استقالة محافظ المركزي المصري جاءت قبل إتمام الاتفاق مع صندوق النقد (وكالة الأنباء الأوروبية)

استقالة محافظ المركزي المصري جاءت قبل إتمام الاتفاق مع صندوق النقد (وكالة الأنباء الأوروبية)

القاهرة – أثارت استقالة محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر من منصبه على نحو غير متوقع؛ العديدَ من التساؤلات والتكهنات بشأن توقيتها البالغ الحساسية، وعلاقتها بالسياسة النقدية الجديدة للبلاد، بل والوضع الاقتصادي بشكل عام، وذلك بالنظر للدور الكبير المنوط به لضبط سياسات الدولة النقدية.

وما زاد من حدة هذه التكهنات أن استقالة المحافظ، جاءت قبل يوم واحد فقط من اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري للنظر في أسعار الفائدة اليوم الخميس 18 أغسطس/آب 2022.

 

وكانت أنباء قد ترددت مطلع الأسبوع الجاري عن استقالة عامر، إلا أن جمال نجم النائب الأول لمحافظ البنك المركزي أكد عدم صحتها، ووصفها بـ”الشائعات الملفقة” التي تؤثر سلبا على البنك المركزي والمصارف المحلية.

وذهب نجم -وفق بيان نشر على وكالة أنباء الشرق الأوسط- إلى القول إن “الشائعات مدفوعة بأغراض ومصالح وأطماع من يقف وراء ترويجها، خاصة في ظل الدور الكبير الذي يقوم به البنك المركزي في حماية نحو 9 تريليونات جنيه (الدولار = 19.15 جنيها)، تمثل ودائع المواطنين التي يتم الحفاظ عليها وفقا لقواعد رقابية صارمة ومشددة”.

وتنتهي مدة تولي عامر الثانية -وفق نجم- في نوفمبر/تشرين الثاني العام المقبل 2023، وقال إن قرار تكليف المحافظ واستمراره هو بيد رئيس الجمهورية فقط، وذلك وفقا للدستور.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أصدر صباح أمس الأربعاء 17 أغسطس/آب 2022 قرارا بتعيين عامر مستشارا لرئيس الجمهورية، وقدم الشكر له على ما بذله من جهد خلال فترة توليه مسؤولية البنك المركزي، وقبل اعتذاره عن الاستمرار في منصبه.

ورغم ما أثير بشأن ما إذا كانت تلك الخطوة استقالة أم إقالة، فإنها تأتي في وقت شديد الحساسية، وفي ظروف اقتصادية تصفها القيادات السياسية بالبلاد بالصعبة وغير المسبوقة، إلى جانب عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في المفاوضات الجارية منذ شهور للحصول على تمويل جديد لفتح شرايين الاقتراض المغلقة.

وكان طارق عامر تولى مهامه محافظا للبنك المركزي بقرار من رئيس الجمهورية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ثم أصدر الرئيس قرارا بالتجديد له لفترة ثانية من 2019 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

 

وتتضمن المادة 216 من الدستور المصري آلية تعيين رؤساء الهيئات المستقلة، ويصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيين محافظ البنك المركزي، لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد، مرة واحدة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه.

وأصدر السيسي قرارا بتعيين حسن عبد الله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي، خلفا لطارق عامر.

إنجازات المحافظ

وفي بيان نفي الاستقالة السابق، عدد جمال نجم مناقب سياسات عامر؛ ومن أهمها دوره الكبير في وضع قواعد الحوكمة الدولية، من خلال إعادة هيكلة جميع البنوك بما فيها البنك المركزي، وبناء احتياطي نقدي أجنبي قوي ساهم في زيادة الثقة في الاقتصاد المصري، وتلاشي فجوة النقد الأجنبي، وانخفاض الفجوة الدولارية من 3.9 مليارات دولار في فبراير/شباط 2022 إلى 400 مليون دولار فقط في يوليو/تموز من نفس العام بفضل قرارات البنك المركزي لتنظيم الاستيراد.

والنقطة الأكثر أهمية، وفق ما جاء على لسان نجم، هي نفسها نقطة الخلاف كما يقول البعض مع صندوق النقد التي كانت سببا في استقالته، وهي التي أوردها في البيان “أنه ليس من الوارد أن يقوم البنك المركزي بعمل تخفيض ذي قيمة في أسعار النقد الأجنبي في المرحلة القادمة بناء على هذه التطورات”.

وسمح البنك المركزي المصري في 21 مارس/آذار 2022 بتخفيض جديد لقيمة العملة إلى نحو 18.15 للدولار عن مستواها السابق البالغ 15.60 جنيها مقابل الدولار، بنسبة هبوط أكثر من 15% قبل أن يواصل الهبوط حتى 19.18 جنيها.

 

 

عامر من التعويم إلى الحماية

ومن أبرز قرارات عامر منذ توليه مهامه قيادته، عملية تعويم الجنيه وخفضه من مستوى 8.80 إلى نحو 19 جنيها، من أجل إفساح الطريق أمام الحكومة لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي في نهاية عام 2016 للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار.

