إعدام السلطات الإيرانية لعلي أكبري نائب وزير الدفاع الأسبق صعّد من حدة الخلاف مع بريطانيا التي يحمل جنسيتها واتهم بالتخابر لصالحها (رويترز)

إعدام السلطات الإيرانية لعلي أكبري نائب وزير الدفاع الأسبق صعّد من حدة الخلاف مع بريطانيا التي يحمل جنسيتها واتهم بالتخابر لصالحها (رويترز)

طهران- شكّل التوتر سمة بارزة في العلاقات الإيرانية البريطانية طوال العقود الأربعة الماضية. وبالرغم من مرورها بمحطات شد وجذب كثيرة وبلوغها القطيعة عدة مرات، فإن الجانبين حرصا على إبقاء “شعرة معاوية” بينهما.

وبينما تمثل الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر” بوصف الجمهورية الإسلامية، فإن بريطانيا تعتبر “الشيطان الأصغر” بالنسبة للثوريين الإيرانيين الذين دأبوا على استخدام مصطلح “الثعلب العجوز” للإشارة إلى السياسات البريطانية أيضا.

 

وفي أحدث محطة للتوتر، جاء تنفيذ السلطة القضائية الإيرانية حكم إعدام علي رضا أكبري نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق، والذي يحمل الجنسيتين الإيرانية والبريطانية، بتهمة التجسس لمصلحة الأخيرة، ليعكر صفو العلاقات بينهما من جديد.

Britain's Foreign Secretary James Cleverly attends a press conference after the first UK-Germany Strategic Dialogue meeting, in London
وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي قال إن بلاده فرضت عقوبات على المدعي العام الإيراني وسحبت سفيرها من طهران (رويترز)

اتهامات واستدعاءات

وبمرور ساعات قليلة بعد إعدام أكبري، احتدم تراشق الاتهامات بين الجانبين؛ إذ استدعت طهران السفير البريطاني لديها سايمون شركليف، للاحتجاج على ما أسمته “التدخلات غير المتعارف عليها للمملكة المتحدة”. في حين وصفت لندن إعدام أكبري بأنه “همجي” وتوعّدت بأنه “لن يمر من دون عقاب”.

وفي السياق، قال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، إن بلاده فرضت عقوبات على المدعي العام الإيراني، كما قامت لندن باستدعاء القائم بالأعمال الإيراني، إلى جانب سحب سفيرها من إيران للتشاور.

ولم يقتصر التنديد بإعدام أكبري على لندن، بل أدانت عدة دول أوروبية إلى جانب الولايات المتحدة تنفيذ السلطات الإيرانية حكم الإعدام، كما نددت منظمة العفو الدولية بالهجوم “الشنيع على الحق في الحياة”.

ويرى مراقبون إيرانيون في التوتر الجديد حلقة أخيرة من مسلسل طال علاقات طهران مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) إثر توقف المفاوضات النووية وبعد تزويد طهران الجانب الروسي بعدد من المسيّرات، وأنه يأتي متجانسا مع الرؤية الأميركية التي أعلنت بأن المفاوضات الرامية إلى إنقاذ الاتفاق النووي لم تدرج ضمن أولوياتها بعد.

وكر تجسسي

وعلى ضوء الدعوات التي تطلقها المعارضة الإيرانية في الخارج بسحب السفراء الأوروبيين من طهران، وصف عضو مجلس الإعلام الحكومي الإيراني عبد الله كنجي، مقر السفارة البريطانية في طهران بأنه “وكر تجسّسي” وطالب “أتباع حزب الله” في بلاده بتحويله إلی نسخة مماثلة للسفارة الأميركية.

وأعادت تغريدة كنجي على تويتر إلى الأذهان مشاهد اقتحام أعداد من الإيرانيين مقر السفارة البريطانية في طهران وحرق العلم البريطاني في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 احتجاجا على فرض لندن عقوبات على بلادهم بسبب برنامجها النووي، مما أدى حينها إلى إغلاق لندن مقر سفارتها وإجلاء العاملين فيها، كما طردت جميع العاملين في السفارة الإيرانية لديها.

