يحتفي به معرض الكتاب الدولي بالرباط.. ماذا نعرف عن الأدب الأفريقي؟
الرباط – بلباسها السنغالي المميز، تجلس الناشرة أوا كا ديا (حواء) بثقة وفخر وهي تعرض بعض الكتب والروايات وتحديدا قصصا موجهة للأطفال بلغة سنغالية محلية. ترى حواء أن وجودها بالمعرض الدولي جزء من النضال والدفاع عن تدريس الأطفال باللغة المحلية واللغة الأم، وخطوة في مسار للتعريف بالأدب الأفريقي وثقافة بلدها.
تشارك حواء إلى جانب 712 من العارضين يمثلون حوالي 55 بلـدا، ويحتفي المغرب ضمن فعاليات الدورة الـ27 للمعرض الدولي للكتاب المنظم في العاصمة الرباط بالآداب الأفريقية كضيف شرف، فما الذي نعرفه عن الأدب الأفريقي؟ وما مميزاته؟ وكيف يتطور؟
انفتاح وقرب
يشهد رواق الآداب الأفريقية إقبالا من الزوار والإعلاميين، وتشهد جنبات المعرض ورشات وندوات ونقاشات محورها المكون الأفريقي، وفضاءات للتعريف بدور النشر الأفريقية وبما أبدعته عقول ومخيلات الكتاب الأفارقة من جديد الأعمال الفكرية والأدبية، بالإضافة إلى ورشات للأطفال في الرسم والأعمال اليدوية تعرفهم على الأزياء والحلي الأفريقية.
ويُشهد للأدب الأفريقي بقدرته على إثبات التميز من خلال ما ناله من تتويج بجوائز عالمية، منها نوبل للآداب، وتميز في الجامعات وفي مراكز الدراسات والأبحاث الدولية، غير أن تداوله لا يزال محدودا.
في جولتنا برواق الآداب الأفريقية، عبّر لنا مجموعة من الزوار عن رغبتهم في معرفة مكونات الأدب الأفريقي للتعرف أكثر على الثقافة الأفريقية من جنوب الصحراء، وتقول زائرة للجزيرة نت “أولا جئنا للتعرف عن قرب على الثقافات الأخرى، جميل أن يرى أطفالنا هذا التنوع الثقافي والأدبي مما يحفزهم على السؤال والفضول أكثر للذهاب نحو الآخر ومعرفته وتقديره”.
وأكد وزير الثقافة المغربي محمد بنسعيد، في حديث للجزيرة نت، أن اختيار الآداب الأفريقية جاء مواكبا لاختيار الرباط عاصمة للثقافة الأفريقية وعاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، معتبرا إياه انفتاحا في المجال الثقافي وانفتاحا على ثقافات الدول الأفريقية. واعتبر الوزير أن الكتاب هو أنجع وسيلة للتقريب الثقافي وتقوية الانتماء للقارة عبر القراءة والاعتراف بالآخر.
تمايز وتشارك
يشتمل الأدب الأفريقي جنوب الصحراء على التراث الشفهي والآداب المكتوبة بلغات بعض الشعوب الأفريقية كالسواحلية والهوصة والبانتو والنيلو، ويصعب -حسب متخصصين- الحديث عن أدب أفريقي متجانس رغم التشابه ورغم اشتراك في بعض الأمور، إذ تبقى الخصوصية الثقافية لكل بلد طاغية، ومنه الغنى والتنوع الذي يدفع للحديث عن آداب أفريقية تنهل من واقع شعوبها وتتأثر بالمدارس العالمية.
أورد كتاب الأدب الأفريقي للكاتب علي شلش (منشورات عالم المعرفة) قول الروائي النيجيري الشهير تشينوا أتشيبي “لا يمكن أن تحشر الأدب الأفريقي في تعريف صغير محكم.. فأنا لا أرى الأدب الأفريقي كوحدة واحدة، وإنما أراه كمجموعة من الوحدات المرتبطة، تعني في الحقيقة المجموع الكلي للآداب القومية والعرقية في أفريقيا”.
ويقول الكاتب المالي عصمان غالا للجزيرة نت “يمكن الحديث عن ثقافة بلد محدد، لكن يصعب تحديد أدبه، فالأدب عالمي ينهل من الثقافة المحلية ويتأثر بالمدارس الأدبية العالمية، فنجد تأثير المدرسة الرومانسية مثلا، أو تشبث الإنسان بأرضه وثقافته ودفاعه عنها يكاد يتشابه في كل الكتابات”. ويعتبر غالا أن الأدب في أفريقيا يتأثر بوجود الأسطورة وحكايات ما وراء الطبيعة.
ويؤكد جيرار ووسو، وهو متخصص في الملكية الفكرية بجمهورية بنين، أن الأدب في تعريفه العام مشترك بين مختلف الدول، وأن كتّاب أفريقيا اليوم في ظل التطور المعرفي بدؤوا يربطون إنتاجاتهم الأدبية بثقافتهم، موضحا أن الثقافة بدأت تؤثر في الإنتاجات المحلية التي كانت في السابق مرتبطة بأوروبا والدول المستعمرة.
ويضيف جيرار، في حديث مع الجزيرة نت، أن الإنتاجات الأدبية المرتبطة بالمجتمعات والشعوب هي الأكثر قراءة.
ويسجل جيرار وجود تغييرات صغيرة في الآداب الأفريقية، مشيرا إلى أنها تتطور، وأضاف “من قبل كانت نخبة من المثقفين وأدباء كبار، ومع تطور التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بدأنا نلاحظ تزايدا في دور النشر وفي عدد الكتاب، لكن سؤال الجودة أصبح مطروحا”.
إشكال التدوين
يرى الأستاذ والباحث بمعهد الدراسات الأفريقية بالمغرب أحمد شكري أن أهم مميزات الآداب الأفريقية اعتمادها على الثقافة الأفريقية التي تمتاز بكونها ثقافة شفهية. وقال، في حديث مع الجزيرة نت، إن تقاليد التدوين لم تعتمد بأفريقيا جنوب الصحراء إلا بعد دخول الإسلام إلى المنطقة وتطور الثقافة العربية الإسلامية في منطقة الساحل.
ويعتقد شكري أن الخاصية المتعلقة ببنية الثقافة الشفهية هي التي تجمع جميع الآداب بأفريقيا جنوب الصحراء.
وجاء في كتاب “الأدب الأفريقي” أن “الأدب الأفريقي خارج مجال العربية عاش قرونا عديدة على الاتصال الشفهي ولم يدون منه إلا القليل بسبب صعوبات الجمع والتدوين وكثرة اللغات المحلية غير المكتوبة”.
ويفيد أحمد شكري بأن الرواية الشفهية بأفريقيا جنوب الصحراء لا تقاس بالمعايير نفسها في ثقافة شمال أفريقيا، موضحا أن الرواية الشفهية كان لها عائلات خاصة ونخبة عالمة، ومتخصصو الرواية أناس لهم قواعد ومعايير في الإدلاء بها، إذ كان لكل ملك أو حاكم ضمن حاشيته شخص يسمى “الكريو” أو الرواي أو صاحب الكلام.
ويخلص شكري للقول إن الآداب الأفريقية والثقافة الأفريقية عالم آخر فيه عمق وجرأة وتنوع وغنى، ولا نعرف عنه الكثير ويستحق المزيد من البحث والدراسة والاهتمام.
يذكر أن الأدب الأفريقي المدون خارج مجال العربية بدأ باللغات الأوروبية، وخصوصا الفرنسية والإنجليزية.