تحولت من مستوردة إلى مُصدرة.. إثيوبيا تشهد تحولا كبيرا في زراعة القمح
بعد أن كانت إثيوبيا تسعى لجعل محصول القمح مشروعا إستراتيجيا للاكتفاء الذاتي، أعلنت أديس أبابا مؤخرا استعدادها لتصدير القمح؛ في خطوة عدّتها تحولا وفرصة كبيرة للبلاد من أجل إعادة بناء صورتها من دولة مستوردة إلى مصدرة.
ويرتكز اقتصاد إثيوبيا على الزراعة التي تسهم في أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، وتحديدا بنسبة 60% من الصادرات، ويعمل 80% من معدل إجمالي العمالة في البلاد في هذا القطاع.
أديس أبابا كانت أعلنت قبل سنوات خطة توطين محصول القمح بوصفه مشروعا إستراتيجيا بحثا عن الاكتفاء الذاتي وزيادة صادرات الزراعية، ضمن مبادرة أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لتكثيف زراعة القمح، واستغلال الإمكانات التي تتمتع بها البلاد.
وترمي مبادرة آبي أحمد للاكتفاء الذاتي من المحاصيل الغذائية، بما فيها القمح ومشروعات الدواجن واللحوم والخضروات والتصنيع الزراعي، ضمن خطة لتحويل الاقتصاد الزراعي إلى صناعي بحلول عام 2025 عبر بناء 23 منطقة صناعية، تم الانتهاء من تشييد 13 منطقة منها في مختلف أقاليم البلاد.
بداية المشروع
وتعود بداية مشروع القمح في إثيوبيا إلى الاجتماع الاستشاري الذي عقد في أبريل/نيسان 2019 حول دور العلماء في تعزيز التحول الزراعي في البلاد، الذي أعلن خلاله توطين القمح وإستراتيجية الاكتفاء الذاتي في غضون 4 سنوات، وذلك عبر تحديث النظام الزراعي وزيادة الإنتاج من خلال توظيف التكنولوجيا، بهدف إيقاف استيراد القمح.
والثلاثاء الماضي، كشفت وزارة التجارة والتكامل الإقليمي عن إجراء مناقشات مع المصدرين لتصدير القمح إلى السوق الخارجية، وقال وزير التجارة الإثيوبي جبري مسكل إن البلاد بدأت الاستعدادات لتصدير قمح عالي الجودة إلى السوق الخارجية بدل استيراد قمح المساعدات، وفق تعبيره.
ورأى عدد من المهتمين والباحثين أن إعلان إثيوبيا رغبتها في تصدير القمح يعد فرصة كبيرة للبلاد من أجل إعادة بناء صورتها من كونها مستوردة للقمح إلى دولة مصدرة.
ووصف الباحث الاقتصادي في شؤون منطقة القرن الأفريقي بشير نصر تحول إثيوبيا في زراعة القمح من مشروع اكتفاء ذاتي إلى التصدير بالخطوة الممتازة والكبيرة، وقال للجزيرة نت إن الاتجاه لتصدير القمح سيؤدي إلى تعزيز الميزان التجاري وتحسين الاقتصاد الكلي للبلاد.
وأضاف نصر أن الإنجازات التي سجلتها إثيوبيا في زراعة القمح تظهر حقيقة أن البلاد ستكون قادرة على التحول في جميع الجوانب، فضلا عن ضمان الاكتفاء الذاتي للغذاء والمساعدة في توفير العملات الأجنبية.
