قالت ميغان ماكاردل كاتبة العمود بصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) الأميركية إنه بإمكان مجلس الاحتياطي الفدرالي أن يوقف التضخم في الولايات المتحدة بسياسة نقدية قاسية، لكن القيام بذلك على الأرجح يعني ركودا وحشيا.
وتساءلت عما هو الأفضل: التضخم أم الركود؟ وأوردت مثالا حدث في أغسطس/آب 1979، عندما تولى بول فولكر منصب رئيس مجلس محافظي الاحتياطي الفدرالي، حيث وضع بنك الاحتياطي الفدرالي سياسة لكبح جماح تضخم كارثي (من رقمين) برفع سعر الفائدة.
وكانت النتيجة أن انخفض معدل التضخم من 13.5% عام 1980 إلى 3.2% عام 1983، وارتفعت أسعار الفائدة؛ فتحطمت الأعمال التجارية التي كانت تعتمد على تمويل عن طريق الديون -بما في ذلك البناء ومبيعات السيارات- وبلغ معدل البطالة 10.8%، وهو مستوى لم يكن ليتكرر مرة أخرى حتى الأزمة المالية العالمية في 2008.
وأشارت إلى أن رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي الحالي قد يواجه مقايضة قبيحة مماثلة، وقالت إن الركود سيتسبب في آلام عميقة: فمن السيئ بالطبع أن تفقد 8% من قوتك الشرائية بسبب التضخم، لكن الأسوأ من ذلك هو خسارة 100% من دخلك بسبب البطالة.
وقالت إن الخيار الأمثل هو الوصول إلى معدل تضخم مستقر، ثم خفض هذا المعدل تدريجيا بمرور الوقت.
الركود سيتسبب في آلام عميقة؛ فمن السيئ أن تفقد 8% من قوتك الشرائية بسبب التضخم، لكن الأسوأ من ذلك هو خسارة 100% من دخلك بسبب البطالة.
لفهم قصة التضخم
لفهم ما يقود إليه هذا الخيار -تقول الكاتبة- تخيل أنك تعلم أنه في كل عام سيكون التضخم 10% بالضبط، وهو معدل مرتفع للغاية، ولكن إذا عرف الجميع ما سيكون عليه، فسيطورون طرقا لتخفيف التأثير.
كيف؟
- سترتفع أسعار الفائدة على السندات وحسابات التوفير لتعويض خسائر التضخم.
- ستحدد عقود العمل زيادات سنوية بنسبة 10% في تكلفة المعيشة.
- سيكون لفحوص الضمان الاجتماعي والمعاشات تعديلات مماثلة مضمَّنة.
وأضافت أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يصل التضخم إلى 10% من غير توقع، وهو قريب مما تشهده أميركا حاليا؛ فقد ارتفعت ميزانية كل شخص من البقالة فجأة، وفقدت المدخرات جزءا كبيرا من قيمتها، وأصاب الناس القلق بشأن القدرة على وضع البنزين في السيارة.
ووصفت الكاتبة ذلك بأنه ظاهرة مختلفة تماما، وأسوأ بكثير، لأنها تجعل من المستحيل التخطيط لحياتنا المالية.
وتابعت أنه كان من الأفضل ألا يحدث التضخم على الإطلاق الآن، لأنه سيكون تضخما غير مسيطر عليه، لأن آليات تعديل التضخم التي تساعد الناس على تعويض تكلفته يمكن أن تجعل من الصعب على الاحتياطي الفدرالي السيطرة عليه. وفي هذه الحالة، فإن الشخص في أميركا الذي استثمر مدخراته الحياتية في معاش سنوي ثابت قبل أن يأخذ التضخم قسطا بنسبة 8% من قيمته -على سبيل المثال- أصبح الآن أسوأ حالا بشكل دائم.
علاوة على ذلك، -كما تقول الكاتبة- إذا توقعت الشركات ارتفاع التكاليف بنسبة 5% العام المقبل، فستطلب أسعارا أعلى لتعويض الزيادة، وإذا توقع العمال أسعارا أعلى فسيطلبون أجورا أعلى، مما يترجم إلى ارتفاع التكاليف للشركات، وعندما تصبح التوقعات “غير ثابتة” من السياسة النقدية بهذه الطريقة يتغذى التضخم على نفسه.
وحذرت الكاتبة من أن يكون الوقت قد فات على الاحتياطي الفدرالي باختيار الخيار الأفضل، وهو تثبيت التضخم ثم خفضه تدريجيا لتجنب الركود.
تقديرات خاطئة للتضخم
قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أمس الأول الثلاثاء إنها كانت مخطئة في الماضي بشأن التكهن بالمسار الذي سيتخذه التضخم، لكنها قالت إن ترويض ارتفاع الأسعار يأتي على رأس أولويات الرئيس جو بايدن، وإنه يدعم إجراءات مجلس الاحتياطي الاتحادي لتحقيق ذلك.
وردا على سؤال في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” (CNN) عما إذا كانت قد أخطأت بالتقليل من شأن التهديد الذي يشكله التضخم في البيانات العامة خلال العام الماضي، قالت يلين “أعتقد أنني كنت مخطئة في ذلك الوقت بشأن المسار الذي سيتخذه التضخم”.
وأضافت “كما ذكرت، كانت هناك صدمات غير متوقعة وكبيرة للاقتصاد عززت أسعار الطاقة والغذاء واختناقات الإمدادات التي أثرت على اقتصادنا بشدة، والتي لم أفهمها بالكامل في ذلك الوقت”، مضيفة أن الصدمات تشمل الحرب الروسية على أوكرانيا وعمليات الإغلاق الأخيرة لمكافحة كوفيد-19 في الصين.
وبحث جو بايدن مع رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول في البيت الأبيض التضخم القياسي في البلاد.
وجدد بايدن تأكيد أن أولويته القصوى هي معالجة التضخم، قائلا إن ذلك يبدأ باحترام بنك الاحتياطي الفدرالي، واستقلالية البنك المركزي، ووعد بعدم التدخل في عمل بنك الاحتياطي الفدرالي لخفض التضخم.
وارتفع تضخم المستهلك الأميركي إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من 40 عاما مع زيادة سنوية 8.5% في مارس/آذار الماضي، و8.3% في أبريل/نيسان المنصرم.
وذكرت يلين أن التراجع الأخير في بيانات التضخم الأساسي كان مشجعا، لكنها أشارت إلى أن أسعار النفط لا تزال مرتفعة، وأن أوروبا تعمل على خطة لحظر واردات النفط الروسي.
وقالت يلين “لا يمكننا استبعاد حدوث مزيد من الصدمات”.