أنطولوجيا الشعر الفلسطيني الراهن.. كيف ينظر الشعراء الجدد إلى قضية فلسطين؟
منذ زمن النكبة وطوال عقود طويلة كانت القضية الفلسطينية عنوانا رئيسيا للشعر الفلسطيني وبوصلة للقصائد التي تروي قصة الوطن السليب وتتغنى بحلم الحرية من الاحتلال والحنين إلى البلاد.
ومع ذلك، يرى شعراء مغاربة وعرب أن الجيل الجديد من الشعراء الفلسطينيين أصبح يركز على مأساته اليومية أكثر من تركيزه على القضية الفلسطينية بسبب ما يشعر به من إحباطات متوالية.
يقول الشاعر والمترجم والكاتب المغربي الفرنكفوني عبد اللطيف اللعبي -الذي أصدر حديثا مع الشاعر والروائي والإعلامي المغربي ياسين عدنان كتاب “أنطولوجيا الشعر الفلسطيني الراهن”- إن ما يميز هذا الشعر “هو أن صوت الشاعر أصبح يركز على مأساته كإنسان وليس كشخص أو مجموعة أو قضية”.
وأضاف -في مقابلة مع رويترز على هامش تقديم الأنطولوجيا في ندوة استضافتها الدورة الـ27 لمعرض الكتاب الدولي المنعقد حاليا بالرباط مساء الأحد- “كان من الضروري إصدار هذه الأنطولوجيا، فالقارئ العربي يعرف أكثر شعراء الجيل القديم من شعراء المقاومة، كمحمود درويش، ومعين بسيسو، وتوفيق زياد”.
تقهقر الشعر
وتابع “الآن هناك شعراء فلسطينيون في مختلف أصقاع العالم، آيسلندا، السويد..، هذا الشعر أصبح يتطرق إلى معيشته الخاصة، كيف يعيش هذا التقهقر الذي حصل في الاهتمام بالقضية الفلسطينية، والخطر هو أن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني قد تهضم”.
وأضاف اللعبي الحاصل على جائزة جونكور الفرنسية في عام 2009 “هذا الأمر فرض علينا (ياسين عدنان وأنا) أن نقوم بهذه الأنطولوجيا، هناك تغييب خطير جدا لقضية الشعب الفلسطيني على المستوى العربي والدولي”.
وأضاف “في هذه الظروف العسيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني كان -بالنسبة لي كمثقف وشاعر- أضعف الإيمان أن أقوم بهذا العمل”.
والأنطولوجيا جمعها بالإضافة إلى اللعبي الكاتب والشاعر والإعلامي المغربي ياسين عدنان وتقع في 234 صفحة صادرة عن دار نشر المتوسط كما ترجمها اللعبي إلى الفرنسية.
وتضم 13 صوتا شعريا نسائيا و13 رجاليا، وتعمد اللعبي “أن تكون الأصوات النسائية والرجالية متساوية”.
وقال “هذا عمل جبار قام به ياسين عدنان لأنه رجل إعلام.. لم نكتف فقط بالشعراء الذين نشروا في كتب، بل ذهب ياسين أبعد من ذلك إلى ما ينشر في الإنترنت، فأجيال جديدة تنشر على الإنترنت أكثر مما تنشر في الكتب”.
تحدي الإحباط والهشاشة
ومن جهته قال عدنان لرويترز “على المستوى العربي أحسسنا كما لو أن فلسطين تختنق صوتا وقضية وحضورا، قد تكون هناك مبادرات سياسية لا ننظر إليها بعين الرضا، لكن نحن كشعراء، بعيدون عن السياسة، فكل ما نملك هو الشعر، لذلك اشتغلنا، عبد اللطيف اللعبي وأنا، على هذه الباقة الشعرية لكي نعيد عبرها لفت النظر إلى فلسطين”.
وأضاف أنه من خلال متابعته على وسائل التواصل الاجتماعي والمجلات الإلكترونية شعر “بأن هناك أشياء جديدة تحصل في الشعرية الفلسطينية، وهي تحولات على مستوى القضايا، تخفف من الشعار وابتعاد عن القضايا الكبرى”.
