تجربة “أحمد الشلفي” الشعرية تعود إلى ما قبل إصدار كتابه الأول “تحولات الفتى والمساء” 2001، حيث بدأ بكتابة القصيدة العمودية (الغنائية- الإنشادية) قبل ذلك بزمن؛ ثم جاءت مرحلة الالتحام بقصيدة التفعيلة، والشعر الحر.

وكان الشلفي بدأ نشاطه الإبداعي الكتابي الشعري في تعز بفترة التسعينيات عبر صحيفة الجمهورية، ثم الجمهورية الثقافية، وحمل بعدها هاجسه الشعري مرتحلا لعاصمة الثقافة صنعاء بداية 2001، وأصدر أول دواوينه الشعرية في نفس العام.

 

ولتميز تجربته الشعرية فقد نال جائزة رئيس الجمهورية (مناصفة) في العام 2003، وواصل نتاجاته الشعرية بإصدار ثان حمل عنوان “جرح آخر يشبهني” عام 2004؛ وبالرغم من أن الشلفي ولد ونشأ شاعرا، فإن الإعلام -صحافة وتلفزيون- استطاع أن يغويه، فيجره رويدا رويدا ليقع أخيرا في براثنه؛ حيث انخرط بداية كمقدم لبرنامج ثقافي وفكري وفني وحواري في التلفزيون اليمني.

ومنذ منتصف 2004 انسحب من الساحة الإبداعية الشعرية تماما، وانخرط كإعلامي في قناة الجزيرة، ليعرف بعدها على أنه إعلامي وكاتب صحفي. ولأكثر من 10 سنوات، بقي فيها الشلفي خارج القصيدة، إلا أن الإنسان الشاعر بداخله ظل يلاحقه، كما يبدو، ويطارده في أحلامه وأوهامه ويقظته، حتى أجبره على العودة إلى قالبه، وإطاره عام 2016، حين تم لملمة ديوانَيه السابقين، إلى جانب ديوان جديد ثالث، وضم ذلك في كتاب واحد سماه “يد غافلته”، وكأن هذا العنوان قصد إليه قصدا للتعبير معنويا عن الغفلة الشعرية التي أزاحته عن عالمه الجميل طيلة 12 عاما، فكانت هذه الانبعاثة انتفاضة. وقد بدأ بعدها مرحلة مكاشفات الأحلام بالشعر من جديد؛ إذ بعد 3 سنوات فقط قدم إنجازه الشعري الرابع ” قمر يتبعني” 2020.

غلاف ديوان قمر يتبعني للشاعر اليمني أحمد الشلفي
ديوان “قمر يتبعني” للشاعر اليمني أحمد الشلفي (الجزيرة)

العودة للشعر

“لا تخبر النجمة”، هو الإنجاز الشعري الخامس في مسيرة الشاعر “أحمد الشلفي”، وقد صدر حديثا عن دار “عناوين بوك” في 30 نصا، تنوعت في قوالبها وأغراضها واتجاهاتها، فمن السيرة الذاتية للميلاد ومنولوج الذات، إلى الوطن والحبيبة.

وبمعية أحلامه وولع مكاشفاتها، يتنقل بالقارئ بـ”فيضية شعرية” تفاعلية بين عناوين “الاغتراب، والوجد، والحيرة، والحنين، والملل، والارتباك، والرفض، والعزف، والمصالحة، والصلاة”، بحيث تتواشج كل هذه الثيمات مع الوطني، والعاطفي، والسياسي، والذاتي، وبعضها يتداخل بالتناص القرآني مثل نص “يوسف”، وبالتناص التاريخي مثل “إن بي شجنا للصلاة على روح هذي البلاد”، وهو نص يتداخل مع نص طويل للشاعر اليمني أحمد العواضي في ديوانه “إن بي رغبة للبكاء”.

وتوزعت النصوص إيقاعيا وشكليا ما بين التفعيلي والعمودي والحر، واستحوذت تفعيلتي “المتقارب” والكامل” على مسافة ومساحة كبيرة من مجموع النصوص، وتنوعت كميا ما بين القصيدة الطويلة والمقطع والنتفة الشذرة.

أما زمنيا، فقد عمد الشاعر إلى ترتيب نصوصه على وجه غير تراتبي، تاركا للقارئ التنقل بحرية في أجواء الفضاءات الزمنية لتجربته.

وسيجد القارئ أن النص العمودي -وإن كان الأقل حظا في هذه المجموعة- تعامل معه الشاعر كما يتعامل مع النص الحديث؛ فلا يلحظ فيه القارئ أي نوع من التقليدية، بل زخما وفيضا وجمالا وتأثيرا عميقا، وقد يجده بعض القراء الأقرب إلى نفسه من بقية النصوص التي تقدم بعضها احتمالات تأويلية مفتوحة، ولا تقدم له القراءة اليقينية (المغلقة):

“أعيد السؤال وراء السؤال

قصائد من حبك المستحيل

ويحجبني عن هواك المحال

فأهزمه بالخيال الجميل

وأطلب أن ترحل الذكريات

فيأسى على ذكرياتي الرحيل”

“لا تخبر النجمة”؛ هو عنوان انتخبه الشاعر من نص داخلي، ليعنون به عمله الشعري، من أجل منحه هويته، وهذا الاختيار قائم على استثمار الدلالة والجمالية التي يوحي بها العنوان، فاتسمت العنونة بالدلالة النوعية، لا الدلالة الكمية؛ كونه لا “يتعالق”، ولا يمثل اختراقا لكلية النصوص، وغير دال على المتن الموضوعي؛ حيث استغل الكاتب شعرية التركيب الإيحائي، والدلالي؛ لإغراء القارئ للدخول إلى استكناه المجموعة، واستكشاف آفاقها قرائيا.

وقد مثّل العنوان في هذه المجموعة دلالة سيميائية، باعتباره إحدى علاقات العمل الشعري، وليس العنوان دلالة كمية على موضوعية المحتوى برمته:

“لا تقتلوا يوسف

ألقوه في غياهب الكلمات

وقولوا لمن قطعن أيديهن:

بعض المجازات رؤيا

وبعض الرؤى أجنحة.

حين يكبر يوسف

يدخل السجن

تراوده امرأة العزيز

تغازله نسوة الحكم

ثم ينسى

ينسى الطفولة

والبئر

والدلو

والسجن

واللؤم

ينسى من اقتسموا روحه

في عراء المدينة

ومن راودته.

ويفسر أحلامنا..

يختار من كل سنبلة حبة

ليطرز وجه أبيه

ويقسم للناس أفراحهم

قلب يوسف قـدّ من حلم

من أغان وروح

صادق مثل لون البراءة

ملهم مثل رؤياه.

جاءه صوت يعقوب:

يا بني

لو رأيت السماء

فلا تخبر النجمة

سوف يأكلك الذئب”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *