قطر بدأت كمركز واعد لإدارة النفايات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الجزيرة)

قطر بدأت كمركز واعد لإدارة النفايات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الجزيرة)

تتطلع دولة قطر إلى قيادة صناعة “إدارة الاقتصاد الدائري” المستدام مستقبلا في ظل وجود مبادرات حكومية واسعة تدعم المستثمرين الأجانب.

والاقتصاد الدائري -حسب الخبراء- ليس مصطلحا وليد السنوات الأخيرة، بل يضرب بجذور عميقة في عالمنا منذ عقود منذ ابتكار مفهوم التدوير وإعادة الاستخدام وبدء استغلال التقنيات الممكنة في إعادة التصنيع وتوجه الدول نحو تطوير ما لديها من مواد وإعادة تدويرها وتصنيعها.

 

ويعرف الاقتصاد الدائري أو الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يهدف إلى الحد من المخاطر البيئية وتحقيق التنمية المستدامة دون أن تؤدي إلى حالة من التدهور البيئي.

وتشير التوقعات إلى أن هذا القطاع سيوفر منافع مالية واجتماعية وبيئية جمة تناهز قيمتها 17 مليار دولار بحلول عام 2030، أي ما يوازي 10% من مجمل الناتج المحلي القطري، فضلا عن توفير 19 ألف فرصة عمل.

ونظرا لأهمية هذا المورد الجديد (الاقتصاد الدائري) وعملا بمقولة “الاقتصاد علم البدائل” ظهرت دراسات -منها دراسة صادرة عن وكالة “ترويج الاستثمار“- تستكشف الإمكانات الكامنة في قطاع إدارة النفايات بدولة قطر، والتي قالت إن الاتصال المتطور والبنية التحتية الحديثة فيها يوفران فرصا واعدة للمستثمرين المحتملين في مجالات إعادة تدوير النفايات واستخدامها كوقود واسترجاع المواد.

ويرى بعض الخبراء والمختصين أن الاقتصاد الدائري يمثل نموذجا اقتصاديا حيويا نشطا يتحكم بالموارد والإمكانات، ويضيفون أن هذا الاتجاه يدعم بقوة قطاع الصادرات غير البترولية، وذلك لتوفر خصائص، منها التشديد على العلاقات بين التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية والاجتماعية والبيئة، كما أنه لا يمثل وسيلة لفرض القيود التجارية بل لعلاج التشوهات التجارية، ويرتكز على كفاءة الموارد من جهتي الإنتاج والاستهلاك.

 

وأوضحت الدراسة التي أصدرتها وكالة “ترويج الاستثمار” أن إستراتيجية قطر الوطنية للبيئة والتغير المناخي الهادفة إلى إغلاق المطامر غير الصحية وإعادة تأهيلها بالإضافة إلى إعادة تدوير 15% من مجمل النفايات البلدية توفر فرصا مجزية في كافة أجزاء سلسلة القيمة ذات الصلة بإدارة النفايات.

الاقتصاد الدائري والمونديال

برز الاهتمام بالاقتصاد الدائري بصورة مكثفة منذ فوز قطر بحق استضافة مونديال 2022، لعلم الجهات المختصة بوجود مخلفات كبيرة تصاحب عمليات الاستعداد وتجهيز الملاعب والبنية التحتية والمرافق والتدفق السياحي، وعقب اختتام المونديال استمر الحديث بشأن مدى الاستفادة من المخلفات وإدخالها في الدورة الاقتصادية.

وانصب تركيز دولة قطر -حسب الجهات المختصة- على إعادة تدوير النفايات الإنشائية، خاصة “نفايات بطولة مونديال قطر”، فشكلت هذه النقطة تحديا كبيرا، وبذلت جهودا كبيرة مع المقاولين وغيرهم لبيان أهمية التدوير وقيمته الاقتصادية للدولة.

وقدرت اللجنة العليا للمشاريع والإرث أن المخلفات المرفوعة من ملاعب بطولة كأس العالم “فيفا” قطر 2022 تبلغ نحو ألفي طن أعيد تدوير 80% منها.

وفي هذا السياق، كشفت المديرة التنفيذية لإدارة الاستدامة باللجنة العليا للمشاريع والإرث المهندسة بدور المير في حديث خاص لوكالة الأنباء القطرية (قنا) أنه تم تحويل 54% من هذه الكمية إلى سماد عضوي، و22% لبلاستيك، و14% إلى ورق وكرتون، فيما بلغت نسبة الزجاج منها 8%، والمعادن والإلكترونيات 2%.

