على الرغم من أن العقارات في مصر تعدّ قطاعا يفضّل المصريون الاستثمار فيه باعتباره أحد الملاذات الآمنة من انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم، فإن هناك حالة من عدم اليقين تسود فيما يتعلق بالمشروعات العقارية الجديدة.
يمرّ الآن قطاع التشييد والبناء في مصر -أحد أهم القطاعات الاقتصادية التي تسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي- بأوقات عصيبة وعدم استقرار، نتيجة تقلبات سعر الصرف وارتفاع أسعار مواد البناء والتشطيبات.
وأشارت مؤسسة “فيتش سوليوشنز” فى تقريرها الأخير في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى تباطؤ قطاع العقارات بنسبة 9% خلال العام الحالي، بعد نمو كان متوقعا بنسبة 11% في 2022.
وشكّل ارتفاع أسعار الحديد من 15 ألف جنيه للطن إلى نحو 29 ألف جنيه (الدولار يساوي 30.62 جنيها)، عبئا ماليا على المقاولين والمطورين والمستهلكين.
أسباب الأزمة
ورصد تقرير صادر عن “المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية”، تأثر قطاع التطوير العقاري في مصر بشكل كبير ومباشر بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا وما ترتب عليها من ارتفاع أسعار المعادن وحديد البناء.
وساهمت التطورات الاقتصادية المحلية -وفي مقدمتها تحريك سعر صرف الجنيه في الفترة الأخيرة- في إحداث ارتفاعات متتالية لأسعار مواد البناء المختلفة، مما أدى لارتفاع تكلفة تنفيذ المشروعات العقارية بشكل كبير.
وبحسب التقرير، تتمثل أبرز التهديدات لقطاع التشييد والبناء بمصر في تباطؤ الطلب المحلي على الأنشطة العقارية نتيجة لانخفاض تحويلات العمالة المصرية من دول مجلس التعاون الخليجي.
ورغم التحديات التي يمرّ بها قطاع التشييد والبناء، فإنه سيظل أحد المحركات الرئيسية للنمو الرئيسي في مصر على المدى الطويل، لكنه قد يشهد ركودا طفيفا خلال العام الجاري نتيجة تأثره بالأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية.
ترشيد الإنفاق الحكومي وتأثيره على قطاع المقاولات
دفعت الأزمة الاقتصادية الحكومة المصرية إلى تأجيل المشروعات القومية (معظمها يتركز في البنية التحتية) لترشيد الإنفاق العام ومواجهة نقص العملة الصعبة، مما قد يعمق أزمة قطاع الإنشاءات في الوقت الحالي، بحسب موقع “إنتربرايز” الاقتصادي.
وانعكست هذه القرارات بالسلب على قطاع المقاولات، مما أدى إلى حدوث خسائر تقدر بنحو 40 مليار جنيه (1.34 مليار دولار)، وفق تقديرات الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء.
وقد ساهم انخراط الحكومة المصرية في مشاريع البنية التحتية والعقارات على مدار السنوات الماضية منذ 2015، في جعل هذا القطاع أحد أكثر القطاعات سرعة ونموا، بعد ضخ عشرات مليارات الدولارات في تلك المشروعات.
وبحسب تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جلسة حوارية على هامش فعاليات القمة العالمية للحكومات التي عقدت بدولة الإمارات، تقوم مصر بإنشاء 24 مدينة ذكية، مشيرا إلى أن 50% من الكتلة السكانية بمصر على مدى السنوات الماضية كانت قائمة على العشوائيات، وبالتالي لم تكن هناك أي تنمية عمرانية.
حلول مقترحة
ومن أجل التغلب على تداعيات أزمة خفض الجنيه وارتفاع سعر الدولار، تقدمت غرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية وشعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية بعدة مطالب للحكومة، تضمنت:
- إضافة مدة زمنية لكل المشروعات الجاري تنفيذها، ما بين 9 و12 شهرا، من دون احتساب أي فوائد.
- إرجاء سداد الأقساط والفوائد على الأراضي لمدة زمنية توازي المهلة الممنوحة لتنفيذ المشروعات لجميع الأقساط المتبقية.
- ضمّ القطاع العقاري لمبادرة الحكومة لدعم الصناعة المصرية بتمويلات تبلغ 150 مليار جنيه بفائدة 11% مدعمة من الدولة.
- طرح الأراضي الجديدة بأقساط على فترات زمنية طويلة تصل إلى 10 سنوات.
بدوره استجاب مجلس هيئة المجتمعات العمرانية إلى بعض المطالب، واتخذ مجموعة من القرارات التي وصفها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بالمهمة وتصب في صالح قطاع التطوير العقاري، وجاءت أهم القرارات كالآتي :
- مدّ المدد الزمنية لمشروعات التطوير العقاري بنسبة 20%، مع ترحيل الأقساط بنفس المدد لتقليل الضغط الواقع على المطورين العقاريين.
- ترك مهلة للمطور الذي انتهى من 85% من مشروعه لتنفيذ ما تبقى من المشروع دون جدول زمني محدد.
توقعات عام 2023
قفزت المبيعات في وسق العقارات بنحو 30% في عام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه، رغم ارتفاع الأسعار ما بين 20% و30%، وذلك بسبب زيادة الطلب على الوحدات السكنية، بحسب المهندس فتح الله فوزي نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس لجنة التشييد والبناء بالجمعية.
وأشار فوزي في حديثه للجزيرة نت إلى أن 25% من المبيعات هي بغرض الاستثمار وليست للسكن، من أجل الحفاظ على المدخرات وكملاذ آمن من التضخم الناجم عن تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار.
وتوقع أن تقفز أسعار العقارات خلال عام 2023 بأكثر من 50%، نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء كالحديد والأسمنت والأخشاب والتشطيبات الداخلية للوحدات السكنية تأثرا بالتضخم، مشيرا إلى أن أكثر المتضررين هي المنشآت التجارية والإدارية التي تعتمد على الاستيراد في تشطيبها.
واعتبر الخبير في مجال العقارات أن استجابة الحكومة لبعض مطالب المطورين العقاريين سيخفف من وقع الأزمة الاقتصادية على بعض الشركات، خاصة أن بعض المطورين الصغار باتوا عرضة للتعثر على عكس المطورين الكبار الذين يتمتعون بسيولة مالية كبيرة.
العقار ملاذ آمن للمدخرات
وقال رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة أحمد الزيني إن قطاع العقارات في مصر ضخم وينقسم إلى مستويات مختلفة، وقد يمر ببعض الاضطرابات لكنه لا يتوقف ولا يتراجع، لأنه أحد الخيارات الموثوقة عند خفض قيمة الجنيه وارتفاع التضخم، والكثيرون يفضلون الاستثمار بشراء وحدات سكنية.
ورهن الزيني استقرار أسعار العقارات باستقرار سعر الصرف مما يسهم بتهدئة الأسواق وزيادة المبيعات، ورأى أن القطاع العقاري لا يخسر مهما ارتفعت الأسعار، لكن قد تتراجع الأرباح.
ويسهم قطاع المقاولات بنحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء الذي يضم تحت مظلته نحو 30 ألف شركة، منها نحو 15% إلى 20% من شركات الدرجة الأولى التي تنفذ المشاريع الضخمة.
وتحتاج مصر من 500 إلى 600 ألف وحدة سكنية سنويا، نتيجة الزيادة السنوية في عدد السكان التي تقدّر بنحو 2 إلى 2.5 مليون نسمة سنويا، بحسب وزير الإسكان عاصم الجزار، مؤكدا استمرار زيادة الطلب على هذه الوحدات.