وكان وزير الزراعة الإثيوبي عمر حسين أكد أن الحكومة تبذل جهودا كبيرة لوقف استيراد القمح تماما ليتحقق ذلك في غضون ما بين 3 و5 سنوات، قائلا إن “استبدال القمح المستورد من خلال الترويج للزراعة بالري يوفر العملة الأجنبية، ويخلق حافزا كبيرا لدى المزارعين والرعاة”.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قالت وزيرة الدولة لمكتب الاتصال الحكومي سلماويت كاسا إن 12 مشروعا من 17 مشروعا زراعيا ذات حجم كبير ومتوسط يسير العمل فيها بشكل جيد ضمن خطتها للأمن الغذائي الذاتي، وأضافت أنه تمت زراعة 256 ألف هكتار بنسبة 64% من الخطة التي وضعت لزراعة 400 ألف هكتار من القمح لتوفير 16 مليون قنطار.
وعلى الرغم من أن الخطة المعلن عنها من قبل الحكومة كانت مقصورة على عملية الاكتفاء الذاتي، فإن أديس أبابا كشفت مؤخرا عن اتجاه لتصدير منتج القمح الذي حقق إنتاجية كبيرة، وفق تقارير حكومية.
وبالتزامن مع إعلان وزارة التجارة الإثيوبية تصدير القمح، أكدت بورصة السلع الإثيوبية استعدادها لتوريد حبوب القمح المحلية للسوق المحلي في السنة المالية الحالية من خلال نظام تسويق حديث ومعاصر.
وتبدأ السنة المالية في إثيوبيا بتاريخ الثامن من يوليو/تموز وتنتهي في 30 يونيو/حزيران من العام الذي يليه.
وعاد الباحث الاقتصادي نصر وقال إن توطين محصول القمح بإثيوبيا بدأ بزيادة الرقعة الزراعية للقمح، فبلغت 300 ألف هكتار عام 2020؛ مما ساعد على إنتاج 10 ملايين قنطار، مشيرا إلى أن إثيوبيا تستورد 17 مليون قنطار سنويا؛ مما أدى إلى تقليص الفارق في الطلب الخارجي للقمح، وأضاف أن هذا ساعد في تعزيز الميزان التجاري، وشجع على الاكتفاء الذاتي؛ ومن ثم الاتجاه نحو إمكانية التصدير.
وخلال زيارة ميدانية لحقول القمح بإقليم أوروميا، في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2022؛ قال آبي أحمد إن بلاده تخطط لتصبح في عام 2035 ضمن أفضل 5 دول أفريقية في إنتاج القمح، موضحا أنه “إذا واصلنا تعزيز إنتاجية القمح التي حققناها، فيمكننا تجاوز الاكتفاء الذاتي من الغذاء ونصبح سلة غذاء للمنطقة”.
وأضاف أن مجموعات القمح التي شاهدها في منطقة دوغدا وبورا تمثل مشروعا واعدا، وأن منطقة شرق شيوا وحدها تهدف إلى حصاد 7 ملايين قنطار، وبيّن أن 8 آلاف مزارع نجحوا في زراعة القمح بالزراعة العنقودية على مساحة 31 ألف هكتار.
وأرجع آبي أحمد الزيادة في إنتاجية القمح للاستخدام الأمثل للتكنولوجيا من الآلات والمعدات الزراعية الحديثة، وقال “سنحقق أهدافنا في مجال الأمن الغذائي، ونتغلب على العقبات، ونرى بلدنا يزدهر ونحن نعمل معا”.
أهمية الخطوة
وتأتي أهمية الخطوة الإثيوبية لما يشهده العالم من أزمة نقص الحبوب وارتفاع أسعارها (خاصة القمح) في السوق العالمية جراء الحرب في أوكرانيا، وهو ما فسره المحللون بأن إثيوبيا تتجه لتحويل المحنة إلى فرصة، وتسعى لتحقيق “حلم قديم” متحدية الجفاف الذي ضرب المنطقة.