 

وأشارت المير إلى النجاح في إعادة تدوير 70 إلى 80% من المخلفات الإنشائية للملاعب، بالإضافة إلى استخدام 90% من مخلفات ملعب أحمد بن علي القديم في العمليات الإنشائية الجديدة للملعب.

وأضافت المهندسة المير “خلال التحضير للبطولة انتقل تركيزنا من مرحلة الإنشاء إلى التشغيل، ووضعنا نصب أعيننا هدفا جديدا، وهو تحويل 100% من النفايات الناتجة من المكبات إلى مواد جديدة متنوعة، وزيادة نسبة إعادة تدويرها”.

وأشارت دراسة وكالة “ترويج الاستثمار” إلى أن سوق إدارة النفايات في قطر تلقى الدعم من وجود منشآت لإدارتها، بالإضافة إلى التزام حكومي راسخ بإعادة التدوير بهدف تحفيز النمو الاقتصادي والحفاظ على رأس المال البيئي للدولة في آن واحد.

 

 

صناعة إدارة النفايات

وأشارت الدراسة إلى 4 عوامل تستند إليها صناعة إدارة النفايات في دولة قطر، تشمل إعادة التدوير، حيث يشجع البرنامج المتكامل لفرز وإعادة تدوير النفايات وإستراتيجية التنمية الوطنية الثانية في قطر على تبني تقنيات إعادة التدوير، بما يشمل استخدام نحو 20% من المواد المعاد تدويرها في مشاريع الإنشاءات.

وإلى جانب استخدام النفايات كوقود تولد قطر أكثر من 30 ميغاواتا من الكهرباء في مركز معالجة النفايات الصلبة المحلية.

 

وإضافة إلى عملية استرجاع المواد أوضحت الدراسة أن النفايات المنتجة في قطر تتضمن ما نسبته 5% من المعادن، وتشتمل على الحديد (70%)، والألمنيوم (30%).

وفي ما يتعلق بالشراكات -وهي أيضا من ركائز صناعة وإدارة النفايات- أشارت الدراسة إلى أن وزارة البلدية والبيئة أطلقت في السابق منصة استثمارية بعنوان “فرص”، لتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، واستغلال الفرص التي توفرها التكنولوجيا الإبداعية في هذا المجال، كما أطلقت هيئة الأشغال العامة (أشغال) أول مشروع مشترك بين القطاعين العام والخاص لمعالجة المياه المستعملة بقيمة تبلغ 1.5 مليار ريال.

دور القطاع الخاص

وينتظر أن يلعب القطاع الخاص دورا محوريا في تطوير الاقتصاد الدائري، ورأت الدراسة أنه يتوجب على المستثمرين والشركات لعب الدور الرئيسي المتمثل في توسيع هذه الصناعة، إذ سيولد توجيه الاستثمارات نحو قطاع إدارة النفايات المستدام تأثيرا مضاعفا يدعم تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وسيثمر ذلك مزايا اقتصادية عديدة، حيث ستشكل المخلفات الصناعية أكبر مصدر للإيرادات في سوق النفايات العالمية بنسبة 50%.

وفي هذا الجانب، دعا محمد أحمد العبيدلي رئيس لجنة البيئة والأمن الغذائي وعضو مجلس إدارة غرفة قطر -في تصريح للجزيرة نت- إلى تهيئة القطاع الخاص في هذا المجال وإدخال التكنولوجيا والعمالة الماهرة المؤهلة، ولا سيما أن قطر مقبلة على حركة سياحية كبيرة بعد تجربة المونديال، واقتصاد مفتوح، خاصة في ظل وجود بنية تحتية مكتملة وفي مثل هذه الظروف التي تساعد على نمو صناعة واقتصاديات التدوير.

محمد العبيدلي
العبيدلي يدعو إلى تهيئة القطاع الخاص في مجال الاستدامة (الجزيرة)

صناعات مهمة

ويدخل الاقتصاد الدائري في بعض الصناعات المهمة، ويشير العبيدلي إلى وجود العديد من المصانع التي تستثمر في هذا الاتجاه وتنتج البلاستيك وتعيد تدويره، وأيضا مخلفات النحاس وقصاصات الأسلاك والزجاج وورق الكرتون والتعبئة للمواد الغذائية، وتصنيع مخلفات إطارات السيارات، والتي يتم استخدامها في أرضيات الملاعب والطرق.

