كيف تفاعل الإيرانيون مع قرار وقف عمل شرطة الأخلاق ومراجعة قانون الحجاب؟
طهران- رحبت تيارات إيرانية بإعلان المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري أن البرلمان والسلطة القضائية يجريان مراجعة لقانون الحجاب الإلزامي، إضافة إلى وقف عمل “شرطة الأخلاق”، ورأى البعض أن ذلك يشكل خطوة في سبيل احتواء الاحتجاجات المتواصلة منذ أكثر من شهرين في البلاد، لكن ناشطين عبروا عن مخاوفهم.
واعتبر مراقبون أن القرار الإيراني أول تراجع من نوعه منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية على وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، إثر توقيفها من جانب “شرطة الأخلاق” في طهران بحجة عدم التزامها بارتداء لباس محتشم.
ولقي القرار بإلغاء عمل شرطة الأخلاق ومراجعة قانون الحجاب في إيران ترحيبا لدى التيارين السياسيين المحافظ والإصلاحي، إلا أنه أثار شكوكا لدى مراقبين وناشطين في الحراك المطلبي عبروا عن خشيتهم من استغلاله لإسكات الاحتجاجات الشعبية.
مراجعة القانون
من جانبه، كشف الأمين العام لحزب سبز (الأخضر) المحافظ، حسين كنعاني مقدم، أنه سبق أن تقدم برفقة عدد من الأحزاب السياسية بمقترح إلى البرلمان الإيراني لمراجعة قانون الحجاب الإلزامي انطلاقا من قناعته بأن الاستعانة بشرطة الأخلاق لتطبيقه لا تخدم قضية الحجاب في البلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، انتقد السياسي المحافظ إلزامية الحجاب في البلاد، وطالب باعتماد أساليب ناعمة لتطبيق “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” بدلا من تجريم الأفراد ودخول شرطة الأخلاق على خط تنفيذه.
وقال كنعاني مقدم إن تعديل قانون الحجاب يتطلب مراجعته من قبل المؤسسة الدينية من جهة، والبرلمان من جهة أخرى، مؤكدا توصّل العديد من الشخصيات في الحكومة والبرلمان إلى قناعة بضرورة مراجعة قانون الحجاب انطلاقا من مبدأ الحقوق الفردية لا سيما بعد المطالبات الشعبية الأخيرة.
وخلص السياسي المحافظ إلى أن إلزامية الحجاب تنعكس سلبا على تطبيق قانون الحجاب، مؤكدا أنه يؤمن بضرورة وضع مسؤولية اختيار الحجاب وكيفية تطبيقه على عاتق المؤمنين والمؤمنات.
تفاعل خجول
وفي المعسكر الإصلاحي، ترى الأمينة العامة لحزب “اتحادات الشعب الإيراني”، آذر منصوري، أن القرار جاء ردا على السبب الرئيس الذي أطلق شرارة الاحتجاجات المتواصلة منذ أكثر من شهرين، واصفة الخطوة بأنها تفاعل خجول وخضوع لأدنى المطالب الشعبية المتعلقة بالحريات والأصوات المنادية بإجراء إصلاحات شاملة.
واستدركت منصوري، في حديثها للجزيرة نت، أن قضية الحجاب الإلزامي ودوريات الإرشاد لا تمثل سوى جزء صغير من المطالب الشعبية، وأن السلطات الحاكمة مطالبة بإجراء إصلاحات جادة وشاملة على شتى الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية لردم الهوة بين شرائح الشعب والسلطة.
وطالبت سلطات بلادها بالإصغاء لمطالب المحتجين وتحليل أسباب الاحتجاجات بموضوعية، مؤكدة أن اتهام المحتجين بتنفيذ أجندة خارجية وقمع الحراك الاحتجاجي لن يساعدا في حل الأزمة.
وختمت الأمينة العامة لحزب “اتحادات الشعب الإيراني” بالقول إن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على الخطوة التي أعلنت عنها السلطة الإيرانية لمراجعة قانون الحجاب والتفاعل مع المطالب الشعبية.
تخدير حكومي
من جانبها، رأت الناشطة في مجال المرأة فرناز ملا محمد في إعلان المدعي العام الإيراني مراجعة قانون الحجاب خلال الأسبوعين المقبلين عامل تخدير للاستحواذ على مطالب المحتجين، مؤكدة أن الحركة النسوية في إيران تطالب بمساواة حقوق المرأة والرجل، وأن إلغاء إلزامية الحجاب ليست سوى أقل القليل بين المطالب الشعبية.
ورحبت -في حديثها للجزيرة نت- بأي خطوة تهدف إلى إحقاق حقوق المرأة الإيرانية، مؤكدة أن مطالب المحتجين واضحة ولا يمكن الالتفاف عليها من خلال حصرها في قانون الحجاب الإلزامي وشرطة الأخلاق.
وأضافت ملا محمد أن الاحتجاجات التي حافظت على زخمها طوال أكثر من شهرين تطالب بإصلاحات شاملة ومنح المواطن حريات واسعة، ولا يمكن إخمادها عبر تقديم جرعات تخدير لا تسمن ولا تغني من جوع، على حد تعبيرها.
جدلية الحجاب
وكان رضا شاه، البهلوي الأول، قد أقرّ قانونا في يناير/كانون الثاني 1936 يلزم الإيرانيات بخلع حجابهن، معتبرا أنه من مظاهر التخلف، وقد أثار ذلك ردود فعل شعبية غاضبة آنذاك استمرت إلى أن ألغي في عهد ابنه البهلوي الثاني محمد رضا عام 1944.
وبعد مجيء الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، عاد الحجاب إلى الواجهة السياسية مجددا، بعد صدور تعليمات من قائد الثورة الراحل آية الله الخميني بضرورة أن ترتدي النساء الحجاب الشرعي خارج بيوتهن.
وأصبح الحجاب إلزاميا في الجمهورية الإسلامية بدءا من أبريل/نيسان 1983، أي بعد 4 سنوات على الثورة التي أطاحت بنظام الشاه.
وينص القانون على أن العقوبة تسري على جميع النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الشرعي المعروف، لكن على أرض الواقع لم يطبق إلا على من تتخطى الحجاب العرفي المألوف في المجتمع الإيراني، والذي أصبح مقبولا إلى حد ما لدى السلطات الإيرانية بعد انتشاره الواسع في السنوات الماضية.