وفي مارس/آذار الماضي، وخلال مخاطبته مؤتمر حزب الازدهار الحاكم، قال آبي أحمد إن الزراعة هي الأساس الاقتصادي للبلاد، ومع تأثر إمدادات القمح بالأحداث العالمية أصبح من الضروري تسريع إنتاجيتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويرى الباحث والأكاديمي الإثيوبي ترفا زودي أن إثيوبيا تأتي في مقدمة الدول الأفريقية المرشحة للاستفادة من تجربتها للتغلب على أزمة القمح العالمية، وقال إن نجاح عدد من أقاليم البلاد في خلق بيئات متوائمة مع محصول القمح لتشهد السنة الماضية اكتفاء ذاتيا من السلعة؛ يؤكد أن البلاد ستكون قادرة على التغلب على الفقر من خلال زيادة إنتاجيتها.
وأوضح زودي للجزيرة نت أن توجه إثيوبيا نحو توطين القمح جاء بدافع الاكتفاء الذاتي ليصبح لها غذاء رئيسيا لبلد تجاوز تعداد السكان أكثر من 100 مليون نسمة، واستغلال إمكاناتها لإنتاج تجاري تدخل به الأسواق الخارجية كمنتجة للقمح، خاصة مع توفر الأرض الزراعية وتنوع المناخ ووفرة المياه.
وحسب تقرير حكومي، فإن البلاد تمتلك ما بين 5 و10 ملايين هكتار صالحة للزراعة، وتستغل أقل من 1.2 مليون هكتارا فقط، وذلك بسبب عدم استخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة.
وتمكنت إثيوبيا العام الماضي من حصاد أكثر من 21 مليون قنطار من القمح عبر الري والأمطار بزراعة أكثر من 669 ألف هكتار، وفق تصريحات لوزير الزراعة الإثيوبي عمر حسين في سبتمبر/أيلول الماضي، إذ بدأ العام الإثيوبي الجديد 2015، ويقابله 2022.
خطة إستراتيجية
وفي حديثه عن حركة إنتاج القمح الصيفي لإقليم أوروميا للسنة المالية 2022-2023، قال الوزير إن إنتاج القمح القائم على الري يشير إلى إمكانية تحقيق الأمن الغذائي واستبدال الواردات، وأن ما تم تحقيقه في الإقليم يعد نموذجا للمناطق الأخرى، ويساعد على استغلال إمكانات البلاد في إنتاج القمح لتخفيف حدة الفقر.
ويعد أوروميا أكبر أقاليم البلاد التي تمتلك قدرة لزراعة 3.5 ملايين هكتار إضافية من الأراضي الصالحة للري في أحواض أواش وشبيلي وأومو وحدها.
وتابع الباحث الاقتصادي نصر حديثه لافتا إلى أن خطوة الحكومة الإثيوبية تأتي متماشية مع الخطة الإستراتيجية لتطلعات وأهداف أجندة أفريقيا 2063 الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لتمويل تنميتها الذاتية.
وأشار إلى تصريحات مدير تنمية المحاصيل بوزارة الزراعة الإثيوبي أسيايس ليما، الذي ذكر أن إثيوبيا بها 109 هكتارات صالحة لزراعة القمح، وأن 70% من السكان يعتمدون على الزراعة؛ مما ساعد على زيادة الإنتاج والإنتاجية الرامية إلى إستراتيجية الأمن الغذائي.
ومع إعلان إثيوبيا خطتها لتصدير القمح بعد أن غطت حاجتها المحلية، بدأت دول الجوار تبدي رغبتها في أخذ حصتها من المنتج.
وكانت مباحثات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الكيني ويليام روتو ضمن زيارة الأخير لأديس أبابا في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي شهدت اتفاقا على تصدير القمح الإثيوبي إلى كينيا.
كما أعلنت جيبوتي هي الأخرى رغبتها في استيراد القمح الإثيوبي، وقال وزير الزراعة الجيبوتي محمد عوالة إن بلاده تسعى لتكون من أوائل الدولة المشترية عندما تبدأ إثيوبيا تصدير القمح إلى السوق الخارجية، وذلك في مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية ضمن زيارته قبل أسبوعين.