وأضاف أن صناعة التدوير تدعم الاقتصاد وتجعله قويا، من حيث المحافظة على المواد الأولية لإعادة تدويرها، وهي تمثل مخزنا للمواد الخام وحماية البيئة.

 

وذكر العبيدلي أن عملية تدوير الاقتصاد الدائري تعد إضافة حقيقية، حيث التخلص من جميع المخلفات، وهي كثيرة، مثل مخلفات المعادن والمنازل.

وقدم شرحا للمراحل الفنية التي يمر بها الاقتصاد الدائري، وقال إنها تشمل مرحلة التخلص من النفايات، والمرحلة اللاحقة وهي المرحلة الاقتصادية، وإعادة التدوير.

وأكد على “ضرورة الاهتمام بهذا الاتجاه حتى نصل إلى مراحل متقدمة اقتصاديا”.

وأضاف أن “المخلفات في قطر تم استخدامها في الزراعات التجميلية وإنتاج الأعلاف”، مشيرا في الوقت ذاته إلى “القيمة المضافة التي تحققها صناعة التدوير، حيث تدخل في الدورة الاقتصادية”.

نظرة الخبراء

وبالنسبة للدور الذي يمكن أن يلعبه الاقتصاد الدائري في السياسات الاقتصادية العامة، يقول الدكتور سيف الحجري الخبير في مجال الاقتصاد الدائري والبيئة -في تصريح للجزيرة نت- إن الاقتصاد الدائري يلعب دورا في إعادة السياسات الحكومية والمالية والاقتصادية إلى مسارها الداعم للبيئة، كما يسهم في فتح فرص اقتصادية واستثمارية أفضل للشركات، فضلا عن مزايا أخرى.

 

ويؤكد الحجري أن أهدافا عديدة يحققها الاقتصاد الدائري، أهمها خفض الإنفاق، وترشيد الاستهلاك، والحد من هدر المواد الخام، وإطلاق عمليات إعادة التدوير، والتصنيع والتطوير والاستخدام، والحفاظ على استخدام المنتجات والمعدات والبنية التحتية بشكل أمثل ولفترة أطول، مما يحسن إنتاجية الموارد، إضافة إلى أنه وسيلة مهمة لتشغيل الأيدي العاملة وانتعاش الزراعة والتجارة والنقل.

وبشأن تطور المفهوم المعاصر للاقتصاد الدائري وتطبيقاته العملية على النظم الاقتصادية، يرى الحجري أن الاقتصاد الدائري أكثر استدامة من النظام الاقتصادي النمطي الخطي، حيث يعتمد تقليل الموارد المستخدمة، والنفايات الناجمة عن الهدر، كما يعمل على سد الفجوة بين دورات الإنتاج.

دكتور سيف الحجري
سيف الحجري يؤكد أن الاقتصاد الدائري يحقق أهدافا عديدة أبرزها خفض الإنفاق وترشيد الاستهلاك (الجزيرة)

فرص واعدة

ومن المتوقع أن تبلغ كمية المخلفات السنوية نحو 3.4 مليارات طن على المستوى العالمي بحلول عام 2050، وهذا رقم مخيف بالفعل، لكنه يحمل في طياته فرصا واعدة للاستثمار المستدام في مجالات إدارة النفايات والتطور التكنولوجي في ظل اقتصاد دائري متقدم.

وبدأت دولة قطر كمركز واعد لإدارة النفايات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تنتج نحو 6% من مجمل نفايات العالم، وتتراوح فيها سبل التخلص منها بين المكبات العشوائية المفتوحة والمطامر وصولا إلى منشآت الفرز وإعادة التدوير.

وتتميز دول مجلس التعاون الخليجي -ومنها قطر- بكونها بين الأكثر حضرية في العالم، حيث يتركز 85% من السكان في المدن، ومن المنتظر أن ترتفع تلك النسبة إلى 90% بحلول عام 2050، وقد استثمرت قطر في سياق تخطيطها للاستدامة في بناء مدن ومناطق تتبنى النظام الدائري، مثل لوسيل، ومشيرب قلب الدوحة، بحسب دراسة وكالة ترويج الاستثمار.

المصدر : الجزيرة

About Post Author