الكاتبة الفرنسية آني إرنو تحضر عرض فيلم على هامش الدورة الـ75 من مهرجان كان السينمائي في مدينة كان، جنوب فرنسا العام الجاري (الفرنسية)

الكاتبة الفرنسية آني إرنو تحضر عرض فيلم على هامش الدورة الـ75 من مهرجان كان السينمائي في مدينة كان، جنوب فرنسا العام الجاري (الفرنسية)

فازت الكاتبة الفرنسية آني إرنو اليوم الخميس بجائزة نوبل في الأدب لعام 2022. وتمنح الجائزةَ الأكاديميةُ السويدية، وتبلغ قيمتها 10 ملايين كرونة سويدية (قرابة 915 ألف دولار).

وعللت لجنة نوبل اختيارها إرنو، البالغة 82 عاما والمعروفة بمؤلفاتها ذات الأسلوب السهل الممتنع، بما أظهرته من “شجاعة وبراعة” في “اكتشاف الجذور والبُعد والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية” .

 

وفي مقابلة على التلفزيون السويدي بعد الإعلان مباشرة، وصفت إرنو الفوز بأنه “شرف عظيم جدا” و”مسؤولية كبيرة” وفي الوقت نفسه “مسؤولية كبيرة” أُعطيت لها من أجل مواصلة الشهادة “لشكل من أشكال الإنصاف والعدالة في ما يتعلق بالعالم”.

وأثار أسلوب إرنو السهل والواقعي والخالي من أي مبالغات إنشائية الكثير من الاهتمام والتحليل، وابتعدت عن الرواية لتعمل على أسلوب جديدة لقصص النسب وعلى ابتكار “السيرة الذاتية الموضوعية”.

وتعرّف أستاذة الأدب في جامعة سيرجي بونتواز عن نفسها بالقول إنها “مجرّد امرأة تكتب”، ومن خلال أعمالها المستوحاة بصورة أساسية من حياتها، كوّنت صورة دقيقة لمشاعر المرأة التي تطورت مع اضطرابات المجتمع الفرنسي منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ولإرنو أكثر من 20 كتابا، وكثير منها نصوص مدرسية في فرنسا لعقود من الزمن، وفي شرح اختيارها للجائزة، قالت الأكاديمية إنّ إرنو “تدرس باستمرار ومن زوايا مختلفة حياة تتميز بتباينات قوية فيما يتعلق بالجنس واللغة والطبقة”.

 

وباتت إرنو المرأة الـ17 التي تحصل على الجائزة المرموقة، من أصل ما مجموعه 119 فائزا بفئة الآداب منذ منح جائزة نوبل الأولى عام 1901. كذلك أصبحت الفائز الفرنسي الـ16 في تاريح نوبل، بعد 8 سنوات من حصول باتريك موديانو عليها.

وأضحت إرنو أيضا أول امرأة فرنسية تنال جائزة نوبل للآداب، بعدما كان جميع مواطنيها الذين سبقوها إلى تحقيق ذلك من الرجال، ومنهم أناتول فرانس وألبير كامو وجان بول سارتر الذي امتنع عن تسلّمها.

أدبها.. سيرتها الذاتية

وولدت الأديبة والأكاديمية الفرنسية آني إرنو في الأول من سبتمبر/أيلول 1940، وتقترب أعمالها الأدبية -ومعظمها سيرتها الذاتية- من مجالات علم الاجتماع.

 

بدأت آني إرنو مسيرتها الأدبية في عام 1974 برواية “خزائن فارغة” (Les Armoires vides)، وهي رواية عن سيرتها الذاتية. وقالت الأكاديمية عن هذا الكتاب -الذي تُرجم إلى الإنجليزية- “إنه أكثر مشاريعها طموحا، والذي أكسبها شهرة دولية ومجموعة كبيرة من المتابعين وتلاميذ الأدب”.

وفي عام 1984، فازت بجائزة “رينودو” (Renaudot) عن عمل آخر من أعمالها في السيرة الذاتية “المكان” (La Place)، وهو سرد لسيرتها الذاتية، ويركز على علاقتها مع والدها وتجاربها التي نشأت في بلدة صغيرة في فرنسا، وعملية انتقالها اللاحقة إلى مرحلة البلوغ وبعيدا عن موطن والديها الأصلي.

 

وفي وقت مبكر جدا من حياتها المهنية، ابتعدت عن الخيال للتركيز على سيرتها الذاتية. ويجمع عملها بين التجارب التاريخية والفردية.

وترسم الكاتبةُ التقدمَ الاجتماعي لوالديها في عمليها “المكان” و”العار”، وسنوات مراهقتها في كتابها “يتحدثون”، وزواجَها في “المرأة المجمدة”، وعلاقتَها العاطفية مع رجل من أوروبا الشرقية في “غواية بسيطة”، وإجهاضَها في كتابها “الحدث”، ومرضَ ألزهايمر في “لم أخرج من ليلتي”، ووفاةَ والدتها في كتاب “امرأة”، وسرطان الثدي في كتابها “استخدام الصورة”.

وكتبت إرنو أيضا كتاب “حاد كالسكين” مع الأديب الفرنسي المقيم بالمكسيك فريدريك إيف جانيت، وتمت ترجمة العديد من أعمالها إلى اللغة الإنجليزية.

كاتبة “السنوات”

ويعتبر الكثيرون أن مذكراتها التاريخية لعام 2008 “السنوات” (Les Années) التي لقيت استحسان النقاد الفرنسيين؛ هي أعظم إبداعاتها.

