المصريون ينظرون بخطورة إلى تطور النزاع المسلح في السودان وأثره على أمن مصر القومي (رويترز)

المصريون ينظرون بخطورة إلى تطور النزاع المسلح في السودان وأثره على أمن مصر القومي (رويترز)

القاهرة– مع اندلاع الاشتباكات المسلحة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أمس السبت، وجدت مصر نفسها في دائرة الصراع بعد سيطرة القوات على قاعدة مروي الإستراتيجية، واحتجاز عدد من الضباط والجنود المصريين الموجودين هناك ضمن تدريبات مشتركة مع الجيش السوداني.

وتحتضن القاعدة الجوية في مروي (شمالي السودان) تدريبات عسكرية ومناورات جوية مشتركة بين الجيشين السوداني والمصري، بدأت في مارس/آذار 2021 تحت اسم (نسور النيل 2) وجرت بمشاركة مجموعات من القوات الجوية وقوات الصاعقة من البلدين.

 

وقال المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية حينئذ إن التدريب يهدف إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة من ناحية التخطيط والتنفيذ لإدارة العمليات الجوية وقياس مدى جاهزية القوات واستعدادها لتنفيذ عمليات مشتركة على الأهداف المختلفة.

وتمثل المدينة الواقعة على بعد 350 كلم شمال العاصمة الخرطوم ثقلا أمنيا وإستراتيجيا، وتضم مطارا عسكريا وآخر مدنيا، وفيها قاعدة جوية، ويغطي مطارها العمليات الجوية في شمال السودان وشرقه وغربه، ويعدّ قاعدة جوية مساندة بديلة للقواعد العسكرية الأخرى في البلاد وللمطار العسكري الأول في الخرطوم.

وفي أعقاب سيطرة قوات الدعم السريع السودانية على القاعدة العسكرية، نشرت مقطعا مصورا على حسابها في تويتر قالت إنه لجنود مصريين “استسلموا” لها في القاعدة العسكرية كانوا ضمن كتيبة من الجيش والقوات المصرية.

الجيش المصري يطالب بتأمين جنوده

يقتصر وجود الجيش المصري، حسب بيان القوات المسلحة، على التدريبات والمناورات المشتركة مع نظيره السوداني، ولكنها لم تكشف عن عدد هؤلاء الضباط والجنود الذين احتُجزوا. وأهاب الجيش المصري -في بيان على فيسبوك- بالحفاظ على أمن قواته هناك وسلامتها.

 

وأشار البيان إلى أن وجودهم يأتي “في إطار وجود قوات مصرية مشتركة لإجراء تدريبات مع نظيراتها في السودان. ويجري التنسيق مع الجهات المعنية في السودان لضمان تأمين القوات المصرية”.

وأثار المقطع المصور ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بالتزامن مع إجراء القاهرة اتصالات إقليمية ودولية مكثفة لاحتواء الأزمة التي تهدد استقرار جارها التاريخي.

وردت قوات الدعم السريع على صفحتها بموقع تويتر “رسالتنا لإخواننا المصريين: أولادكم في الحفظ والصون وفي مكان آمن، ومستعدون لتسليمهم للحكومة المصرية”، مشيرة إلى أن “الكتيبة المصرية لا تعدّ عدوا وسلمت نفسها دون مقاومة”.

وأكد حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، أن الجنود المصريين في قاعدة مروي بأمان وأن قوات الدعم السريع مستعدة للتعاون مع مصر لتسهيل عودتهم.

المحللون يقولون إن مصر يقع على عاتقها التدخل للتسوية بين الأطراف المتصارعة في السودان رغم رفض بعض القوى لأي دور مصري (الجزيرة)

“دور محايد”

يستبعد اللواء محمود منير حامد، المحلل العسكري وعضو المجلس المصري للعلاقات الخارجية، أن يهدف إظهار الجنود المصريين في المقطع المصوّر إلى توريط مصر في النزاع الدائر.

ويقول حامد للجزيرة نت إن “قوات الدعم السريع أخطأت عندما تعاملت مع الجنود المصريين في قاعدة مروي ضمن مهمة تتعلق بإجراء مناورات وتدريبات مشتركة بالشكل الذي رأيناه، ولا يمكن المساس بهم بأي حال من الأحوال”، وهو ما أكده حميدتي لاحقا.

 

وبشأن حجم دور القوات المصرية وطبيعته في السودان، يوضح حامد أنه لا توجد قوات مسلحة مصرية بالمعنى العسكري المعروف، ولكن هناك تعاونا بين الجيشين المصري والسوداني من خلال تدريبات ومناورات مشتركة بأعداد محدودة ولمدة معينة في مهمة محددة، وتنفذ على نحو رسمي.

