جاء أداء كريستيان بيل ساحرا فقد استطاع أن يقدم إضافة حقيقية إلى فيلم متوسط المستوى بموهبته الكبيرة (مواقع التواصل الاجتماعي)

جاء أداء كريستيان بيل ساحرا فقد استطاع أن يقدم إضافة حقيقية إلى فيلم متوسط المستوى بموهبته الكبيرة (مواقع التواصل الاجتماعي)

في الأسبوع الأول من عام 2023 طرحت منصة نتفليكس (Netflix) فيلم “العين الزرقاء الشاحبة” (The Pale Blue Eye) بطولة النجم كريستيان بيل، وهو عمل ينتمي إلى الإثارة والتشويق.

وقبل إضافته إلى المنصة عرضت نتفليكس الفيلم بصورة محدودة في بعض دور السينما، وهو أمر مشاع لإتاحة الفرصة أمام الأفلام للترشح للجوائز.

 

لكن فيلم كريستيان بيل لن يحصل على ترشيح أوسكار جديد، بل المؤكد أنه فيلم مسلٍ للمشاهدين، ويجعلهم يترددون بين رغبتهم في إغماض عيونهم هربا من المشاهد المخيفة أو خوفهم من تفويت لقطة قد تغير الأحداث.

 

شارلوك هولمز وواتسون من نوع خاص

يقدم كريستيان بيل في الفيلم دور الشخصية الخيالية “أوغستوس لاندور”، وهو محقق شرطة متقاعد وأرمل، يعيش وحيدا في كوخه بإحدى ضواحي نيويورك عام 1830، يتمتع بسمعة طيبة لقدرته على حل أصعب القضايا.

وتستدعي الأكاديمية الحربية الأميركية المحقق السابق للتحقيق في قضية انتحار أحد الطلبة، ليتضح سريعا أنها جريمة قتل بعدما يقوم شخص ما بنزع قلب الضحية خلال وجود الجثة في المشرحة.

وخلال استجوابه زملاء القتيل يقابل أوغستوس لاندور الشاعر الأميركي الشاب إدغار آلان بو أحد طلاب الأكاديمية في هذه الفترة، والذي لديه اهتمام خاص بالجرائم والأجواء المرعبة، الأمر الذي يتطور بعد ذلك في أدبه، وهو شخصية حقيقية تم افتراض وجودها في هذا العالم الفيلمي.

 

ومكن ذكاء آلان بو وأسلوبه الخاص في رؤية الواقع من مساعدة المحقق المتقاعد على حل الجريمة.

كان آلان بو حينها شاعرا، لكنه لم يصل بعد إلى الشهرة التي اكتسبها كمحقق في القضايا المرعبة.

الفيلم المقتبس من رواية بالاسم ذاته للكاتب لويس بايارد يركز على الجريمة الخيالية التي من المفترض أنها قادت الشاعر إلى هذا الاتجاه (التحقيق في الجرائم)، وعززت ولعه بالموت والرومانسية السوداء الحزينة.

يذكر أنه لم تتم الإشارة في كلا العملين الأدبي أو السينمائي إلى إدمان الشاعر الكحول بشكل لاحق في حياته، لكن تم إبراز الجانب الحكيم والذكي فيه.

صورة من فيلم The Pale Blue Eye
أداء هاري ميلينغ شخصية إدغار آلان بو أضفى عليها طابعا من الطرافة (مواقع التواصل الاجتماعي)

جسد شخصية الشاعر آلان بو الممثل هاري ميلينغ، وهو الدور الذي عرض سابقا على الشاب الموهوب تيموثي تشلامي، وكان بحاجة إلى أسلوب الأخير الهادئ والمليء بالكاريزما في ضخ الحياة في الشخصية، لكن أداء ميلينغ أضفى عليها طابعا من الطرافة في بعض الأحيان، ولم يكن مقنعا بما فيه الكفاية في المشاهد الحادة والعنيفة.

وعلى العكس من أداء ميلينغ جاء أداء كريستيان بيل ساحرا على الدوام، فقد استطاع أن يقدم إضافة حقيقية إلى فيلم متوسط المستوى بموهبته الكبيرة.

في هذا العمل يؤدي دورا يشبه نسخة أكثر حزنا من شارلوك هولمز الشهير، يعاني الوحدة والفراغ، ويجد في إدغار آلان بو الشاب شريكا يشبه مكانة واتسون لدى هولمز، وفي الوقت نفسه علاقة أبوية أكثر.

 

 

نيويورك القوطية المرعبة

نيويورك أو التفاحة الكبيرة كما يشاع عنها لها طابع عصري خاص يطرأ في الذهن عندما تسمع اسمها، لكن فيلم “العين الزرقاء الشاحبة” أعاد خلق نيويورك أخرى كئيبة وباردة تشبه القرى الأوروبية القوطية في قصص الرعب القديمة، وذلك بفضل تصوير ماسانوبو تاكاياناغي الذي استخدم درجات اللون الرمادي وزرقة الماء والزي الرسمي للطلاب في الأكاديمية، لتوضيح برودة هذا العالم الذي قد تحدث فيه جريمة تحمل كل هذا العنف.

فيلم “العين الزرقاء الشاحبة” ليس مجرد فيلم إثارة والبحث عن قاتل، لكنه قصة رجل تنهار حياته في عالم شديد البرودة، فلا يجد ونيسا سوى شاعر يهوى قصص الرعب، وجريمة مخيفة، الدافع لها العاطفة التي تبدو متناقضة تماما مع عالمه الساكن، واستخدام الشخصية الحقيقية للشاعر إدغار آلان بو ليس سوى مجاز عن هذا العالم المضطرب للبطل.

فالشاعر امتلك كلا الجانبين في وقت واحد، الرومانسية والعاطفية الشديدة والولع بالموت والضياع والفقد والرعب، فكتب قصائد شعرية مخيفة وقصص رعب شديدة الشاعرية في آن واحد، ليصبح الأب الشرعي لأدب الرعب والجريمة الأميركي الحديث.

تتجاوز التشابهات بين العالم الفيلمي “للعين الزرقاء الشاحبة” وقصص شارلوك هولمز البطل المحقق وصديقه الشبيه بواتسون، فروايات الكاتب آرثر كونان دويل اشتهرت كذلك بلندن الخاصة بها، المدينة الضبابية الباردة التي تغلب عليها درجات الألوان الرمادية والزرقاء.

صنع المخرج سكوت كوبر عالما موازيا في نيويورك، فبرودة هذه المدينة جعلت حالة التشويق والإثارة تتصاعد لدى المشاهد، لتصبح المدينة غير مشابهة لأي نسخة أخرى رأيناها للتفاحة الكبيرة، وفي الوقت ذاته فاعلة في الأحداث بشكل مباشر، وتعكس العزلة التي تعيشها الشخصيات، أو حتى الأكاديمية العسكرية المنعزلة.

 

 

فيلم “العين الزرقاء الشاحبة” ربما لا يكون أفضل أعمال كريستيان بيل، وحتى لا يقارن بالأفلام الأخرى التي قدمها مع المخرج نفسه، لكنه فيلم ينضاف إلى منصة نتفليكس، واستحق تقييم 64% من النقاد على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes) من النقاد ونسبة أعلى بشكل ملحوظ -وهي 73%- من المشاهدين.

المصدر : الجزيرة

About Post Author