وفي هذا الكتاب، تكتب إرنو عن نفسها بصيغة الغائب (elle، أو “هي” بالفرنسية) للمرة الأولى، حيث تقدم نظرة حية عن المجتمع الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة حتى أوائل العقد الأول من القرن الـ21، وتروي قصة اجتماعية مؤثرة عن امرأة، والمجتمع الذي عاشت فيه، وترشحت بناء على هذا الكتاب لجائزة البوكر الدولية لعام 2019.

 

وتصف إرنو أسلوبها بأنه “كتابة مسطحة” تهدف لتقديم رؤية موضوعية للغاية للأحداث التي تصفها، دون وصف مزهر أو عواطف غامرة. وفي الكتاب الذي صنع اسمها (المكان) تحكي عن علاقتها بوالدها، وكتبت “لا ذكريات غنائية، ولا عروض منتصرة للسخرية. هذا الأسلوب المحايد في الكتابة يأتي بشكل عفوي “.

وتسلط أعمالها الأدبية الضوء على جوانب غامضة من الذاكرة والأسرة والمجتمع، وتحولت من كتابة روايات السيرة الذاتية إلى المذكرات. وقال أندرس أولسون رئيس لجنة نوبل للآداب لإن إرنو لها أسلوبها الأدبي المرح، منوها أن الكاتبة تعتبر نفسها “عالمة إثنولوجيا (الأعراق)” أكثر من كونها “كاتبة روائية”. وأضاف أن أعمال إرنو مكتوبة بلغة بسيطة ونظيفة.

ورأى أولسون أن “تسليطها الضوء بشجاعة ومقدرة ثاقبة على الملاحظة على تناقضات التجربة الاجتماعية، وتناولها العار والإذلال والغيرة وعدم قدرة الإنسان على أن يرى من هو فعليا”؛ هو أمر “يستحق الإعجاب ويدوم”.

وتحسب الكاتبة أحيانا على تيار اليسار الفرنسي المناهض للعنصرية، وسبق أن وقعت عريضتين عام 2018 وعام 2019 تطالب بعدم التعاون مع مبادرة ثقافية بين فرنسا وإسرائيل كونها تأتي على حساب الشعب الفلسطيني.

وتمت ترجمة العديد من أعمالها إلى اللغة الإنجليزية.

كواليس الجائزة

وفي تقارير سابقة منشورة بالجزيرة نت، جرى توقع مفاجأة من أكاديمية نوبل الميّالة إلى إبراز المؤلفين المغمورين، فبمنحها الجائزة العامين الأخيرين للشاعرة الأميركية لويز غلوك والروائي البريطاني من أصل تنزاني عبد الرزاق جورنا، اختارت الأكاديمية السويدية المسؤولة عن الجائزة الأدبية “الأشهر” إبراز مؤلفين لم تُترجَم مؤلفاتهم كثيرا وغير معروفين نوعا ما.

 

والأكاديمية اليوم في طور التعافي من أزمة طويلة بعد فضيحة تندرج في إطار الموجة النسوية “#مي_تو” (أنا أيضا) شهدها عام 2018 والضجة التي أثارها العام التالي منحُ جائزة نوبل للكاتب النمساوي بيتر هاندكه الذي اتخذ مواقف مؤيدة للرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش.

ويلاحظ رئيس القسم الثقافي في صحيفة “داغينز نيهتر” السويدية بيورن فيمان في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن “الأكاديمية باتت مهتمة بصورتها في ما يتعلق بالتنوع وتمثيل الجنسين بطريقة مختلفة تماما عما كانت عليه قبل فضيحة 2017-2018”.

ويضيف “لقد انضم إليها أشخاص جدد كثر لديهم آفاق أخرى ومراجع أخرى”.

كما استحدثت الأكاديمية عام 2020 مجموعة خارجية جديدة من الخبراء في مناطق لغوية مختلفة، بعدما تعرضت للانتقاد لافتقارها إلى التنوع باختيار الفائزين.

ومنذ الهزة التي أحدثتها فضيحة الفرنسي جان كلود أرنو، زوج عضو الأكاديمية الشاعرة كاتارينا فروستنسون، والاضطرار إلى تأجيل الإعلان عن جائزة 2018 لمدة سنة، فازت بالجائزة 3 نساء هن البولندية أولغا توكارتشوك ثم الأميركية لويز غلوك وأخيرا الفرنسية آني إرنو، في حين حصل عليها رجل واحد.

 

وكان السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية هوراس إنغدل أعلن عام 2009 أن “أوروبا لا تزال مركز العالم الأدبي”، وأن “الولايات المتحدة معزولة للغاية ولا تترجم بشكل كاف ولا تشارك حقا في الحوار الكبير للأدب”.

وفي هذا السياق، شكك الروائي والأكاديمي البريطاني تيم باركس في أن يكون أعضاء اللجنة السويديون في الغالب قادرين على تذوق الشعر الإندونيسي مثلا أو الأدب الأفريقي، منتقدا في مقال سابق أن يكون أعضاء الأكاديمية قادرين على تحديد أعظم الروائيين والشعراء على الساحة الدولية، ومشيرا إلى انحيازهم للثقافة الإسكندنافية، حيث فاز 16 أديبا من أصول إسكندنافية بالجائزة العالمية من أصل 113 منذ إطلاقها وحتى عام 2016.

المصدر : الجزيرة + وكالات

About Post Author