بدأت عملية الاقتراع في تونس على مشروع الدستور الجديد الذي يمنح صلاحيات واسعة للرئيس قيس سعيد ويرى فيه منتقدوه تقويضا للديمقراطية التي انبثقت عن ثورة 2011، فيما يراه مناصرون تصحيحا لمسارها.
ويجري التصويت في ذكرى مرور عام على إجراءات سعيد بعد أن حل البرلمان المنتخب وأطاح بالحكومة وفرض حالة الطوارئ وبدأ الحكم بمراسيم.
وبدأ التصويت في الساعة السادسة صباحا بالتوقيت المحلي وينتهي عند العاشرة مساء (من 5 صباحا وحتى 9 مساء بتوقيت غرينتش) وهو أطول يوم انتخابي تشهده تونس.
ولم يتضح متى سيتم إعلان النتائج بعد انتهاء التصويت، لكن محللين يتوقعون التصويت بالموافقة مع إقبال منخفض بسبب عدم وجود حماس يذكر على ما يبدو للتصويت.
وبموجب قواعد سعيد للاستفتاء ليست هناك حاجة إلى حد أدنى من المشاركة لإقرار الدستور الجديد. وتشترط هذه القواعد فقط أن يدخل حيز التنفيذ بمجرد نشر النتائج النهائية ولا تذكر ما سيحدث إذا رفضه الناخبون.
وأشاد سعيد بخطواته باعتبارها أساسا لجمهورية تونسية جديدة لإعادة الثورة إلى مسارها وإنهاء سنوات من التصلب السياسي والركود الاقتصادي، بينما يتهمه خصومه بقيامه بانقلاب.
وعلى الرغم من إدانة معظم الأحزاب السياسية الرئيسية ومنظمات المجتمع المدني تقريبا نهجه الأحادي الجانب لإعادة كتابة الدستور وشرعية الاستفتاء، فقد فشلت في بناء جبهة موحدة.
وتجلى ذلك في الاحتجاجات ضد سعيد في الأيام الأخيرة، حيث شارك حزب النهضة الإسلامي، أكبر حزب في البرلمان، في احتجاج يوم السبت.
ونظمت مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب الصغيرة احتجاجا يوم الجمعة.
في المقابل، نظم حزب يؤيد الحكم المطلق الذي كان قائما قبل الثورة احتجاجات في كلا اليومين.
ولم تشارك في الاحتجاجات سوى أعداد قليلة ولكن التجمعات التي نظمها أنصار سعيد لم تشهد أيضا سوى حضور متواضع.
وما زال معظم التونسيين يركزون على الاقتصاد المتردي وارتفاع الأسعار.
ومن بين 3 انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية جرت مرتين منذ ثورة 2011 على الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بلغت أقل نسبة مشاركة 41% عام 2019 للمجلس الذي حله سعيد.
ويمكن أن تثير أي نسبة مشاركة أقل بكثير من هذا المعدل -اليوم الاثنين- المزيد من التساؤلات حول شرعية الدستور الجديد لسعيد ومشروعه لإعادة تشكيل السياسة التونسية.
ويشكّل الدستور الجديد المستفتى عليه قطيعة مع دستور الثورة الذي أقِرّ في 2014 وأسّس لنظام برلماني معدّل.
ويقر الدستور الجديد بشكل واضح النظام الرئاسي، ولم تعد فقط للرئيس فيه صلاحيات الدفاع والخارجية كما نص عليها دستور 2014، بل توسّعت لتشمل أبعد من ذلك اختصاصات تعيين الحكومة والقضاة وتقليص النفوذ السابق للبرلمان.
كما أصبح لرئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها باقتراح من رئيس الحكومة، كما يُخوّل له الدستور إقالتها دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.
كما أن للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة وتحديد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية “أولوية النظر” من جانب نواب البرلمان.
فضلاً عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين “مجلس نواب الشعب” الذي ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة 5 سنوات و”المجلس الوطني للجهات” ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة، على أن يصدر لاحقا قانون يحدد مهماته.
ويندرج إرساء هذا المجلس في إطار تصور الرئيس قيس سعيّد بلامركزية القرار وأن الحلول للمناطق المهمشة والتي تفتقد للتنمية يجب أن تُطرح من جانب الأهالي.
إضافة إلى ذلك، يقبل الرئيس استقالة الحكومة إثر تقديم لائحة لوم مُصادق عليها بغالبية الثلثين للمجلسين مجتمعين، وهذا من الصعب تحقيقه ويفسح له المجال ليكون المقرّر الأول لمصير أي حكومة.
ولم يتضمن الدستور بنودا لإقالة الرئيس، خلافا لما جاء في دستور عام 2014، وفي المقابل يمنح له الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.
ويعيّن الرئيس القضاة إثر تقديم ترشحاتهم من جانب المجلس الأعلى للقضاء، ما اعتبره قضاة “تدخلا في استقلال القضاء”.