وقال “ربما أناس يكتبون هشاشتهم بدون عقدة نقص، لا يحسون بالفخر في انتمائهم العربي حتى علاقتهم بفلسطين، لم يعد (موجودا) ذلك الفلسطيني الذي يتغزل بفلسطين، هناك تحولات عميقة طالت الكائن والذات الفلسطينية وتمظهرت في القصيدة”.
وأضاف أن الاختيارات الشعرية في الأنطولوجيا حاولت أن تعكس هذه التحولات”.
وأوضح عدنان لرويترز “نحن بعيدون عن صوت محمود درويش الذي يقول “سجل أنا عربي”، ويفتخر بالانتماء إلى الأمة العربية، لا نحس بهذا الفخر في هذه القصائد.. أحيانا تشعر بأن فلسطينيتهم ورطة وجودية يعانونها ويشتبكون معها بقلق”.
وقال “لم يعد الشاعر الفلسطيني الجديد رومانسيا كالسابق، لم يعد تبشيريا.. بلغ به الإحباط درجة قادته إلى هشاشة قصوى”.
وقال الشاعر الفلسطيني خالد سليمان الناصري لرويترز بعد الندوة “هذه الأنطولوجيا انتبهت لشيء مهم، وهو أن الشعر الفلسطيني ما عاد هو الشعر الذي كان… يشبه السلاح والقتال، أصبح الشعر يرتبط بالحالة الفلسطينية الإنسانية بالقضية الإنسانية أكثر”.
وأضاف “الانتفاضة متوقفة مع الأسف، سلاح الشاعر الآن هو كلمته.. اكتشفنا مع الزمن أن الاشتغال على الفن والإبداع الحقيقي بعيدا عن الأيديولوجيات والأصوات العالية هو أكثر جدوى”.
وقال عدنان إن الأنطولوجيا ابتعدت عن الشعراء الكبار وركزت على مستقبل الشعر الفلسطيني “توجهنا إلى أصوات جديدة وواعدة، فيهم أناس ليس لهم أي ديوان، ومع ذلك اخترناهم ولكن العبرة بالنصوص والاحتكام إليها”.
خريطة الغياب
وصدرت قبل عامين أنطولوجيا شعرية فلسطينية أخرى بعنوان “خريطة الغياب” للأكاديمي والناقد الفلسطيني عاطف الشاعر، ويرصد فيها تطور إحساس الشاعر والكاتب الفلسطيني بنكبته، وتحولات التعبيرات الشعرية، وتنوع وابتداع قوالب جديدة خصوصا مع الميل المتزايد للشعر الحر، في رحلة عبر أكثر من 5 قرون من الإنتاج الأدبي والشعري الفلسطيني.
وينطلق الكتاب من تجميع أهم أعمال الشعراء الفلسطينيين، من محمود درويش، وغسان كنفاني، وسميرة عزام، وجبرا إبراهيم جبرا، وصولا للجيل الحديث، ليظهر أن كل هؤلاء حرّكتهم النكبة وكانت بوصلتهم، للتعبير عما تركه ذلك الحدث في الذات الفلسطينية، وكيف قلب حياة الفرد الفلسطيني رأسا على عقب، وفي الوقت نفسه كيف ساعد الشعر الفلسطيني في الحفاظ على الذاكرة الجمعية لشعب أرضه محتلة ويتعرض لحملة ممنهجة للسطو على ثقافته، وفق تقرير سابق للجزيرة نت.
وخلال تقديم هذه الأنطولوجية التي تحاكي التغريبة الفلسطينية من بوابة الشعر، في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (ساوس) بجامعة لندن، أكد المؤلف عاطف الشاعر أن النكبة تم التعبير عنها في أشعار الأدباء الفلسطينيين عن طريق ما عاشوه في حياتهم اليومية “فلم تكن هذه القصائد عبارة عن خطاب سياسي”، بقدر ما حاولت أنسنة القضية الفلسطينية ونقل تفاصيلها والأحاسيس التي يشعر بها الفلسطيني في صحوه وحتى نومه وهو المهدد بالقصف أو اقتحام بيته في أي لحظة.