استثمار أموال المصريين بالخارج.. هل يكون طوق النجاة لأزمة الدولار في مصر؟
القاهرة- عادت فكرة تأسيس شركة لاستثمار أموال المصريين المغتربين إلى الواجهة، بعد إعلان وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها جندي العمل على إنشاء شركة تعنى باستثمار فوائض مدخرات المصريين المقيمين بالخارج.
وبرزت الفكرة مجددا التي تسعى الحكومة المصرية إلى تنفيذها، في ظل أزمة الموارد الدولارية التي تعاني منها البلاد وأثرت على العملة المحلية بالسلب، حيث خسرت أكثر من نصف قيمتها منذ مارس/آذار الماضي.
وهوى الجنيه المصري إلى أكثر من 24.5 جنيها للدولار في البنوك المحلية، بعد قرار البنك المركزي المصري اعتماد نظام سعر صرف مرن، بالتزامن مع التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لم يدخل حيز التنفيذ بعد.
وتوقعت جندي، خلال لقائها بعض أعضاء الجالية المصرية بالسعودية، الانتهاء من تأسيس الشركة العام المقبل وإدراج أسهمها في البورصة المصرية، مشيرة إلى أن المصريين بالخارج بإمكانهم الاستثمار بشكل مباشر في الشركة أو من خلال شراء أسهم، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.
وبحسب الوزيرة المصرية، فإن الشركة الجديدة هي أحد مطالب المصريين بالخارج، وإنه يتم بحث وتحديد جميع الأنشطة والمشروعات القومية التي يُستهدف الاستثمار فيها من أجل تحقيق عوائد استثمارية كبيرة.
وتعدّ فكرة إنشاء شركة مساهمة مصرية بغرض استثمار المصريين بالخارج في المشروعات القومية، إحدى التوصيات التي خرج بها المؤتمر الثالث للكيانات المصرية بالخارج، الذي عقد في منتصف أغسطس/آب 2022 في العاصمة الإدارية الجديدة.
مبادرات لم ترَ النور
وشهدت السنوات القليلة الماضية مبادرات عديدة من أجل الاستفادة من مدخرات المغتربين التي تعدّ أحد أهم مصادر العملة الصعبة بالبلاد، خاصة بعد أن بلغت مستويات قياسية، ولكنها ظلت مجرد أمنيات ولم تتحقق على أرض الواقع.
ففي يوليو/تموز 2018، أوصى المنتدى الأول للمصريين بالخارج الذي نظّمته وزارة الهجرة المصريّة بعدد من المقترحات، من بينها استثمار أموال المصريّين في الخارج من خلال تدشين صندوق لاستثمار أموالهم لدعم الاقتصاد المصري.
وفي وقت سابق من ذات العام 2018، خرجت مبادرات لتأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لاستثمار أموال المصريين بالخارج، ولاقت الفكرة رواجا في وسائل الإعلام المحلية وأيدها البعض ولم يتحمس لها البعض الآخر.
وشهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزة كبيرة عام 2021، وسجلت 31.9 مليار دولار بارتفاع قدره 1.6% عن العام السابق وزيادة قدرها 500 مليون دولار، بدعم من التعافي من آثار جائحة كورونا.
ولكنها انخفضت بشكل طفيف في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بنسبة 2.3% إلى 20.9 مليار دولار، من 21.4 مليار دولار على أساس سنوي، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
وتعد مصر من بين أكبر 5 دول مستقبلة لتحويلات العمالة بالخارج، واحتلت الترتيب الخامس بين أكثر دول العالم المستقبلة للتحويلات المالية خلال العام 2020، بحسب بيانات البنك الدولي.
آراء حول الشركة الجديدة
وتباينت الآراء حول إعلان الوزيرة المصرية اعتزام الحكومة تدشين الشركة العام المقبل للاستفادة من النمو السريع في تحويلات المغتربين في دعم الاقتصاد المصري الذي يواجه أزمة نقص العملة الصعبة.
ووصف أمين عام اتحاد المستثمرين العرب السفير جمال بيومي الخطوة “بالمهمة”، ولكنه رهن نجاحها “بتوفير مناخ إعلامي واستثماري حقيقي، ومراعاة التجارب السابقة التي كانت تهدف لجذب مدخرات المصريين بالخارج، لأن المدخرات بالداخل لا تكفي لتمويل المشروعات الاستثمارية”.
