهر الماضية أية تسريبات من الدوائر القريبة من الحزب الصيني قبل انعقاد مؤتمره العام. ودائما كان يتم تداول أسماء من سيبقى في منصبه ومن سيغادر، مع ذكر الأسماء الجديدة المرشحة. واعتبر البروفيسور تشنغ أن ذلك يعود لعدم معرفة الكثيرين بما يدور في ذهن الرئيس شي.
ومن الواضح عدم وجود أي تحدّ جاد أمام هيمنة شي في المؤسسة الصينية والحزب الحاكم. إذ يشير الروفيسور إلى وجود معارضة فكرية ومجتمعية وأكاديمية لبعض أفكار شي، لكن ذلك لم ينتقل للنخبة السياسية.
وأرجع ذلك إلى عدة أسباب منها أن شي اعتمد خلال فترة رئاسته الأولى على الحلفاء السياسيين. وفي الثانية على حاشيته المباشرة ممن عيّنهم خلال فترة حكمه الأولى، من هنا يغيب أي تحدّ سياسي له داخل النخبة الحاكمة.
وبالنسبة لأغلب الصينيين، فقد نجح شي في القضاء على الفقر. وتشير تقارير البنك الدولي إلى خروج 800 مليون صيني من عداد الفقراء خلال العقود السابقة. ورغم بدء الرئيس السابق دينغ شياو بينغ مبادرة محاربة الفقر، فإن شي أكملها بنجاح خلال السنوات العشر الأخيرة بعدما خصص لها موارد ضخمة.
كما نجح شي في محاربة التلوث بصورة واسعة، وبعدما كان هناك 6 مدن صينية بين أكثر 10 مدن ملوثة في العالم، انخفض العدد إلى 3 مدن فقط، مع استمرار الجهود لتخفيض معدلات التلوث.
ويحسب الشباب الصيني للرئيس محاربته القوية للفساد، وهو ما اعتبره البروفيسور تشنغ بمثابة إنقاذ للحزب الشيوعي من الانهيار. ودفع ذلك بخريجي أهم الجامعات الصينية للانضمام للحزب بعدما كان السفر للغرب أقصى طموحاتهم.
وعن الجيش الصيني، اعتبر البروفيسور أن شي قاد عملية إصلاح كبيرة بالجيش أدت إلى التخلي عن العقيدة الروسية في القتال وتبني العقيدة الأميركية، في إشارة إلى انهاء الاعتماد على القوات البرية كعمود فقري للجيش، واتباع القيادة المشتركة التي تلعب فيها القوات الجوية والتكنولوجية دورا رائدا.
إضافة لذلك، عيّن شي آلاف الضباط الصغار محل كبار السن، ويدين هؤلاء له بمنحهم هذه الفرصة.
جهل أميركي بالديناميكيات الصينية
يشير البروفيسور إلى سوء الفهم الواسع بالشأن الصيني في واشنطن، واعتبر أن الشائعات التي تم تداولها مؤخرا عن اختفاء الرئيس الصيني خير دليل على ذلك.
وتقضي قواعد السفر الخاصة باحترازات كوفيد-19 بعزل المسافرين لدى وصولهم الصين 10 أيام، وهذا ما جرى مع الرئيس بعد مشاركته في قمة سمرقند لتجمع شنغهاي الشهر الماضي، وهو ما لم يتم فهمه في الغرب.
وسيشهد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني حركة تعيينات واسعة في مناصب قيادية مختلفة لتنفيذ أجندة الرئيس شي المحلية والخارجية على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ولا يُنتظر أن يسمي الرئيس الصيني خليفة له خلال المؤتمر، إذ لا يرغب في شخص آخر يزاحمه في وقت لا يعرف أحد كيف يفكر شي في مستقبله السياسي.
وسيمثّل 2296 مندوبا من الحزب الشيوعي أعضاءه الذين يُقدر عددهم بنحو 90 مليونا. وسيشهد المؤتمر انتخاب اللجنة المركزية. وفي اليوم الأخير، ستُعقد جلسة عامة توافق فيها هذه اللجنة على تشكيل عضوية المكتب السياسي ولجنته الدائمة، وهما أقوى هيئة لصنع القرار فيه.
كما سيكون المؤتمر بمثابة الإعلان الفعلي عن تغيير الصين سياساتها الصارمة لمكافحة فيروس كوفيد-19، إذ سيتم تخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي.
ورغم غياب الحريات السياسية بمفهومها الغربي، كما يقول البروفيسور تشنغ، تعرف الصين انفتاحا مجتمعيا كبيرا ساهمت فيه التكنولوجيا بدرجة كبيرة. ومع سيطرة الحكومة على الحيّز العام ووضع قواعد صارمة للخطاب السياسي المتداول، فإن هناك مساحة واسعة للتعبير غير السياسي.
مؤتمر في بيئة عالمية مضطربة
ويتزامن انعقاد مؤتمر الحزب الصيني مع توترات ومخاطر كبيرة، سواء بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا، أو التوترات بشأن تايوان، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها أغلب دول العالم.
من هنا سيكون لنتائج هذه المؤتمر تأثير لا مفر منه على الولايات المتحدة والعالم. وسيلعب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئيس الدولة (شي) الدور الأكثر أهمية في تشكيل هذه النتائج.
خلاف هيكلي
وتؤمن الصين أن واشنطن تناصبها العداء، وأن هذا النهج لم يتغير بتغير الحزب الحاكم أو هوية الرئيس، إذ لم يغير الرئيس بايدن الكثير من سياسات سلفه دونالد ترامب المتشددة تجاه بكين.
وترى الصين أن الخلاف مع الولايات المتحدة هيكلي، حيث لا ترحب واشنطن بظهور منافس لها في الساحة العالمية لديه إمكانيات اقتصادية وثقافية وعسكرية وتكنولوجية ضخمة تقترب من نظيرتها الأميركية.
ويرى البروفيسور تشنغ أن واشنطن لم تعرف هذا النوع من التحدي خلال تاريخها الحديث. وخلال الحرب الباردة، كان الفارق الاقتصادي والتكنولوجي ضخما للغاية بين واشنطن والاتحاد السوفياتي، وهذا على العكس من الوضع مع بكين الآن.
وعن توترات تايوان، اعتبر تشنغ أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه يعد مثاليا للصين هذا الوقت، حيث ترى بكين أن واشنطن تدعم تايوان بلا مبرر، وتسعى لتغيير الوضع الحالي، وتستغل قضية هذه الجزيرة في محاولة لإيقاف التطور الصيني الواسع.
في الوقت ذاته، حافظت الصين على حياد متوازن في الحرب الأوكرانية، ففي الوقت الذي لم تدن فيه روسيا، فإنها لم تؤيد “الغزو” أيضا، بينما انتقدت بشدة جهود الناتو الهادفة للتوسع شرقا.
وترى بكين أن هزيمة روسيا تعني تفرغ حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة للالتفات لمواجهة صعودها عالميا.