إحداها سببت حربا.. أكثر 5 مباريات مشتعلة سياسيا في تاريخ كأس العالم وتصفياته
“أكثر من مجرد لعبة”، هذه هي العبارة الشهيرة التي تُذكر دائما عند الحديث عن علاقة الساحرة المستديرة بالسياسة، والواقع أن كتاب التاريخ يؤكد لنا هذا الأمر، فبسبب مباراة كرة قدم قامت حرب، ومن خلال أخرى حاولت دول تبييض سجلها السياسي الملطخ بالدماء. في هذا التقرير نقدم 5 من أبرز المباريات التي شهدت أجواؤها شحنا سياسيا وتأثرت أو أثرت مباشرة في عالم السياسة.
إسرائيل وويلز.. دولة الاحتلال المنبوذة لا تجد منافسا
كان قد مر 10 أعوام فقط على تأسيس دولة الاحتلال، ولم تكن دماء الضحايا الفلسطينيين قد جفَّت بعد، ولم تجد البروباغندا السياسية الإعلامية وقتا كافيا لقلب الحقائق وإظهار إسرائيل على أنها تلك الدولة الديمقراطية التي تواجه العنف والإرهاب. نحن الآن في عام 1958، حيث التصفيات المؤهلة لكأس العالم في السويد الذي أُقيم في وقت لاحق من العام نفسه.
وقعت دولة الاحتلال الناشئة حينها في مجموعة آسيوية ضمَّت تركيا، التي انسحبت لأنها رأت في نفسها دولة أوروبية ينبغي أن تلاعب الأوروبيين، وإندونيسيا التي انسحبت بسبب رفضها اللعب في تل أبيب، ولم يسمح الفيفا وقتها بطلبها اللعب في ملعب محايد. انتقلت إسرائيل إثر انسحاب إندونيسيا إلى المرحلة الثانية من التصفيات التي دمجت آنذاك دول آسيا مع أفريقيا، فكان عليها أن تلاعب مصر التي رفضت بالطبع المواجهة في ظل احتدام الصراع بين البلدين آنذاك، وكان موقف السودان مماثلا أيضا. ولأن قواعد الفيفا لم تسمح لإسرائيل بالتأهل دون لعب أي مباراة في التصفيات، كان عليها أن تلعب مباراة فاصلة مع دولة أوروبية من الدول التسع التي لم تستطع التأهل مباشرة من مجموعاتها.
كانت ويلز قد فقدت الأمل في اللحاق بكأس العالم في السويد، بعد أن احتلت المركز الثاني في مجموعتها القوية، لكن منتخب ويلز مُنح فرصة جديدة للتأهل إذا ما انتصر على فريق دولة الاحتلال، في حين أن العلاقات القوية بين بريطانيا وإسرائيل ساعدت في إقامة هذه المباراة. وأُقيمت المباراة بالفعل في يناير/كانون الثاني 1958، حيث استضافت إسرائيل فريق ويلز في مباراة تم تسييسها بشكل كبير، إذ حرصت دولة الاحتلال التي رفض الجميع اللعب معها على أن تُظهر نفسها في أفضل صورة في تلك المباراة، فاستقبلت لاعبي ويلز أفضل استقبال، ومنحت كل لاعب صندوق هدية من برتقال يافا، وانتهت المباراة بفوز ويلز بهدفين مقابل لا شيء لدولة الاحتلال.
الولايات المتحدة وإيران.. أن تنتصر على “الشيطان الأكبر”
“العديد من عائلات الشهداء يتوقعون منا الفوز.. سنفوز من أجلهم”.
(خوداداد عزيزي، لاعب الفريق الإيراني، قاصدا الضحايا الإيرانيين في الحرب العراقية الإيرانية التي ترى إيران أن الولايات المتحدة شجعت صدام حسين على خوضها)
بعد عشرين عاما فحسب من اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية ضد الشاه المدعوم من الولايات المتحدة، وبعد أن أرسى النظام الإسلامي الوليد في إيران نظاما صاغ شعارات وأهدافا خاصة، من أهمها شعار “الموت لأميركا الشيطان الأكبر”، أوقعت القرعة البلدين في مجموعة واحدة في كأس العالم 1998 الذي أُقيم في فرنسا، تماما كما فعلت بعد 24 عاما في النسخة الحالية من البطولة في قطر.
في ذلك الوقت كانت العلاقات بين واشنطن وطهران بلغت ذروة تعقيدها بعد عقدين من الأحداث والتوترات، بدأت في عام 1979 حين هاجم الطلاب الإيرانيون المتحمسون السفارة الأميركية واحتجزوا 52 موظفا بها. وأدت هذه الحادثة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية رسميا بين البلدين. وفي عام 1988، زادت الأزمة تعمقا بعد إسقاط صاروخين أميركيين لطائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية، مما أدى إلى مقتل 290 إيرانيا من بينهم 66 طفلا، ورفضت الولايات المتحدة أن تعتذر عن هذا السلوك أو تتحمل المسؤولية.
في عام 1998 وقف الفريقان وجها لوجه لأول مرة، بينما انتظر العالم هذه المباراة بعد كل تلك الأحداث الساخنة والمشاعر العدائية بين البلدين. وقد جاءت المباراة في وقت صعد فيه محمد خاتمي للرئاسة الإيرانية بعد انتخابات عام 1997، وهو الرجل المحسوب على التيار الإصلاحي في البلاد الذي حمل فكرا جديدا هدف إلى إصلاح علاقات إيران بالدول الغربية وفتح باب الحوار مع الأميركيين.
لُعِبَت المباراة وسط حضور مكثف لشرطة مكافحة الشغب، وتقدم اللاعبون الأميركيون لمصافحة اللاعبين الإيرانيين (رفض المرشد أن يكون الإيرانيون هم مَن يذهبون للمصافحة ووافق المنتخب الأميركي على أن يفعل ذلك)، وفي المقابل قدَّم اللاعبون الإيرانيون لنظرائهم الأميركيين -بتعليمات من السلطة الإيرانية- بعض الهدايا في الملعب على مرأى الجميع، ثم انطلقت المباراة التاريخية، وانتهت بفوز إيران بهدفين مقابل هدف واحد. هذا وظهر جانب سياسي آخر بعيد مرتبط بالنظام الإسلامي وخصومه من الإيرانيين، إذ حصلت مشادة داخل المدرجات الإيرانية ذاتها نتيجة وجود بعض أنصار منظمة “مجاهدي خلق”، الذين رفعوا شعارات معارضة للنظام الإيراني.
مصر والجزائر.. توريث الحكم يمر من بوابة المونديال
فازت مصر بكأس الأمم الأفريقية لعام 2008، وقدمت أداء لم يسبق له مثيل بفضل الجيل الذهبي لمنتخبها القومي كما عُرف آنذاك، وتحدث الناس في مصر عن أن هذا المنتخب لو صعد إلى كأس العالم قد يحقق مركزا متقدما فيه. وفي الوقت نفسه، لم تكن الجزائر قد صعدت أصلا لبطولة الأمم الأفريقية 2008، ومن ثم حين جاءت القرعة ووضعت مصر مع الجزائر في التصفيات المؤهلة لكأس العالم، ظن البعض أن مهمة المنتخب المصري ستكون سهلة. لكن لسوء حظ “الفراعنة”، كان اللاعبون الذين مَثَّلوا المنتخب الجزائري في التصفيات هم براعم الجيل الذهبي الجديد للجزائر، الذي سرعان ما أعاد الكرة الجزائرية إلى عالم الأضواء القارية ثم العالمية.