وحصلت مصر على قروض إضافية في العام 2020 بقيمة 5.2 مليارات دولار بموجب أداة “اتفاق الاستعداد الائتماني”، وآخر بقيمة 2.8 مليار دولار بموجب اتفاق “أداة التمويل السريع”، وهي تجري الآن مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد في ظل أزمة تمويل حادة.

ويأخذ كثيرون -من بينهم شريف عثمان الخبير المصرفي في أميركا- على عامر أنه اتبع سياسة التعويم “المدار” ومن خلاله رفع قيمة الجنيه من مستوى 19 جنيها للدولار عقب تعويم 2016 إلى 15.60 جنيها في عام 2019، عبر دعمه له من الاحتياطي النقدي وعدم فرض قيود مشددة على الاستيراد لتوفير العملة الأجنبية، إلا في الفترة الأخيرة.

وأوضح عثمان في تصريحات للجزيرة نت، أن البنك المركزي لم يترك الجنيه للعرض والطلب، وهو من يتحكم في سعر الجنيه من خلال أدواته في السوق وهي مصرفي الأهلي ومصر، ولكن هناك ضغوط من صندوق النقد الدولي للتوقف عن مساندة الجنيه بأكثر من قيمته الحقيقية، التي تُحدد وفق العجز والفائض في العديد من المؤشرات الاقتصادية.

وكان البنك المركزي المصري قد قرر بشكل مفاجئ في فبراير/شباط 2022 وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، واستغنى عنها بالاعتمادات المستندية فقط، بهدف تقييد الاستيراد؛ ما آثار ردود أفعال متباينة بين مؤيد ومعارض.

وتحتاج مصر إلى جمع 41 مليار دولار لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة بحلول نهاية عام 2023، وتواجه خطر نضوب احتياطاتها من النقد الأجنبي إذا لم تحصل على قروض جديدة، وذلك في ظل موجة هروب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار هذا العام، وفق بيانات حكومية.

وشهد احتياطي البلاد من النقد الأجنبي انخفاضا بنحو 20% إلى 33.14 مليار دولار هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتدفقات رأس المال الخارجة وتكاليف الاقتراض المتزايدة.

 

وبلغ الدين الخارجي لمصر أعلى مستوياته على الإطلاق، وارتفع بنسبة 17% على أساس سنوي ووصل إلى 157.8 مليار دولار في 3 أشهر من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار الماضي.

 

سياسة دولة.. لا سياسة بنك

وفي هذا السياق، استبعدت سهير الدماطي الخبيرة المصرفية ونائبة رئيس بنك مصر سابقا، أن تكون استقالة عامر جاءت على خلفية ما يُثار على مواقع التواصل، بأن هناك خلافا داخل دائرة صنع القرار الاقتصادي حول مدى الاستجابة إلى طلب صندوق النقد الدولي الخاص بإتاحة مرونة أكبر في سعر الصرف.

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت الدماطي إنه لا يعني وجود وجهات نظر مختلفة تقديم الاستقالة، وفي النهاية الجميع يعمل لمصلحة الدولة المصرية.

وإذا ما كانت استقالة عامر تعني حدوث تغييرات في سياسة البنك المركزي، أوضحت أن أي محافظ جديد سيكون لديه رؤيته الخاصة التي تتوافق مع رؤية الدولة وبرنامجها الاقتصادي، والفترة المقبلة مهمة جدا والدولة تقوم بجهود كبيرة من أجل التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الناشئة عن الأزمة العالمية.

وأشارت الخبيرة المصرفية إلى أن استجابة أي محافظ لشروط صندوق الدولي، هو قرار مشترك بين البنك المركزي ووزارة المالية والعديد من المؤسسات المعنية وليس قرارا فرديا.

 

وأعربت عن تطلعها إلى أن تتمكن الدولة من معالجة ملف العملة المستمر منذ عقود، وأن يكون هناك استقرار طويل الأمد في سعر صرف الجنيه مقابل النقد الأجنبي، وعدم تعرضها لتقلبات متكررة، وتقليص الفجوة بين التصدير والاستيراد.

 

ليس عامر فقط

من جهته، قال الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار إن “هناك مشاكل كثيرة داخل المجموعة الاقتصادية، وهناك تخبط بالفعل، وأريد التذكير بأن صندوق النقد الدولي يطالب بمرونة أكبر في نظام أسعار الصرف، ويقول إن ذلك ضروري للمساعدة على امتصاص أو مواجهة الصدمات الداخلية والخارجية”.

وبشأن الأرقام السلبية المتعلقة بحجم الديون التي بلغت مستويات قياسية، واحتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع بشكل حاد، وخفض قيمة الجنيه بشكل كبير وارتفاع التضخم، وعلاقتها باستقالة عامر، أكد نوار في حديثه للجزيرة نت أنه لا يميل إلى تحميل طارق عامر مسؤولية ما يحدث، لكن الحكومة بشكل عام هي في وسط ورطة سيئة جدا، وفق وصفه.

وقد لاقت خطوة الاستقالة ترحيبا من قبل بعض المعارضين لسياسة المحافظ السابق، على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهم البرلماني المعارض ضياء الدين داود، الذي استبعد أن تتحسن الأمور برحيله؛ “لأن الأمر يحتاج لسياسات بديله توفر مناخا جاذبا للاستثمار”.

 

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

About Post Author