يواجه جان لوك مارتينيز الرئيس السابق لمتحف اللوفر في باريس (من 2013 إلى 2021) اتهامات قضائية في بلاده بالتآمر لإخفاء أصل الكنوز الأثرية التي ربما تكون قد انتُزعت من مصر خلال انتفاضات الربيع العربي، في قضية صدمت عالَم الآثار، وأعادت الضوء إلى انتهاكات سوق الفنون والمزادات وتجار التحف الأثرية في باريس.

وقالت صحف فرنسية إنه يُشتبه في أن مارتينيز (58 عامًا) “غض الطرف” عن شهادات مزوّرة لقطع أثرية، بينها قطعة تم تهريبها خلال السنوات الأولى من العقد الماضي وتمثل شاهدا ضخما من الجرانيت الوردي مختوما بالختم الملكي لتوت عنخ آمون، فرعون مصر بين عامي 1334 و1325 قبل الميلاد الذي اشتهر بفضل مقبرته وكنوزه الذهبية.

 

والعام الماضي، استقال مارتينيز، الذي يشار إلى علاقته بتهريب الآثار من الشرق الأوسط منذ سنوات، من منصب رئيس متحف اللوفر، في حين أنه لا يزال يعمل سفيرا للتعاون الدولي في مجال التراث. وتتسبب هذه القضية في إحراج لوزارتي الثقافة والخارجية الفرنسيتين، حسب صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية.

واستمعت شرطة مكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية لمارتينيز واثنين من زملائه -أُطلق سراحهما في وقت لاحق- وهما فنسنت روندو المدير الحالي لقسم الآثار المصرية في متحف اللوفر، وأوليفييه بيردو عالم المصريات.

 

وفُتحت القضية يوليو/تموز 2018، بعد عامين من شراء متحف اللوفر أبو ظبي قطعة نادرة من الغرانيت الوردي تصور الفرعون توت عنخ آمون و4 أعمال أثرية قديمة أخرى مقابل 8 ملايين يورو (6.8 ملايين جنيه إسترليني).

ويوجه قاضي التحقيق الفرنسي جان ميشيل جنتيل اتهاما لمارتينيز بـ”غسيل الأموال والتواطؤ بالاحتيال مع عصابة منظمة”، وأكد مصدر قضائي لوكالة “فرانس برس” أن مارتينيز اتهم بالتواطؤ في الاحتيال و”إخفاء أصل أعمال تم الحصول عليها بطرق إجرامية وبإقرارات كاذبة”، في حين نفى مارتينيز سابقًا -لصحيفة “ذي آرت نيوزبيبر” (The Art Newspaper)- ارتكاب أي مخالفة.

واعتقل صاحب المعرض الألماني اللبناني الذي توسط في البيع في هامبورغ في مارس/آذار الماضي وسُلم إلى باريس للاستجواب في القضية.

آثار مفقودة

يعتقد المحققون الفرنسيون أن المئات من القطع الأثرية قد تعرضت للنهب في دول الشرق الأوسط منذ عام 2010. ثم يُعتقد أنه تم بيعها إلى صالات العرض والمتاحف التي لم تطرح الكثير من الأسئلة حول الملكية السابقة، ولا تبحث بما فيه الكفاية في عدم الترابط المحتمل في شهادات منشأ الأعمال، ورجحت صحيفة الغارديان أن العديد من البلدان قد تأثرت بنهب القطع الأثرية، بما في ذلك مصر وليبيا واليمن وسوريا.

 

وسبق أن وجهت محكمة فرنسية في يونيو/حزيران 2020 اتهامات مماثلة للخبير الفرنسي في آثار منطقة المتوسط وعضو جمعية المصريات الفرنسية، كريستو كونيكي، وشريكه ريشار سمبير، للاشتباه في قيامهما بغسل قطع أثرية منهوبة من دول عدة شهدت عدم استقرار سياسي منذ 2010، لا سيما مصر وليبيا واليمن وسوريا.

ويشتبه في أن المتهمين قاما بتمويه أصل هذه القطع وتاريخها، لبيعها بعد ذلك بطريقة شرعية إلى أفراد، أو مؤسسات ثقافية مثل متحف اللوفر في أبو ظبي ومتحف متروبوليتان في نيويورك.

 

وتورط الخبير الفرنسي كونيكي وشريكه في بيع ناووس (تابوت حجري) أثري إلى متحف متروبوليتان عام 2017 بنحو 4 ملايين دولار، ثم اتضح لاحقا أنه منهوب من مصر بعد عام 2011، حسب تحقيق دولي.