كانت نجاحات المنتخب المصري أداة مميزة للنظام السياسي، فقد كان هذا المنتخب قادرا على إسعاد الجماهير، في وقت فشل فيه النظام في إسعادهم على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي. ومن ثم ظهر نجل الرئيس “جمال مبارك” كثيرا مع نجوم المنتخب المصري، بينما تحدثت الصحف العالمية والمحلية عن خطة توريث الحكم في البلاد. ولم يتمكن المنتخب المصري رغم ترسانته المليئة بالنجوم من حجز بطاقة التأهل لمونديال 2010 بسهولة كما كان منتظرا، إذ وجد نفسه مطالبا بالفوز بنتيجة هدفين دون رد على “محاربي الصحراء” حتى يفرض مباراة فاصلة. وفاز المنتخب المصري بالنتيجة المطلوبة، واحتفلت الشوارع المصرية كما لم تحتفل من قبل، وبات المنتخب على بُعد خطوة من الحلم الذي غاب لعشرين عاما، حلم التأهل لكأس العالم، وكان عليه فقط أن يجدد فوزه على الجزائر في مباراة فاصلة في مدينة “أم درمان” السودانية.
في ذلك الوقت كان النظام المصري يبلور حلم الوصول إلى كأس العالم باعتباره هدفا شعبيا للأمة المصرية، حلم سيتحقق بفضل دعم الرئيس وولده، وهنا جاءت مهمة الإعلام المصري الموجَّه من طرف النظام الذي تبنَّى رواية مسيسة للمباراة أسهمت في خلق حالة من الكراهية والعداء ضد الجزائر وفريقها، بهدف توحيد الجماهير ضد خصم خارجي ولو كان ذلك في مباراة لكرة القدم. ونتيجة لهذا الشحن، تعرضت ناقلة المنتخب الجزائري للقذف بالحجارة في مباراة القاهرة، واتهم الإعلام المصري المنتخب الجزائري بأنهم هم مَن كسروا زجاج حافلتهم من الداخل. على الجانب الآخر، انخرط الإعلام الجزائري في موجة من الشحن المضاد، حيث نشرت الصحف الجزائرية أخبارا غير صحيحة عن قتل مشجعين جزائريين في مصر.
يمكننا أن نتخيل إذن الحالة التي سبقت مباراة أم درمان بين جماهير البلدين. خسرت مصر المباراة التي أمَّنها 15 ألف جندي سوداني، كان هذا يعني إحباطا ليس له مثيل في الشارع المصري. لم ينجح الرئيس ونجله في العبور إلى الحلم، ومن هنا بدأ الإعلام المصري الموجَّه من النظام في نشر معلومات مضللة، فقد ادَّعى أن الوفد المصري تعرَّض لاعتداءات وحشية من الجزائريين، وصرح الفنان المصري محمد فؤاد قائلا: “احنا بنتذبح هنا”، وتبيَّن بعد ذلك أنه كان يُجري هذا الحوار بينما يجلس في مكان آمن.
إنجلترا والأرجنتين.. لديكم جيش متطور ولدينا مارادونا
“مشاجرة بين رجلين أصلعين على مشط”.
(الأديب الأرجنتيني “خوسيه لويس بورخيس” واصفا الصراع الأرجنتيني الإنجليزي على جزر الفوكلاند)
في عام 1982، قامت حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين، وانتهت بخسارة الجيش الأرجنتيني الذي حاول انتزاع جزر الفوكلاند من القوات الإنجليزية الأقوى حينها في العدة والعتاد، التي تسيطر على الجزر منذ عام 1833. ورغم أن أغلب الأرجنتينيين يعتقدون أن الحرب كانت قرارا سيئا من الدكتاتورية العسكرية التي كانت تحكم البلاد في ذلك الوقت، فإنهم يعتقدون بأن الإنجليز يحتلون الجزر المتنازع عليها. على الجهة المقابلة، ترى بريطانيا أن الجزر يسكنها أوروبيون يطالبون هم أنفسهم ببسط السيادة البريطانية عليها. ويعيش في الجزيرة الآن نحو 3 آلاف شخص يتمتعون بحكم ذاتي بوصفهم تابعين لإقليم بريطاني، وذلك بعد استفتاء عُقد عام 2013 رجَّحوا فيه البقاء جزءا من بريطانيا، لكن الأرجنتين لم تعترف بهذا الاستفتاء ونتائجه.
