أطعمة بنغلاديش المحلية تنال شهرة في أرجاء العالم بسبب “قرية يوتيوب”
تغرز روبالي خاتون إصبعها داخل خليط اللبن والشعيرية، لتختبر إذا كانت الوجبة أصبحت جاهزة للتقديم؛ وبهذا انتهت من إعداد وجبة العشاء، في حين تفوح في الهواء رائحة الثوم المشوي والفلفل المقلي.
وفي فناء واسع، تقوم امرأة من فريقها بتحميص الحمص، كما تقوم أخرى بإعداد مشروب تقليدي، ويشارك الكل في إعداد وجبة تكفي 300 فرد.
ويمد الصغار الحصائر المصنوعة من نبات هوجلا باتا المجفف، الذي يعرف أيضا باسم حشائش الأفيال، وهو نبات ذو أوراق ينمو في مروج قرية شموليا النائية في منطقة كوشتيا (جنوب غربي بنغلاديش).
بين ولائم الأمس واليوم
وقامت خاتون وفريقها من قبل بإعداد مئات من هذه الولائم المماثلة من أجل القرويين، بواقع مرتين في الأسبوع لأكثر من 5 أعوام مجانا، ويتكون فريق العمل من 14 امرأة، وكلهن كن ربات بيوت في السابق، والآن اشتهرن بمهارتهن في الطهي، ويقمن بتحضير أطعمة تقليدية فقط، تتوافق مع ما يحب هذا التجمع السكاني أن يتناوله.
أما اليوم فيقوم فريق مزود بالكاميرات بتصوير المشهد، ابتداء من إعداد الطعام إلى تقديمه، وسيتم في وقت لاحق تحميل الحدث على قناة “أروند مي بي دي” (AroundMeBD) على منصة يوتيوب، وهي قناة مخصصة لعمليات الطهي في القرى ببنغلاديش، ويبلغ عدد المشتركين فيها نحو 4.2 ملايين مشارك، ويبلغ عدد المشاهدات 1.33 مليار مشاهدة.
مائدة لـ1500 شخص
تقول خاتون “في البداية كنا نعد الطعام لنحو 20 شخصا، والآن نطهو من آن لآخر لما يصل إلى 1500 شخص في المرة الواحدة”. ولم تكن لدى خاتون (أم لطفلين) خبرة سابقة قبل أن تنضم إلى فريق العمل.
ويكمل الإيراد المالي الجديد الذي حصلت عليه من إذاعة مقاطع فيديو الطهي على القناة الدخل الشهري الذي يجلبه زوجها إلى البيت من عمله اليومي.
ومن ناحية أخرى، تقول عضوة الفريق شارمين أختر “إنني أشعر بالزهو لأن مئات الآلاف من الناس يشاهدون مقاطع الفيديو التي أقدم خلالها فنون الطهي المحلي”.
“قرية يوتيوب”
وتضيف خاتون أنها تفخر أيضا بأن الناس أصبحوا يطلقون على قريتها وصف “قرية يوتيوب” بفضل شعبية القناة.
ويظهر أكثر من 200 مقطع فيديو أهالي القرية وهم يعدون وجبات من لحوم الماعز المشوية، مع 14 من الكوارع و40 وجبة معدة من أمعاء الماعز بالكاري، بالإضافة إلى طبق معد من نحو 300 كيلوغرام من لحم الجاموس.
كما قدم الفريق كعكة الفانيلا التي يبلغ وزنها 200 كيلوغرام، بمناسبة الاحتفال بيوم الفالنتاين.
ويمكن لمشاهدي القناة رؤية الفريق وهو يعد حلوى “راشر بايش” التقليدية، المصنوعة من اللبن الدسم وعصير البلح.
يبدأ مقطع الفيديو بعضوات الفريق وهن يسرن عبر حقل مرتديات ملابس أرجوانية اللون، ويحملن أباريق مصنوعة من الطين، ويقمن بغلي العصير في آنية مسطحة واسعة في فناء، ثم يوزعن الحلوى على صغار القرية.
ويقول ليتون علي خان -وهو مهندس برمجيات أسس القناة عام 2016 على أنها نوع من التسلية- “إننا نحب أن نطعم أهالي القرية، ونروّح عن أنفسنا، ونعرض تراث الطهي في قريتنا من خلال هذه القناة”.
وبدأ علي خان عرض الحياة اليومية في العاصمة داكا، ابتداء من الشوارع التي تضج بالحركة والنشاط، إلى ألعاب الأطفال ذات الألوان الزاهية، انتهاء بالأسواق وصائدي الأسماك، وسرعان ما اجتذبت قناته عددا كبيرا من المشتركين.
وقرر خان التحول إلى كسب المال من القناة، وناقش أفكاره مع عمه ديلوار حسين الذي يعمل معلما، وقررا التركيز على الطهي، ودشنا مشروعا خيريا يشارك فيه متطوعون محليون يعدون الوجبات، وجاء الشباب المتحمسون لتصوير الفعاليات بهواتفهم الذكية.
طائرات مسيرة وجمهور عالمي
وقال خان لوكالة الأنباء الألمانية -من مكتبه بحي ميربور بدكا، حيث يقوم بتجهيز لقطات الفيديو التي أرسلها القرويون- “نحن نستخدم الآن طائرات مسيرة وكاميرات حديثة”. ويحمّل 4 مقاطع فيديو على الأقل كل شهر.
وساعد نجاح القناة كثيرا من السكان الذين يعانون، كما قامت بدور في تعزيز روح الجماعة، وفقا لما يقوله رئيس المجلس المحلي لقرية شيموليا عبد القدوس.
ويضيف أن الوجبات منحت الأشخاص الفقراء فرصة لتناول أطعمة مثل سمكة السيف أو الإستاكوزا، وهي أطعمة ما كان يمكن لهم أن يتذوقوها من أي طريق آخر.
وحازت مقاطع الفيديو على ثناء المشاهدين في مختلف أنحاء العالم، بدءا من المعجبين حتى المدونين المتخصصين في الأطعمة على منصات التواصل، وأيضا خبراء الاقتصاد مثل تيلر كاون أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج ماسون بولاية فيرجينيا.
وتعد ظاهرة شيموليا جزءا من اتجاه متنام عبر منطقة جنوب آسيا، مع وصول الإنترنت إلى المجتمعات الريفية، ويقوم القرويون بعرض معالم ثقافتهم في مجال الأطعمة أمام متفرجين من جميع أنحاء العالم، عبر منصات رقمية مثل يوتيوب وفيسبوك.
وهذا التطور صارت له جاذبيته الخاصة في بنغلاديش، وهي دولة يبلغ تعدادها 170 مليون نسمة، من بينهم نحو 124 مليون شخص يستخدمون شبكة الإنترنت، ويحاولون الحصول على دخل من خلال المنصات الرقمية عن طريق عرض ملامح ثقافتهم.