وأظهرت التحقيقات وقتها أن الناووس -الذي كان القطعة الرئيسية في معرض للمتحف الأميركي- تم تهربيه عبر دبي إلى ألمانيا ومنها إلى باريس قبل بيعه لمتحف متروبوليتان بوثائق مزيفة، بما في ذلك رخصة تصدير مصرية مزورة بتاريخ عام 1971، وقد أعيد رسميا إلى مصر عام 2019، وحسب صحف فرنسية، تورط في التهريب إلى جانب كونيكي التاجر الألماني اللبناني روبن ديب.

تهريب آثار

وتعاني مصر عمليات واسعة لنهب وتهريب الملايين من آثارها منذ عشرات السنين. وازدادت هذه الجرائم عقب الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ونُهبت آثار من متاحف ومساجد ومخازن، بخلاف عمليات التنقيب السري التي يقوم بها مواطنون، حسب تقرير سابق للجزيرة نت.

 

وأعادت تفاصيل القضية الأخيرة الجدل الواسع الذي ثار عام 2017 عند افتتاح معرض اللوفر في أبو ظبي والإعلان عن وجود عشرات القطع الأثرية المصرية، وما أثير حينئذ من مزاعم عن تورط السفير الإماراتي في القاهرة آنذاك في قضية “الآثار الكبرى” والمتهم فيها شخصيات مصرية مشهورة أيضا.

ففي سبتمبر/أيلول 2017 ومع الدعاية التي رافقت افتتاح متحف اللوفر أبو ظبي، تبين وجود عشرات القطع الأثرية المصرية ضمن المعروضات، وهو ما أثار ضجة واسعة في مصر وسط تساؤلات عن كيفية وصول تلك القطع إلى هناك، سواء عن طريق التهريب أو من خلال وزارة الآثار.

ويرجع بعض المختصين تزايد جرائم نهب الآثار إلى ضعف تطبيق القوانين ومشاركة شخصيات نافذة في عصابات وتهريب الآثار، فضلا عن ضعف نظم الحراسة على كثير من الأماكن الأثرية، وعدم تسجيل وتوثيق آلاف القطع الأثرية المكدسة في مخازن كثيرة على امتداد البلاد.

 

وتشير أرقام وزارة الآثار المصرية إلى أن أكثر من 32 ألف قطعة أثرية فقدتها مصر على مدار أكثر من 50 عاما، وهي تشير إلى الآثار المسجلة فقط، في حين ذكر وزير الآثار الأسبق زاهي حواس -في تصريحات صحفية- أن ثلث الآثار المصرية منهوبة، وتستغلها الدول الأجنبية في جذب السياحة إليها وتحقيق دخل جيد.

وقدّر -في تصريحات سابقة- أن 30% من آثار مصر فقدت منذ عام 2011، وتقدر قيمتها بـ3 مليارات دولار.

 

وتُقدر بعض التقارير والإحصاءات غير الرسمية حجم سوق تجارة الآثار في مصر بحوالي 20 مليار دولار سنويا، وأشارت دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي) إلى أن هناك نحو 3 آلاف قضية تنقيب واتجار في الآثار تُسجل كل عام.

وتشير وقائع العديد من القضايا إلى تورط دبلوماسيين أجانب في عمليات التهريب كما حدث في واقعة تهريب 21 ألفا و855 قطعة أثرية ضبطتها إيطاليا عام 2018، واتهمت مصر القنصل الإيطالي السابق في مدينة الأقصر، لاديسلاف أوتكر سكاكال، بالمشاركة في سرقتها وتهريبها للخارج، وأحيل للمحاكمة الغيابية، وحكم بسجنه 15 عاما.

 

واتهم وزير الآثار -في تصريحات صحفية سابقة- دولا لم يسمها برعاية تجارة الآثار، مشيرا إلى أن العديد من المتاحف تعرض آثارا من دون إظهار أي مستندات ملكية لهذه القطع.

ويلجأ البائعون عادة إلى وثائق قد لا يمكن التأكد من صحتها، تزعم خروج هذه القطع من مصر قبل اتفاقية اليونسكو بشأن حظر استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، التي وقعتها مصر عام 1970، وأيضا قبل صدور قانون حماية الآثار المصري عام 1983.

وتضم المتاحف الأوروبية العديد من القطع الأثرية التي تعود لبلدان الشرق الأوسط، نُهب كثير منها خلال حقب الاستعمار الأوروبي، في حين حصلت المتاحف على البعض الآخر من أفريقيا والشرق الأوسط عبر بيعها من المغامرين والموظفين والتجار والمستوطنين الذين لم يشغل بالهم التفكير في شرعية تملك هذه القطع، مما جعل المتاحف البريطانية والفرنسية تضم آلاف القطع التي يدور الجدل حول إمكانية إعادتها لموطنها الأصلي.

المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الفرنسية + غارديان

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *