عمّان- في وقت يُتهم قانون الأحزاب الأردني النافذ بتضييق الخناق على الناشطين السياسيين من مختلف ألوان الطيف، يعتبره محللون سياسيون “خطوة على درب التحديث المنشود، وسيدفع الأردنيين للمشاركة في العملية السياسية”.
وقد صدّرت الهيئة المستقلة للانتخاب بياناً للصحافيين، أول أمس الأحد، أوردت فيه أسماء الأحزاب المرخصة من سواها. فحل حزبا “الجبهة الأردنية الموحدة” و”الشراكة والإنقاذ” البارزان في قائمة الأحزاب غير المرخصة.
وخرج 19 حزباً من مونديال السياسة الأردنية، بعد انتهاء المدة التي حددها قانون الأحزاب لغايات تصويب الأوضاع، واستكملت خلالها 26 حزبا شروط وأحكام القانون النافذ من أصل 56 حزبا، فيما اندمج 6 أحزاب مع أخرى وفقت أوضاعها، واندمج 5 أحزاب مع أخرى لم تتمكن من توفيق أوضاعها.
تغيير هوية الدولة
لا يتفق أمين عام حزب “الجبهة الأردنية الموحدة” فاروق العبادي مع مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، لأنها كما قال “جاءت للتنظيم وليس للإصلاح السياسي، ولتحويلنا من دولة المؤسسات والقانون إلى دولة مراكز” محملاً مراكز القرار مسؤولية إنتاج أحزاب “ستكون مهمتها تغيير هوية الدولة الوطنية”.
وقال العبادي للجزيرة نت “الهيئة المستقلة أخذت دور الحكم في العملية الحزبية، والدولة غير جادة بوجود أحزاب حقيقية”.
هل استُبعد “الشراكة والإنقاذ”؟
أمين عام حزب “الشراكة والإنقاذ” سالم الفلاحات تمسّك بالقانون بصفته المخوّل الوحيد بخيار حل الحزب. وقال “الحزب لا يملك إزاء ذلك سوى الوسائل السلمية والديمقراطية والمدنية” مضيفا أنه ليس معارضا للدولة “ودعونا الهيئة المستقلة لحضور مؤتمر الحزب، لكنها لم توفد ممثليها”.
وأكد الفلاحات للجزيرة نت “شكلنا لجانا لمراقبة فعاليات المؤتمر، ووثقنا بالكاميرا مشاركة كل عضو مع بطاقته الشخصية وتوقيعه، وتقدمنا بأوراقنا الكاملة للهيئة المستقلة مستوفين جميع الشروط وفق القانون، لكن الهيئة بعثت للحزب قائمة بـ 130 شخصية الساعات الأخيرة من آخر يوم عمل، تطلب تزويدها بوثيقة عدم محكومية لجميع الأسماء الواردة فيها”.
المستقلة للانتخاب تفنّد الاتهامات
الجزيرة نت نقلت حديث الأمين العام لحزب الشراكة والإنقاذ، للناطق الرسمي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب محمد خير الرواشدة الذي قال : ” هناك 19 حزبا لم تتمكن من تحقيق الشروط كافة وعقد مؤتمراتها العامة، وليس حزب”الشراكة والإنقاذ” فقط”.
وأضاف للجزيرة نت :” استقرار عدد المنتسبين للشراكة والإنقاذ عند (942) منتسبا مع الإضافات التي تسلمها سجل الأحزاب في الهيئة يومي الجمعة والسبت الماضيين خارج ساعات العمل الرسمي وبالتزامن مع نهاية المدة القانونية لمرحلة توفيق الأوضاع”، مؤكداً أنه وعلى فرض اعتماد الملاحق والكشوفات التي تسلمتها الهيئة في ليلة اليوم الأخير من المدة القانونية لحزب الشراكة والانقاذ فإنه وبعد عمليات المطابقة والتدقيق وفق أحكام المادتين (6 و 11) لم يتجاوز شرط الألف عضو من المنتسبين، وهو شرط الذهاب للدعوة لعقد مؤتمر عام خلال المدة القانونية الملزمة.
