أميركا تتجسس على العالم بـ5 عيون.. تعرف على التحالف الاستخباراتي الأهم في العالم
واشنطن- أهم عواقب تسريب وثائق البنتاغون الأخيرة ستكون سياسية في طبيعتها وفقا لمجلة “إيكونوميست” (The Economist) التي أكدت أن هذه الحادثة ستوضح للجميع أن جواسيس أميركا يجمعون معلومات استخباراتية عن أقرب حلفائهم.
وكقوى عالمية لها وجود طاغٍ عسكري وثقافي حول العالم، تتشاور الولايات المتحدة مع العديد من حلفائها وشركائها في تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتجمع واشطن علاقات استخبارية خاصة مع إسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك وألمانيا.
لكن هؤلاء الحلفاء لا يتمتعون بعضوية النادي الاستخباراتي الخاص والمغلق على حلفاء أميركا من الدول المتحدثة باللغة الإنجليزية، بريطانيا وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا والذي يطلق عليه “العيون الخمس” (Five Eyes)، ولم يُعرف الكثير عن أنشطة وطبيعة هذا التحالف حتى حدوث التسريبات التي أطلقها إدوارد سنودن في عام 2013.
وينظر إلى “العيون الخمس” على نطاق واسع على أنه أهم تحالف استخباراتي في العالم، ويمكن إرجاع أصوله إلى سياق الحرب العالمية الثانية وضرورتها لتبادل المعلومات الحيوية بشكل أساسي بين بريطانيا والولايات المتحدة حتى تتمكنا من تعزيز جهودهما الحربية.
أصول التحالف
نتج عن الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945 علاقات خاصة جمعت واشنطن ولندن في وقت بدأ فيه فرض ستار حديدي سوفياتي على القارة الأوروبية. وفي عام 1946 وقعت الدولتان اتفاقية سرية رسمية لتبادل المعلومات الاستخباراتية من أجل مكافحة التهديد السوفياتي.
وتوسعت الاتفاقية لتشمل أيضا كندا في عام 1948 وأستراليا ونيوزيلندا في عام 1956، وكل هذه البلدان الثلاثة الأخيرة ناطقة باللغة الإنجليزية، وأعضاء في كومنولث الأمم ولديها أنظمة سياسية مماثلة بالمقارنة مع بريطانيا، وكانت سرية التعامل والإشارة للتحالف كبيرة لدرجة أن المعاهدة التي أنشأته لم تكن معروفة أو متاحة للعديد من السياسيين والمشرعين في الدول الخمس، ولم يتم إزاحة الستار عن الاتفاقية إلا في يونيو/حزيران 2010.
وحتى نهاية الحرب الباردة، كانت الدول الخمس متحدة في محاولاتها لهزيمة الاتحاد السوفياتي، وتركزت الجهود على استئصال الجواسيس السوفيات أو تجنيد الدبلوماسيين الروس للعمل لصالح هذه الدول.
ويتعرض التحالف لانتقادات عديدة تتمحور حول أنه تحالف يشوبه عدم الثقة والأخطاء وسوء التقدير، وتحالف يحب أن يرى نفسه مسؤولا عن الحفاظ على سلامة دوله، ولكنه في بعض الأحيان لم يفشل في ذلك المسعى فحسب، بل ساهم أيضا في انعدام الأمن العالمي.
وعلى سبيل المثال، تُتهم الاستخبارات البريطانية والأميركية بالمسؤولية عن سلسلة من الأحداث التي تسببت في زعزعت استقرار الشرق الأوسط حتى الآن مثل الإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطيا في إيران في خمسينيات القرن الماضي، وصولا لأخطاء بخصوص وجود أسلحة دمار شامل في العراق وغزوه عام 2003.
ميثاق التحالف
لتحالف العيون الخمس أمانة عامة وسكرتارية مركزية لدعم وتنسيق مهامه وأعماله، وتتخذ الأمانة التنفيذية من مكتب المفتش العام لمجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة مقرا لها.
