تعيش الشخصيات في الأفلام والمسلسلات وفقا لقوانين محدودة في الزمان والمكان. عندما يُعرض مشهد من طفولة البطل يختار المخرج غالبا طفلا شبيها به، لكن ماذا لو احتاجت شخصية كبيرة في السن إلى الظهور في مرحلة الشباب؟ هيا، لنرَ كيف يعود أبطال الأفلام المسنون إلى شبابهم، والصعوبات التي قد تواجه صناع السينما من أجل مشهد قصير.
قديما، كانت مساحيق التجميل (المكياج) الطريقة الوحيدة لتغيير عمر الممثل، وبسبب الجودة الضعيفة للأفلام القديمة لم تكن بوسع المشاهد رؤية التفاصيل الدقيقة على وجه الممثل، وكان من الممكن تقبُّل بعض المبالغة في المكياج، لكن مع إنتاج الأفلام الرقمية الحديثة عالية الدقة، لم يعد استخدام المكياج لتغيير عمر الشخصية خيارا مناسبا، إذ يرغب المشاهد في رؤية صورة حقيقية من دون المساس بالجودة.
في هذا السياق، تظهر التقنية الحديثة لإزالة الشيخوخة، والتي تعرف اختصارا بـ”سي جي آي” (CGI) وهي جزء من المؤثرات البصرية (VFX)، وهو مصطلح يستخدم لوصف الصور التي تم إنشاؤها أو معالجتها لبناء عوالم واقعية من خلال الكمبيوتر من دون أن تكون تلك العوالم موجودة بالفعل، ويتضمن أيضا الأصوات وبناء الشخصيات.
وتعد تقنية “سي جي آي” من أهم المؤثرات البصرية الحديثة، وهي صور ورسوم ثنائية أو ثلاثية الأبعاد أو كائنات أو محاكاة لشخص ما، وتستخدم في أفلام الخيال العلمي والأعمال الدرامية لخلق وهم بصري لمشهد أو لشخص غير موجود بالفعل أو إجراء بعض التغييرات عليه.
استخدمت تلك التقنية لأول مرة عام 2006 في فيلم “رجال-إكس: الموقف الأخير” (X-Men: The Last Stand) في مشاهد “فلاش باك” (Flash back) التي تسترجع أحداثا ماضية، لكل من باتريك ستيوارت وإيان ماكيلين.
بعد ذلك بعامين، استخدمت هذ التقنية في فيلم “الحالة المحيرة لبنجامين بوتن” (Curious Case Of Benjamin Button)، من أجل إظهار التغيرات العمرية على شخصية براد بيت.
واستخدمت أيضا في فيلم “كابتن أميركا” (Captain America) عام 2016 على شخصية الممثل روبرت داوني جونيور، وعلى شخصية النجمة ميشيل فايفر في فيلم “الرجل النملة والدبور” (The Ant Man and Wasp).
يقول ترينت كلاوس، المشرف على المؤثرات البصرية في شركة “لولا في إف إكس” (Lola VFX)، لصحيفة “هوليود ريبورتر” (Hollywood Reporter) إن هذه التقنية تسمح بالحفاظ على أداء الممثل، إذ إن كل سمة من سمات الوجه والجسم تحتاج إلى معالجة خاصة عند العمل بهذه التقنية على وجه ممثل شهير مثل روبرت داوني جونيور، مما يتسبب في ضغط إضافي للعودة إلى مظهره الشاب الذي تعرفه الجماهير.
“الحالة المحيرة لبنجامين بوتن”
تتبع قصة فيلم “الحالة المحيرة لبنجامين بوتن” شخصية بنجامين التي لعبها النجم براد بيت، الذي يعاني من حالة مرضية ولد فيها على هيئة رجل عجوز، ثم يصيح أصغر كلما تقدم في السن.
تعرض الساعة الأولى من الفيلم شكل براد بيت “المصنوع رقميا” من الرقبة إلى أعلى، وتم توصيل ذلك الجزء بأجساد ممثلين مختلفين، ولم يستخدم أي مكياج أو تركيب فوتوغرافي.
لتحقيق ذلك، واجه فريق المؤثرات البصرية 3 تحديات رئيسية: الأول تمثل في جعل براد بيت يبدو أكبر سنا، والثاني هو إظهار كل التفاصيل الدقيقة والسمات الخاصة بوجهه، والثالث هو تثبيت شكل وجهه في كل اللقطات والتعبيرات، سواء كان ذلك في ضوء النهار أو ضوء الشموع، وسواء كان يتكلم أو يركض أو يبكي.
من أجل بناء وجه براد بيت في كل الأعمار، استخدم الفريق “الماكيتات” (النماذج) التي صنعها النحات الواقعي كازوهيرو، وقاموا بمسحها ضوئيا بدقة عالية للغاية، ليعطيهم ذلك المسح 3 مستويات عمرية لبنجامين، ثم أعادوا توجيه البيانات على جميع الأوضاع التي قام بها براد بيت في النماذج الثلاثة.
“الأيرلندي”
في الجزء الأخير من فيلم “الأيرلندي” (The Irishman)، كان مارتن سكورسيزي بحاجة إلى أن يعود أبطاله إلى سن الشباب مرة أخرى. تدور أحداث الفيلم في الفترة بين عامي 1949 و2000، وبحلول وقت إنتاج الجزء الثاني من الفيلم لم يعد بإمكان دي نيرو وآل باتشينو وجو بيسكي لعب هذه الأدوار الأصغر سنا بمساعدة المكياج.
كان الحل في يد بابلو هيلمان، أحد متخصصي التأثيرات البصرية المخضرمين، حين أخبر سكورسيزي أنه يمكنه تخطي تلك العقبة. عمل هيلمان مع سكورسيزي لمدة 10 أسابيع، ليظهر في النهاية دي نيرو على هيئة تشبه تلك التي كان عليها عام 1990، وقد أعطى ذلك الضوء الأخضر للفيلم، فلقد كان سكورسيزي رافضا أي مكياج أو تعبيرات غير حقيقية على وجه أبطاله.
أحضر هيلمان نوعا جديدا من الكاميرات التي تسمح لسكورسيزي بالتصوير كما يفعل عادة، ولكنها في أثناء ذلك تلتقط البيانات الخاصة بوجه كل ممثل حتى يستعين بها فريق العمل عند الحاجة.
استغرق ذلك الجزء من العمل أول عامين، أما العامان التاليان فتم خلالهما جمع كل البيانات لإنشاء أقنعة رقمية لكل ممثل تساعد على إظهاره في سن أصغر مما هو عليه، فبنقرات قليلة على الصور المرجعية المخزنة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، تختفي تجاعيد الممثلين ويظهرون بمظهر مغاير.
مخاوف بشأن تكنولوجيا إزالة الشيخوخة
رغم استخدام تلك التقنية في العديد من الأفلام وتأثيرها الكبير، فإن هناك بعض المخاوف المتزايدة منها، حيث يمكن أن تقلل من احتمالات حصول الممثلين الشباب على دور مميز، كما تقلل من أدوار النجوم الأكبر سنا، خاصة الممثلات الإناث، من خلال محو علامات التقدم في السن.
وعلى الرغم من النجاح الكبير والواقعية التي حققتها الوجوه الرقمية في هوليود، فإن هناك أشياء قد تزعج الجمهور أحيانا، مثل البريق الزائد في العينين أو الحركة غير الطبيعية للممثل، أو غيرها.