أصغر مؤرخ في غينيس.. محمد هاشم غوشة يصدر 3 كتب نوعية حديثة عن القدس
القدس المحتلة- “كنت طفلا أصغر من 10 سنوات عندما وقعت رسائلي إلى شقيقتي التي تدرس الطب في جامعة القاهرة بلقب المؤرخ، ورسمت هدفي منذ البداية ونجحت فيه رغم العوائق”. هذا ما قاله المؤرخ والمفكر المقدسي الأردني محمد هاشم غوشة (50 عاما) للجزيرة نت، وهو يستعد لإطلاق 3 كتب نوعية عن المسجد الأقصى والقدس، ليغدو مجموع المجلدات التي ألفها 74 مجلدا.
ينشغل المؤرخ منذ أشهر بتحضيرات لإطلاق كتبه في مطلع سبتمبر/أيلول المقبل في عدة عواصم عربية وأوروبية، تلك الكتب التي عمل عليها وحده منذ عام 2008 وحتى العام الحالي، لتخرج باللغتين العربية والإنجليزية، ومجموع صفحات يصل إلى 1100 صفحات، ووصفها المفكر الإسلامي من واشنطن صافي قصقص بأنها “نصر أكاديمي للقدس”.
توثيق غير مسبوق
وعبر لقاء خاص مع الجزيرة نت عدّد المؤرخ غوشة أسماء كتبه الجديدة، أولها بعنوان “كنوز المسجد الأقصى المبارك” الذي يتضمن توثيقا مصورا وبحثيا غير مسبوق بمواصفات عالمية لكنوز الأقصى الأثرية. أما الكتاب الثاني فحمل عنوان “قاشاني القدس” حيث يتضمن توثيقا للبلاط القيشاني (السيراميك العثماني أو الإزنيك) الذي كُسيت به قبة الصخرة في القرن 16، ويؤكد غوشة أن هذا التوثيق هو الأول من نوعه، لأنه توثيق شامل من بيوت ومتاحف القدس وقبة الصخرة، بالإضافة إلى بلاط الكوتاهية في دير الأرمن بالبلدة القديمة في القدس.
“فسيفساء قبة الصخرة” كان اسم الكتاب الثالث، الذي يتضمن تفاصيل خلابة بتوثيق مصور يغطي 1800 متر مربع من الفسيفساء الإسلامية الأموية والفاطمية المذهّبة التي تكسو كرسي قبة الصخرة والجدران والمثمنات الداخلية لها، وينوه غوشة إلى أنها تُرفع عن الطبيعة بشكل كامل لأول مرة، بما يكفل إعادة ترميم أي جزء منها مستقبلا.
أصغر مؤرخ في غينيس
ولد محمد هاشم غوشة في الكويت عام 1972 وتعلم في مدارسها، ثم نال درجة البكالوريوس في تخصص الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك، ثم درجة الماجستير في الآثار الإسلامية من جامعة القاهرة، والدكتوراه في تاريخ العمارة الإسلامية من الجامعة نفسها. يعرّف المؤرخ نفسه بأنه مقدسي يحمل الجنسية الأردنية، حيث ينحدر من عائلة “غوشة” المتجذرة في القدس منذ نحو 400 عام، وعم والده هو الشيخ عبد الله غوشة كبير العلماء وقاضي القضاة في القدس، ورئيس لجنة إعمار المسجد الأقصى.
سُجّل غوشة في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية كأصغر مؤرخ في العالم، عندما صنّف أول كتاب له وعمره 15 عاما، وكان بعنوان “القدس الشامخة عبر التاريخ”، كما حصل عندما كان عمره 17 عاما على جائزة منظمة العواصم والمدن الإسلامية في فن العمارة وتخطيط المدن، وهي أعلى جائزة معمارية تمنح في العالم الإسلامي آنذاك. كما حصل عام 2006 على جائزة عبد المجيد شومان العالمية للقدس، وجائزة “الملك فيصل العالمية 2020″، التي تعد أرفع جائزة للبحوث الأكاديمية والعلمية.