واتفقت أطراف التحالف على الإشراف على أنشطة الاستخبارات ومراجعتها وتأمينها في الدول الأعضاء، على أن يكون لكل دولة تمثيل مساو في اجتماعات مجلس استخباري من الدول الخمس، ويهدف المجلس إلى أن يعمل كمنتدى؛ حيث يمكن لأعضاء المجلس تبادل وجهات النظر حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
ويعقد المجلس سنويا اجتماعا واحدا على الأقل بحضور كبار المسؤولين شخصيا، في حين يعقد المجلس اجتماعات على أساس ربع سنوي عن طريق الاتصال الآمن عن بُعد.
وفي حين أنه من المسلم به أن وكالات الاستخبارات في دول العيون الخمس تتعاون عملياتيا بموجب الاتفاقية الرسمية أو بصور غير رسمية، يلتزم أعضاء المجلس بتسهيل تبادل المعلومات والتعاون عند الحدود التي يفرضها القانون داخل كل دولة.
تقسيم جغرافي
خلال الحرب الباردة اعتمدت الولايات المتحدة على مراكز تنصت بريطانية راسخة في الأراضي التي كانت جزءا من الإمبراطورية البريطانية للحصول على إشارات استخباراتية، خاصة في بعض مناطق الشرق الأوسط، ثم أصبح من المعروف أن كل عضو في التحالف مسؤول عن جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها في مناطق محددة من العالم.
وتراقب بريطانيا، أوروبا وغرب روسيا والشرق الأوسط وهونغ كونغ، وفي الوقت نفسه، تشرف الولايات المتحدة أيضا على الشرق الأوسط بالإضافة إلى الصين وروسيا وأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، أما أستراليا فمسؤولة عن جنوب وشرق آسيا، بينما تتابع نيوزيلندا جنوب المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا. وتراقب كندا المناطق الداخلية من روسيا والصين وأجزاء من أميركا اللاتينية.
ورغم هذا التقسيم، فإنهم يعملون معا بشكل أساسي، و”المنتج النهائي” بشكل عام هو نتيجة لجهد أكثر من عضو واحد من التحالف، ولا يعني التقسيم الإقليمي أن الأطراف ملزمة بتوجيه جهودها فقط إلى تلك المناطق.
إرث وتحديات التحالف
ما كان لمثل هذا الاتفاق المعقد أن يوجد أبدا لولا الجوانب المتقاربة لجميع الأعضاء الخمسة، فالدول الخمس تشترك في مبادئ مشتركة، مثل القيم الديمقراطية الليبرالية، والمصالح والثقافات الوطنية المتشابهة، علاوة على ذلك منذ الحرب العالمية الثانية، تشترك بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة في نفس التهديدات لأمنها القومي سواء كانت تقليدية أم لا.
كل هذه الخصائص توحد جهودهم وتعزز الثقة المتبادلة، التي لا غنى عنها للعيون الخمس، وفي سياق الثقة المتبادلة، يبدو أن الشركاء الخمسة لا يستهدفون بعضهم البعض، ومع ذلك، لا توجد وسيلة لضمان عدم حدوث التجسس على بعضهم البعض.
ويرى جون ماكلافلين، القائم بأعمال المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، أن “الثقة هي جوهر علاقة العيون الخمس، وتنبع قوة هذه الثقة من المصدر الأكثر شيوعا لتلك الصفة، تاريخ من القيام بأشياء صعبة وخطيرة معا”، مشيرا إلى أن العلاقات بين الأعضاء اتسمت طوال الوقت بالصراحة والقدرة على تنحية السياسة جانبا لصالح المصالح الجماعية.
ويرى ماكلافلين أن تحديات المستقبل عديدة، “وستكون الأولوية الملحة بشكل خاص هي تعزيز التعاون في مجال التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وفي عصر ينفجر فيه حجم المعلومات، ومن الضروري أكثر أن نستخدم حرفتنا لفصل الحقيقة عن الخيال وتقديم الحقيقة النقية إلى صانعي السياسات لدينا”.