ويؤكد المحلل العسكري أن مصر تقف على الحياد من الأزمة في السودان، ولكن تقع على عاتقها مهمة العمل على إزالة الخلافات الموجودة والوصول إلى تسوية مقبولة وتجنب التصعيد العسكري، والدعوة للجلوس والتفاوض والتوافق حيث إن بعض القوى السودانية لا تقبل بدور مصري أكبر من ذلك.

وفي تقديره لأسباب الأزمة، يرى حامد أن الصدام المسلح في السودان هو نتيجة تراكم خلافات كبيرة وجوهرية بين القوتين بسبب عدم الوصول إلى توافقات تعلي المصلحة الوطنية فوق أي مصلحة أخرى، محذرا من تدهور الوضع الأمني إذا لم تُتدارك الخلافات وتوجد حلول مناسبة يتنازل فيها كل طرف مقابل إنهاء الصراع.

ويعتقد أن الأمن القومي المصري مرتبط تماما باستقرار السودان وبين البلدين مصالح وقضايا مشتركة بحكم البعد الجغرافي والتاريخي المشترك، “لذلك من المهم أن يعمّ الاستقرار الأراضي السودانية، وهذا لن يتحقق إلا بتوافق القوى الوطنية حول قواسم مشتركة”.

 

تحرك وقلق سياسي

على الصعيد السياسي، طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأطراف السودانية بتغليب لغة الحوار والتوافق الوطني وإعلاء المصالح العليا للشعب السوداني، معربا عن قلق مصر البالغ من التطورات في السودان.

 

وأكد السيسي، في اتصال هاتفي مع السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وجود تداعيات سلبية للصراع المسلح على استقرار السودان الذي يمر بلحظة تاريخية دقيقة تستدعي أقصى درجات الحكمة وضبط النفس.

وإقليميا، دعت كل من مصر والسعودية إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين بجامعة الدول العربية لمناقشة الوضع في السودان، حسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية.

ورأى المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد أبو زيد أن التطورات المتلاحقة والخطيرة في السودان تقتضي عقد هذا الاجتماع للتشاور والتنسيق بين الدول العربية وبحث سبل نزع فتيل الأزمة الراهنة، والعمل على استعادة الاستقرار في أسرع وقت.

الدور المصري في وضع معقد

وبرأي الأمين المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية السفير أحمد حجاج، فإن التطورات الخطيرة في السودان “تستدعي من مصر القيام بدورها التاريخي في محاولة وقف التصعيد العسكري بلا تحيز إلى طرف دون آخر، وهو ما يتضح من خلال اتصال الأمين العام للأمم المتحدة بالرئيس السيسي طالبا استخدام مصر نفوذها وعلاقاتها لعودة الهدوء هناك”.

ولكن حجاج يؤكد -للجزيرة نت- أن عمق الخلافات بين الطرفين في السودان كبير، ويصعب توقع أن يتنازل أي طرف لحساب الآخر، “وهو ما يجعلنا نرى أن الدولة السودانية مهددة بسبب هذه الخلافات، وهنا يأتي دور الشعب السوداني للتدخل لإيقاف التصعيد العسكري بين الجانبين المتصارعين”.

 

ويضيف “لا أعتقد أن في وسع أي دولة أو طرف دولي التدخل في السودان عسكريا؛ فهو بلد كبير ومتعدد الأعراق والديانات، وما حدث كان مفاجئا خاصة أن الفرقاء هناك كانوا على وشك توقيع اتفاق مصالحة يضمن الاستقرار السياسي والعودة إلى الحكم المدني”. وبرأيه “يبدو أن هناك أطرافا خارجية لا تريد ذلك” دون تسميتها.

ويعتقد حجاج أن إنجاح الملفات والقضايا المشتركة بين القاهرة والخرطوم مرهون بوجود سودان مستقر سياسيا واقتصاديا، وعلى رأسها ملف سد النهضة.

ويقول إن “انحراف السودان عن خط التوافق بهذا الشكل الحاد والمفاجئ كان غير متوقع”، مشيرا إلى أن وضع المصريين في السودان لا يدعو للقلق بمن فيهم الجنود المشاركون في عمليات تدريب ومناورات عسكرية، وهو ما تعهدت به جميع الأطراف هناك.

 

 

صراع قاد إلى المواجهة

وكانت مصادر أمنية قد كشفت للجزيرة نت الشهر الماضي أن الجيش والدعم السريع رفعا درجة الاستعداد وسط قواتهما وحشدا أسلحتهما وجلبا قوات وتعزيزات عسكرية من الولايات إلى الخرطوم، وترافق ذلك مع الخلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش وتلاسن قيادات الجانبين.

وأدى غياب الثقة بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى فشل مبادرات الوساطة لاحتواء الخلافات بينهما، وجاء التصعيد الأخير رغم التزامهما بعدم المبادرة بإطلاق النار كل تجاه الآخر.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author