بعد الحرب بأربعة أعوام، جمعت مباراة من أكثر المباريات المشحونة سياسيا طرفَيْ النزاع الأرجنتين وإنجلترا في الدور ربع النهائي من بطولة كأس العالم لعام 1986 بالمكسيك. كانت المدرجات واللاعبون في أرضية الملعب في أجواء منافسة قصوى، ورغم أن مارادونا قال قبل المباراة إنها مجرد مباراة رياضية لا علاقة لها بالسياسة، فإن قائد الأرجنتين وصاحب الرقم 10 لعب بحماس الجندي لا اللاعب، واستطاع أن يُسجِّل هدفا هو الأكثر إثارة للجدل في تاريخ اللعبة، إذ سجَّله بيده لكن الحكم لم ينتبه. وفي المؤتمر الصحافي بعد المباراة قال إنني سجلت الهدف بالقليل من رأسي والقليل من “يد الله”، وفي المباراة نفسها نجح مارادونا في تسجيل هدف آخر يُعَدُّ من أجمل أهداف مسيرته على الإطلاق بعد أن راوغ اللاعبين الإنجليز من منتصف الملعب، فانتهت المباراة بنتيجة هدفين مقابل هدف واحد لصالح الأرجنتين.
هندوراس والسلفادور.. مباراة أشعلت حربا
ربما تُعَدُّ هذه من أغرب حكايات تصفيات كأس العالم مع السياسة. بسبب مباراة بين هندوراس والسلفادور في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970 بالمكسيك، قامت حرب حقيقية هي الحرب الشهيرة باسم “حرب المئة ساعة”. ففي ظل حكم نظامين عسكريين دكتاتوريين بالبلدين، بدأت المشكلات تنشب بين الهندوراس وسلفادور عام 1969، حين قررت هندوراس نزع ملكية أراضي نحو 300 ألف سلفادوري من المهاجرين على أراضيها. وفي ظل هذه الأجواء المشحونة جاءت القرعة بمواجهة بين الفريقين في تصفيات كأس العالم.
فازت هندوراس بمباراة الذهاب على أرضها بهدفين مقابل هدف واحد وسط أجواء شغب جماهيري في خضم الأزمة السياسية بين البلدين، وفي مباراة العودة فازت السلفادور بثلاثية دون رد في مباراة لم تخلُ من الشغب أيضا، فانتقل الفريقان بعدها إلى مباراة فاصلة تأهلت من خلالها السلفادور. وأسفرت الخسارة عن هجمة شرسة ضد المهاجرين السلفادوريين في هندوراس من الجماهير الغاضبة لخسارة فريقها والمحمَّلة بغضب سياسي من المهاجرين، فقطعت السلفادور علاقتها مع هندوراس رسميا. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ أعلنت السلفادور الحرب على جارتها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تضاعفت بعودة نحو 12 ألف سلفادوري مهاجر من هندوراس نتيجة المناخ العدائي الذي أعقب المباريات بين الفريقين في التصفيات، واستمرت الحرب 100 ساعة وكانت السلفادور على وشك احتلال هندوراس لولا التدخلات الدولية التي أدت في النهاية إلى اتفاق سلام في العام ذاته.
——————————————————————–
المصادر
- “حرب كرة القدم” بين هندوراس والسلفادور
- حكاية هدف في مباراة لكرة القدم أشعل حربا بين دولتين
- تصفيات كأس العالم: أحد طرفيها إسرائيل.. تعرف على أغرب مباراة فاصلة للتأهُل للمونديال في التاريخ
- قصة الطلاق الأبدي.. الإيرانيون يحتفلون بذكرى اقتحام السفارة الأميركية
- على شفا الحرب.. أخطر المواجهات في الخليج منذ الثمانينيات
- Great Satan 1-2 Iran: the most politically charged match in World Cup history
- ماذا حدَثَ عندما لعِبت إيران ضد أميركا بمونديال 1998؟
- الأسطورة الشعبية لمباراة مصر والجزائر
- جزر الفوكلاند.. بؤرة صراع أرجنتيني بريطاني