المخرج شريف عرفة (يمين) والممثل محمد هنيدي (مواقع التواصل)

المخرج شريف عرفة (يمين) والممثل محمد هنيدي (مواقع التواصل)

في مشهد من فيلم “المنسي”، يلتقي عادل إمام وأحمد آدم بالممثل علاء ولي الدين في قاعة السينما، ويسأله إمام إن كان قابله سابقا في المجمّع (في إشارة طريفة إلى فيلمهما “الإرهاب والكباب”). يبحث الثلاثة عن الأفلام التي لم يمسّها مقص الرقيب خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. ويتطوّر المشهد بسرعة ليدعو إمام جمهور القاعة إلى الانتقام من الشاب الذي خدعهم وادّعى أن الفيلم “مناظر” وليس “قصة”، وكان هذا الشاب هو محمد هنيدي.

عُرض “المنسي”عام 1993، وكان إمام نجم شباك التذاكر الأول بلا منازع، في حين كان هنيدي وولي الدين مجرد ممثلين شابين يظهران في أدوار هامشية بين حين وآخر. بعد سنوات قليلة تغيّر كل شيء. أصبح هنيدي نجم شباك التذاكر الأول في مصر، منافسا إمام نفسه. ثم راهن عرفة على ولي الدين، فقدم له دور البطولة الأول، موقنا أنه حان وقت سينما الشباب، لتتوالى أفلامه مع ولي الدين وهنيدي وأحمد السقا وأحمد حلمي وكريم عبد العزيز.

 

وهكذا، أسهم عرفة في صنع نجومية من صاروا أهم نجوم السينما المصرية في مطلع الألفية الثالثة.

وحيد حامد وعرفة

وكأن عرفة يرد الجميل، فقد كان يوما شابا يبحث عن فرصة مساعد مخرج مع كبار مخرجي السينما، أو يبحث عن السيناريو الجيد ليبدع أفلامه، وجاءه الكاتب الكبير وحيد حامد ليمنحه فرصة عمره، ويقدم معه أهم أفلامه.

عندما التقى المخرج الشاب شريف عرفة، آنذاك، بوحيد حامد للمرة الأولى، رفض الثاني أن يناديه بالأستاذ. يصف عرفة ذلك الموقف قائلا إن حامد كان على يقين بأن بينهما حياة طويلة وأفلاما كثيرة، وسيكون له فضل كبير في تكوينه واسمه.

ويروي عرفة -في لقاء تلفزيوني- أن حامد كان يطلب من المخرج أن يكتب ورقة بالملاحظات على سيناريو الفيلم، لكن عرفة كسر هذه القاعدة، مفضلا أن يتواصل مع الكاتب شخصيا. وإذا أراد أن يضيف شيئا، يكلم حامد فيكتبها له.

عرفة وعواد

عندما اختار حامد عرفة ليعمل معه، لم يكن الأخير قدم سوى 3 أفلام فقط بمشاركة السيناريست ماهر عواد: “الأقزام قادمون” (1986) الذي انتقد مافيا الإعلانات التجارية، و”الدرجة الثالثة” (1988) الذي قدم رؤية فانتازية عن الصراع بين أصحاب المال والسلطة والمهمّشين، وفشل الفيلم في دور العرض رغم أنه كان من بطولة سعاد حسني وأحمد زكي.

 

ومع كل المعوقات، واصل عرفة وعواد أفلامهما غير المألوفة في السينما التجارية بفيلم “سمع هس” (1991) مع ممدوح عبد العليم وليلى علوي، إذ غامر بهما ليقدما فيلما غنائيا استعراضيا، ساخرا من الوطنية الزائفة واستغلال البسطاء. وكانت هذه الأفلام تحمل طابعا مجددا للسينما المصرية، إذ أعادت إحياء روح السينما الاستعراضية والغنائية بعد طول غياب، واعتبره المخرج خيري بشارة بداية فعلية لعصر جديد للسينما المصرية.