أول موسوعة عن فلسطين بالإنجليزية
ترجمت بعض مؤلفات غوشة إلى عدة لغات، واعتمد في معظمها على المنهجية الجديدة في البحث العلمي التي تدمج بين المسح الميداني والتوثيقين الأكاديمي والمصور، بالتوازي مع البحث الأكاديمي والأرشيفات العالمية والمصادر الأولية، حيث اطلع على المراجع باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية واللاتينية التي تسبق القرن 19.
أكثر مؤلفات غوشة شهرة كان “بليستنيكا”، وهي أول موسوعة عن فلسطين بالإنجليزية، صدرت عام 2019 في 24 مجلدا وتتضمن 7 آلاف صفحة و30 ألف توثيق مرسوم ومصور وخرائط ونقوش ووثائق، معظمها مخطوطة أو مطبوعة قبل القرن 19، ووصلت الموسوعة إلى مختلف دور النشر في العالم، ووصفها الأمير الحسن بن طلال بأنها “أحد أهم الإنجازات الأكاديمية عن فلسطين في القرن الأخير”.
خبرات مساندة
افتتح غوشة عام 2021 دارا للنشر أسماها “التراث العربي”، وتُعنى بنشر الدراسات الأكاديمية العلمية التي تتعلق بتاريخ وتراث القدس وفلسطين بأقلام مؤلفين من جنسيات مختلفة، كما أصدرت خلال عام من إطلاقها 15 مؤلفا، وتوفر إصداراتها لمريديها حول العالم.
أتقن المؤرخ المقدسي العديد من المهارات التي ساعدته في مسيرته البحثية، أبرزها إتقان اللغتين الإنجليزية والعثمانية القديمة، والقدرة على قراءة الوثائق القديمة (المملوكية والعثمانية) باحترافية، بالإضافة إلى قراءة النقوش الحجرية التاريخية، والكتابة الأكاديمية، والتصوير الفوتوغرافي، والرسم الهندسي، إلى جانب الرفع المعماري الذي يوثق الحالة الإنشائية للآثار وفق مقاييس هندسية تضمن وصف الأثر ورسمه.
مع امتلاكه تلك الخبرات، يستعين غوشة فقط بفريق من المصممين، ولا ينسى فضل أصدقائه حول العالم الذين دعموه في قضية الشراء المبكر للكتب والدعم اللوجيستي، كما يتحدث عن دعم القراء المستمر له، وعلاقته الطيبة مع كثير من الباحثين والدارسين العرب والأجانب، الذين لم يكتم عنهم معلومة يوما.
أكبر مكتبة أكاديمية
أحب مؤلفات غوشة إلى قلبه هي الأعمال التي تتحدث عن المسجد الأقصى، وأبرزها -إلى جانب المجموعات الجديدة- كتاب “قبة الصخرة” الذي طبع عام 2012 بمقاس نصف متر للصفحة. وكتاب “المسجد الأقصى” عام 2014، الذي يقع في 800 صفحة من القطع الكبير، ويوثق كل معالم الأقصى داخل سوره. أما أحب المؤرخين إليه فهم كامل العسلي، وعارف العارف، ومصطفى الدباغ، وعبد الله مخلص، ومجير الدين العليمي الحنبلي.
“يحتوي بيتي على أكبر مكتبة أكاديمية عن القدس وفلسطين، وأعمل حاليا على مؤلفات عن القدس ستخرج إلى النور قريبا”. يقول المؤرخ ذلك معترفا بأن جل وقته يذهب للبحث والتأليف على حساب الحياة الاجتماعية، ويختم بأنه “لم تكن بداياتي مفروشة بالورود، كنت أدعى لمؤتمرات عالمية وأنا طالب مدرسي، خصوصية البحث في مدينة القدس لا يعادلها شيء، عشت سنين عمري في القدس حتى وأنا خارجها ولو عبر دفتيّ كتاب”.