وقبل أيام، تداول ناشطون إيرانيون على منصات الاجتماعي صورا تظهر شعارات خطّها موالون للسلطات الإيرانية على جدران السفارات الأوروبية لا سيما مقر البعثات الدبلوماسية لكل من فرنسا وبريطانيا في طهران.

ويتهم الإيرانيون، الجانب البريطاني بالتآمر تاريخيا ضد مصالح الشعب الإيراني، لا سيما الدور الذي لعبه في الإطاحة بحكومة محمد مصدق وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي إلى الحكم عام 1953 وعرقلة تأميم صناعة النفط في البلاد.

مطهرنيا يستبعد تأثر العلاقلات الإيرانية الروسية خلال الفترة المقبلة (الصحافة الإيرانية)
مطهر نيا انتقد دعوات التصعيد ويقول إنها تتناقض مع المصالح الوطنية لإيران وخاصة في الملف النووي (الصحافة الإيرانية)

توتر متصاعد

من جانبه، انتقد الباحث الإستراتيجي مهدي مطهر نيا، دعوات مثل سحب السفراء التي قال إنها تتناقض والمصالح الوطنية، مؤكدا أن التوتر الأخير سيزيد الضغوط الغربية على طهران، فضلا عن القضاء على الاتفاق النووي نهائيا.

ولدى إشارته إلى التقارير الإعلامية بشأن “عزم المملكة المتحدة مراجعة موقفها من الاتفاق النووي خلال الفترة المقبلة”، رجح الباحث الإيراني في حديثه للجزيرة نت أن يشكل الملف الإيراني العمود الفقري للمحادثات التي سيجريها وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي في زيارته المقررة إلى واشنطن الاثنين.

 

واستبعد مطهر نيا أن يبلغ التحرك الأوروبي ضد طهران القطيعة الدبلوماسية، موضحا أن حضور البعثات الدبلوماسية يسهم في استمرارية دور الرقابة في الدول الأخرى.

التوتر الأخير أعاد إلى الأذهان حادثة مهاجمة إيرانيين مقر السفارة البريطانية في طهران عام 2011 بعد فرض حكومتها عقوبات على إيران (رويترز)

هجوم مضاد

في المقابل، تعتقد شريحة من الإيرانيين بضرورة عدم المساومة بشأن الأمن الوطني، وترى في ملف “الجاسوس الخارق” فرصة ثمينة لقلب السحر على الساحر، وتطالب الحكومة الإيرانية باستغلال المعلومات المزورة التي سربتها الأجهزة الأمنية إلى بريطانيا عبر أكبري.

في غضون ذلك، يرى السفير الإيراني الأسبق في ليبيا جعفر قناد باشي، أن الدول الغربية بدأت بزيادة الضغوط على طهران منذ أشهر بسبب مستجدات الملف النووي والمسيّرات الإيرانية لدى روسيا وأنها ماضية بالتحرك ضد طهران، مستغربا عدم تكذيب الجانب البريطاني توظيفه أكبري جاسوسا.

وفي حديثه للجزيرة نت، توقع قناد باشي أن يصبح التوتر سيد الموقف خلال الفترة المقبلة في العلاقات الإيرانية الأوروبية، مؤكدا أن بلاده لا تعترف بازدواجية الجنسية وأنها تحاكم مواطنيها وفق القانون الإيراني.

من ناحيته، كشف حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المقربة من مكتب المرشد الإيراني، عن معلومات هائلة حصلت عليها طهران خلال التحقيقات التي أجرتها مع الجاسوس، مؤكدا أن أجهزة بلاده قامت بتسريب معلومات مضللة إلى “العدو”.

وفي تعليق نشره في الصفحة الأولى من صحيفة “كيهان”، زعم شريعمتداري أن الاستخبارات البريطانية تكبّدت خسائر كبيرة جراء العمليات التي خططت لتنفيذها بناء على المعلومات التي حصلت عليها عبر أكبري.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author