أعلن فريق من مختبر لورانس ليفرمور الوطني التابعة لوزارة الطاقة الأميركية عن نجاحهم للمرة الأولى في التاريخ في تحقيق نتائج إيجابية من تفاعل اندماج نووي آمن، الأمر الذي يفتح الباب لإمكانات واعدة في إنتاج الطاقة مستقبلا.
وبحسب الإعلان الرسمي، الذي تم في مؤتمر عقدته وزارة الطاقة الأميركية يوم 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فقد تمكن الباحثون من توجيه 192 شعاع ليزر ناحية عينة من الديوتيريوم محصورة داخل كبسولة بحجم حبة عنب أو أقل قليلا، لتسخينها كي تصل إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية، ويبدأ الاندماج النووي في الحدوث.
تم إجراء هذا النوع من التجارب على مدى عدة عقود، لكن هذه كانت المرة الأولى التي يحافظ فيها التفاعل على ثباته، والأهم من ذلك أنه أنتج قدرا من الطاقة (3 ميغا جول) أكبر من قدر الطاقة الداخل إلى التفاعل (2 ميغا جول) لأول مرة في تاريخ هذا النوع من التجارب.
نعرف أن الذرة، أي ذرة، تتكوَّن من إلكترونات تدور حول نواة، تحوي النواة بدورها جسيمات أخرى وهي البروتونات والنيوترونات. “العدد الذري” هو عدد البروتونات في نواة الذرة، وهو ما يُحدِّد طبيعة العنصر، فالهيدروجين تحتوي نواته على بروتون واحد، الهيليوم 2، الليثيوم 3، الكربون 6، الأكسجين 8، الكلور 17، وهكذا.
الاندماج النووي يدمج نواتَيْ ذرتين معا، فتجتمع بروتوناتهما، بالتالي يرتفع عدد بروتونات العنصر فيتحوَّل إلى عنصر آخر. هذا بالضبط هو ما يحدث في نواة الشمس، وكذلك في المفاعلات الاندماجية، حيث تُدمَج ذرات من نظائر الهيدروجين (الديوتيريوم في هذه الحالة) معا لبناء الهيليوم.
ولإحداث اندماج نووي في مكان آخر غير باطن النجم، يجب أن يتحايل العلماء في مختبر لورانس ليفرمور الوطني Lawrence Livermore National Laboratory (LLNL) باستخدام الليزر إلى جانب مجالات مغناطيسية قوية للوصول إلى تلك الدرجات المرتفعة جدا من الحرارة، والحفاظ على ثباتها.
والاندماج النووي، هو عكس الانشطار النووي، ففي الأول يتم دمج الذرات مع خروج قدر هائل من الطاقة، أما في الثاني فيتم شطر الذرات مع خروج قدر أقل من الطاقة.
ولفهم مدى أهمية هذا الإنجاز، فإنه لو قررنا وضع كمية من الوقود الذي يشعل الاندماج النووي بشاحنة صغيرة، فإنها ستولد قدرا من الطاقة يساوي ما تقدمه 10 ملايين برميل من النفط!
يُطلِق الاندماج النووي ما يقرب من 4 ملايين ضِعْف الطاقة الناتجة عن التفاعلات الكيميائية التي تحدث أثناء احتراق الفحم أو النفط أو الغاز، و4 أضعاف الطاقة الناتجة من تفاعلات الانشطار النووي.
أضف إلى ذلك أن وقود الاندماج النووي يتوفر على نطاق واسع ولا ينضب تقريبا، لأنه يمكن تقطير الديوتيريوم من جميع أشكال الماء (ماء البحر مثلا)، لذلك قد يؤدي استخدام طاقة الاندماج النووي إلى خفض أسعار الكهرباء عالميا انخفاضا ملحوظا.
ولا يسمح هذا النوع من التفاعلات بوقوع حوادث تسريب نووية مثلما حدث في حالة مفاعل “فوكوشيما” في اليابان (حادثة التسريب عام 2011) أو حالة تشرنوبل في الاتحاد السوفياتي السابق (حادثة انفجار المفاعل 1986)، من جانب آخر لا تُنتج مفاعلات الاندماج النووي نشاطا عاليا ونفايات نووية طويلة العمر.
إلى جانب ذلك، فإن التفاعلات الاندماجية لا تنفث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، الأمر الذي يتسبب في احترار الكوكب. المنتج الثانوي الرئيسي للاندماج النووي هو الهيليوم، وهو غاز خامل وغير سام.
وفي كل الأحوال فإن ما أنجزه العلماء في مختبر لورانس ليفرمور الوطني ليس إلا خطوة مهمة على طريق طويل لإنشاء أول مفاعل نووي اندماجي في تاريخ البشر، ويتطلب الأمر مزيدا من البحث لتثبيت تلك العينات إلى فترة أطول وابتكار هندسة آمنة تحتويها. ويُعتقد أنه بحلول عام 2040 ستبدأ بعض دول العالم في استغلال طاقة الاندماج النووي لتوريد الكهرباء إلى مُدنها.
يأتي ذلك في سياق مهم، حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية التابعة للأمم المتحدة أنه بحلول عام 2050 سيزداد استخدام الطاقة الكهربائية بين الضعف والضعفين على مستويات اليوم، مع ضرورة الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.