خماسية وحيد حامد

قدم شريف عرفة مع وحيد حامد أهم أفلامه في التسعينيات، وارتبط اسمهما بالفنان عادل إمام في “اللعب مع الكبار” (1991)، و”الارهاب والكباب” (1992)، و”المنسي” (1993)، و”طيور الظلام” (1995)، وكلها بمشاركة النجمة يسرا، ثم “النوم في العسل” (1998). في حين قدم عرفة وحامد فيلمهما “اضحك الصورة تطلع حلوة” (1998) مع أحمد زكي، وفيه قدّم كريم عبد العزيز إلى جوار منى زكي.

حققت أفلام حامد وإمام وعرفة نجاحا جماهيريا ونقديا كبيرا، إذ قدمت كوميديا اجتماعية سياسية مشوّقة، تنتقد السلطة أحيانا والمعارضة أحيانا أخرى، تسخر من الواقع البائس، وتقارن بين الطبقات الاجتماعية، وتناصر الفقراء في صورة البطل المهمش الذي ينتصر على السلطة أو الأغنياء، مثل شخصية أحمد فتح الباب في “الإرهاب والكباب” والذي يفر من السلطة في النهاية، على الرغم من أنه صار بحكم القانون “إرهابيا”، أو شخصية “يوسف المنسي” الذي ينتفض ليضرب من أهانوه وينقذ فتاة قابلها بالصدفة من قبضتهم.

حاول عرفة أن يقدم جزءا ثانيا من “الإرهاب والكباب”، لكن وحيد حامد رفض، ودفعهما حرصهما على الحفاظ على نجاح أفلامهما المشتركة إلى تقديم فيلم سادس.

الكوميديا والمضحكون الجدد

مع النجاح المدوي لفيلم “إسماعيلية رايح جاي” (1997)، ومزاحمة النجوم الشباب لكبار الفنانين في السينما المصرية، اختار عرفة أن يصبح منافسا شرسا في الموجة الجديدة للسينما. اختار علاء ولي الدين -الذي قدمه في دور مميز في “الإرهاب والكباب”- ليمنحه البطولة في “عبود على الحدود”، على الرغم من خشيته أن يكون البطل بدينا، وأن يكون من حوله ممثلون غير معروفين، لينافس ولي الدين صديق عمره هنيدي، وقد صار الاثنان بطلين يحققان الملايين من الإيرادات بين ليلة وضحاها.

وفي فيلم “الناظر” حقق عرفة -مع صفّ من النجوم الشباب- نجاحا ساحقا، ليشارك في ترسيخ المدرسة الجديدة في السينما المصرية، حيث الكوميديا هي عنوان الألفية الجديدة، والنجوم الشباب يحطمون أسطورة كبار الفنانين، ويحققون إيرادات قياسية من دور العرض.

 

يقول عرفة إنه عندما يقدم فيلما كوميديا يكون تعيسا، ويكون أكثر قلقا ليقدم شيئا جيدا، كثير من أفلامه الكوميدية تُصاغُ مشاهدها وقت التصوير، ويضرب مثالاً بمشاهد شخصية اللمبي في فيلم “الناظر” حيث يجلس المخرج والكاتب يضيفان المشاهد خلال التصوير.

ومن تحت عباءة الناظر، يخرج محمد سعد ليقدم بطولته المطلقة الأولى في فيلم “اللمبي”، ويقدم حلمي “ميدو مشاكل” ليصبح أحد أهم نجوم الكوميديا في السينما المصرية.

عرفة والسقا

واجه عرفة الإخفاق في “ابن عز” (2001) مع علاء ولي الدين، هو ما يفسره عرفة بأنه كان يمر بظروف شخصية أثّرت على عمله، اختار بعدها عرفة أن ينطلق من الكوميديا إلى الأكشن، بداية من “مافيا” (2002) الذي وضع أحمد السقا بطلاً لا ينافَس في أفلام الحركة.

عاد عرفة والسقا ليحققا أرقام إيرادات كبيرة في “الجزيرة” (2007)، مع مجموعة من أهم الفنانين. الفيلم، الذي كتبه محمد دياب، مستوحى من أحداث واقعية، ويقدم المزيد من مشاهد الحركة المتقنة الصنع، من دون أن يخلو من الدراما الإنسانية عن منصور الحفني وإمبراطوريته التي تتحدى السلطة في قلب الصعيد.