وقال -في تصريحات للجزيرة نت- إن الفكرة سبق أن طبقتها الدولة المصرية في ثمانينيات القرن الماضي، من خلال إنشاء شركة لأبناء مصر بالخارج، وكنت أحد المساهمين بالشركة ولها مقر بوسط القاهرة، ولكن منذ ذلك الوقت لم أسمع عنها شيئا.
ومن المفاجآت، بحسب بيومي الذي شغل أيضا منصب مساعد وزير الخارجية سابقا، أن استثمارات المصريين خارج مصر تقدر بعشرات مليارات الدولار، وهناك بعض رجال الأعمال المصريين الذين يستثمرون 90% من أموالهم خارج مصر، وهذا الاستثمار الوطني الحذر نتيجة غياب مناخ استثمار حقيقي.
وتوقع بيومي أن تنجح الفكرة في حال تطبيقها بشكل احترافي وتجنب البيروقراطية، وتحسين النظام المصرفي الذي يعقّد الإجراءات المالية، ودراسة المشروعات وعوائدها بشكل واف؛ وحذّر من سوء إدارة الملف لأن عواقبه ستكون وخيمة.
مبادرات متنوعة
وفي إطار تعظيم الاستفادة من أموال المصريين بالخارج، وافقت الحكومة المصرية على مشروع قانون يسمح للعاملين بالخارج باستيراد سيارات الركوب من دون رسوم جمركية، شريطة وضع وديعة دولارية تعادل قيمة الرسوم الجمركية في حساب حكومي لمدة 5 سنوات من دون فوائد، على أن يتم استردادها في نهاية المدة بالجنيه المصري بسعر العملة آنذاك.
وقال وزير المالية المصري، الشهر الماضي، إن قرار إعفاء سيارات العاملين المصريين في الخارج من الرسوم والجمارك سيكون متاحا لمدة 4 أشهر فقط، وتوقع أن تصل الحصيلة الدولارية من القرار إلى 10 مليارات دولار.
وبرزت بعض المخاوف لدى المصريين المغتربين، وفي هذا الصدد قال رئيس مصلحة الجمارك الشحات الغتوري إن ضعف إقبال المغتربين على استيراد سيارات من الخارج يرجع لتخوفات من بينها التخوف من خشية فرض ضرائب على حساباتهم بعد تحويل الودائع، وهذا أمر غير ممكن وليس صحيحًا.
ودشنت الحكومة المصرية منصة إلكترونية لمبادرة تسهيل استيراد السيارات للاستخدام الشخصي للمصريين المقيمين بالخارج، مشيرا إلى أن عدد المسجلين بالمنصة في زيادة مستمرة.
أزمة الدولار هي الدافع
وأرجع الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني السبب في الإعلان مجددا عن تأسيس شركة لإدارة أموال المصريين بالخارج، إلى “نقص الموارد الدولارية. وفي هذا السياق لجأت الحكومة إلى أكثر من طريقة لجذب أموال المغتربين، مثل السماح باستيراد سيارات مقابل وديعة دولارية وطرح أراض ووحدات سكنية بالدولار”.
وأضاف للجزيرة نت أن التحويلات من الخارج يتم ضخها في مسارات مختلفة، وقرار الاستثمار يرجع إلى كل مغترب على حدة، وأصحاب المدخرات من حقهم اختيار شكل الاستثمارات أو الأوعية الادخارية دون أن يتم فرضها عليهم.
وحذر الخبير في مجال الاستشارات الاقتصادية والإدارية من اللعب بمدخرات المصريين بالخارج، ويجب الحذر كل الحذر عند التعامل معها؛ لأنه سيؤدي إلى إحجام المصريين عن إرسال أموالهم إلى بلادهم بالطرق والقنوات الشرعية، وبالتالي ستكون النتائج عكسية.
ورأى الميرغني أن فرص نجاح تأسيس الشركة ضعيفة، مشيرا إلى عدم وجود تجارب سابقة يمكن البناء عليها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، ووجود تاريخ من الاحباطات بين المواطن والحكومات.