وأكد الرواشدة أن الهيئة استقبلت أكثر من 50 استقالة منذ شهر فبراير/شباط الماضي وحتى منتصف أبريل/نيسان المنصرم، أي قبل تسليم الحزب للوثائق المطلوبة لغايات توفيق أوضاعه، داعيا قيادات الحزب إلى توجيه جهودهم إلى مراجعة وإعادة تقييم آليات عملهم الحزبية الداخلية بموضوعية، والتي حالت دون استكمال شروط توفيق الأوضاع، أو اللجوء للقضاء لحسم الجدل الذي استخدمت به سمعة “المستقلة للانتخاب” بمحاولات الطعن بدورها الدستوري .
وقد حدد قانون الأحزاب الجديد، رقم 7 لسنة 2022، مهلة تنتهي في 13 مايو/أيار الحالي، لتصويب أوضاع الأحزاب القائمة واستكمال ترخيص أحزاب جديدة، مشترطاً ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين للحزب عند انعقاد مؤتمره التأسيسي عن ألف شخص يمثلون 6 محافظات على الأقل، بواقع 30 عضوا كحد أدنى من كل محافظة.
بين مؤيد ومعارض
من ناحيته، يرى المحلل السياسي حسام الغرايبة أن الدولة أنجزت كل القوانين المتعلقة بالتحديث السياسي، وهي خطوة باتجاه فحص التجربة الحزبية الحقيقية عبر خوض الانتخابات البرلمانية، مؤكداً أن نجاحها سيمكّن الأردنيين من إعادة تشكيل الخارطة الحزبية السياسية في البلاد.
وقال الغرايبة للجزيرة نت “أعتقد أن الإرادة السياسية جادة بإحداث تغييرات سياسية جوهرية في آلية الحكم بالأردن، فالنظام السياسي مقتنع بشراكة المواطن في صناعة القرار السياسي”.
وبالمقابل، يعلّق الكاتب والمحلل السياسي خالد المجالي قائلا “ما هكذا تورد الإبل” ويضيف “الأصل أن يحكم الشعب على أجندة الحزب، فإما أن يقبل عليه أو يحجم عنه، لكن المؤشرات لا تنبئ بخير، وتؤكد غياب نية الإصلاح، والسير بالناس نحو المجهول”.
غير أن النائب السابق إبراهيم البدور يرى انتهاء فترة توفيق الأوضاع للأحزاب السياسية موسماً لقطاف مخرجات قانون الأحزاب الجديد، وقدرته على تحديث المنظومة السياسية بصورة متكاملة.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول البدور الذي شغل منصب مقرر اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية “نحن نعيش ترجمة لتوصيات اللجنة..” مرجحاً انخفاض الأحزاب أكثر وأكثر عند أول انتخابات برلمانية قادمة، ولا سيما أن القانون يشترط نظام العتبة أمام الأحزاب كشرط للمنافسة على المقاعد البرلمانية.
“من القبلية التقليدية إلى الحزبية”
ويقول الكاتب والمحلل السياسي منذر الحوارات “في إطار قانون جديد أعيدت هيكلة العملية الحزبية، وهذا ربما ضيق على بعض الأحزاب، أمام اتكاء أخرى على مزاعمها بأنها مدعومة، وتمثل تياراً معيناً بالدولة”.
ويضيف الحوارات “إذا اعتبرنا أن هذه مرحلة تحول وانتقال، ويتم فيها التدخل بعملية إنشاء الأحزاب وهيكلتها وفق رؤية محددة، فهي ردة حقيقية على الإصلاح، الذي يتطلب ترك المجتمع يشكّل قواه المدنية والقوى المعبرة عنه دون أي تدخل من أي جهة مهما كانت”.
وبرأيه، فإن هذا التدخل سينقل المجتمع من الحالة القبلية التقليدية إلى حالة قبلية حزبية، غايتها السيطرة على القرار السياسي المستقبلي، مما ينسف محاولات التأسيس لشراكة اجتماعية حقيقية لصالح تسييد رؤية واحدة مهيمنة.