عن الثورة

في “الجزيرة 2” (2014)، قدّم عرفة رؤيته الخاصة التي تدين ثوار 25 يناير/كانون الثاني 2011، في فيلم يمتلئ بالإسقاطات السياسية المفرطة، ومحاولة إسقاط كل شخصية وحدث على واقع مصر بعد الثورة.

كما شارك في فيلم “18 يوم”، الذي جمع 10 أفلام قصيرة و10 مخرجين مصريين قدموا فيلما عن الثورة، عرضه مهرجان كان السينمائي عام 2011، مما أثار جدلا حينها لأن عرفة كان واحدا من فريق الحملة الانتخابية للرئيس حسني مبارك في انتخابات الرئاسة 2005.

 

تنوّع

كانت تجربة عرفة في فيلم “حليم” (2006) أصعب تجاربه، ويصفها بأنها “تجربة مريرة”، إذ شهد تدهور صحة بطلها أحمد زكي أمام الكاميرا، وتوفي زكي بعد أسبوع واحد من انتهاء التصوير، وقارن النقاد بين حياة زكي ووفاته بسرطان الرئة وهو في قمة مجده، وحياة العندليب الأسمر الذي قضى عام 1977 بداء البلهارسيا، وهو مرض طفيلي حاد ومزمن.

في 2009 قدم عرفة فيلم “الممر” الذي وصف بأنه الأعلى إنتاجا في تاريخ السينما المصرية، وبدعم كبير من الجيش المصري، عن قصة لكتيبة من قوات الصاعقة المصرية تخوض معركة ضارية ضد العدو الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف (1968-1970).

تتنوع تجارب عرفة، يحقق نجاحا كبيرا في الكوميديا مع أحمد حلمي في “إكس لارج”، أو يحاول استعادة بريق هنيدي في “النمس والجن”، يخوض في الصراع العربي الإسرائيلي في “ولاد العم”، أو التاريخ وأسراره في “الكنز” (في فيلم يجمع أهم نجوم السينما المصرية من أجيال مختلفة وبينهم محمد سعد ومحمد رمضان)، أو يقدم التشويق والإثارة في “الجريمة”.

نجوم جدد

على الرغم من كل الظروف الصعبة التي تمر بها صناعة السينما، فإن عرفة يستطيع الاستمرار وتقديم الجديد من دون أن يفقد فراسته في مخاطبة جماهير دور العرض، ومستمرا في التعاون مع أهم نجوم السينما، وتجديد دمائه باستمرار بين الكوميديا والحركة والتشويق، ليكون المخرج الوحيد المستمر من جيل الكبار.

تصفه جريدة “الأهرام” بأنه ليس فقط مخرجا صاحب أسلوب سينمائي مميز وأفلام تحمل متعة فنية وبصرية، ولكنه بات أيضا مؤسسة سينمائية، إذ أطلق قدرات الكثير من النجوم مثل كريم عبد العزيز ومنى زكي ومحمد سعد، إلى جانب عمله مع كبار النجوم والذين قدمهم بشكل مختلف، وتتلمذ عليه الكثير من المخرجين الشباب، مثل مروان وحيد حامد وأحمد علاء وغيرهما.

تكريم

منح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي شريف عرفة جائزة فاتن حمامة التقديرية في افتتاح دورته عام 2009، وقدمت له الفنانة يسرا الجائزة. ووصف عرفة التكريم بأنه حدث في حياته، وعبّر عن امتنانه لكل من ساعده في مسيرته، من والده المخرج سعد عرفة، وكبار المخرجين الذين عمل معهم، وماهر عواد شريكه في البدايات، ووحيد حامد الذي منحه الفرصة ليقدم أعظم أفلامه، وعادل إمام الذي آمن به وتعامل معه بكل احترام.

المصدر : الجزيرة + وكالات

About Post Author