الجمهوريون يبدؤون تحقيقا حول فوضى الانسحاب الأميركي من أفغانستان
واشنطن– بعد أكثر من عام ونصف العام على الانسحاب الأميركي من أفغانستان، بدأت الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب الأميركي تنفيذ تعهداتها وفتح تحقيقات من شأنها شلّ إدارة الرئيس جو بايدن خلال عامي 2023 و2024.
وكان الجمهوريون قد تعهدوا بعد سيطرتهم على مجلس النواب في الانتخابات النصفية لعام 2022 بمحاسبة إدارة بايدن على تداعيات الانسحاب الفوضوي لجميع القوات الأميركية من أفغانستان صيف 2021.
وشهدت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب -أمس الأربعاء- جلسة استماع ركزت على ما حدث قبل وبعد إنهاء الولايات المتحدة حربها في أفغانستان، التي استمرت أكثر من 20 عاما، ولم تحقق فيها الانتصار.
وأعلن رئيس اللجنة مايك ماكول، النائب الجمهوري من ولاية تكساس، وهو ناقد مستمر وصريح لقرار سحب جميع القوات الأميركية، أن ما حدث في أفغانستان يعد “فشلا مذهلا في القيادة من إدارة بايدن”.
إلا أن الأعضاء الديمقراطيين باللجنة قالوا إن السياسة التي نفذتها إدارة بايدن في النهاية كانت نتاجا لسياسات إدارات متعددة سابقة، كما سارعوا للإشارة إلى أن الرئيس السابق دونالد ترامب كان قد حدد موعد الانسحاب عندما تفاوض على إطار سحب القوات الأميركية مع قادة طالبان قبل أشهر من وصول بايدن للحكم.
واعترف النائب الديمقراطي من نيويورك غريغوري ميكس “بالأخطاء على طول الطريق”، لكنه أكد أن بايدن “اتخذ القرار الصحيح بإعادة جميع قواتنا إلى الوطن، لأنني لا أستطيع -بضمير مرتاح- تخيل إرسال مزيد من الأميركيين للقتال في أفغانستان، ونتيجة لذلك (قرار بايدن)، لم نعد نفقد أرواحا أميركية وننفق عشرات المليارات من الدولارات سنويا في خوض حرب لا نهاية لها في الأفق”.
غزو استمر 20 عاما
وبعد 20 عاما من احتلالها، أدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى تراجع كبير لصورة أميركا العالمية، وترك تأثيرات سلبية على مصداقيتها بين حلفائها العسكريين، إذ قُتل خلال هذين العقدين ما يقرب من 6100 أميركي وأصيب عشرات الألاف، إضافة لتكلفة مالية قدرها برنامج “تكلفة الحرب في جامعة براون” بما يزيد على 2.1 تريليون دولار.
كما تسببت فوضى الانسحاب في مقتل 13 جنديا أميركيا كانوا يقومون بمهام حراسة في مطار كابل، ويُعتقد أن إدارة بايدن تركت الجيش الأفغاني رهينة في يد حركة طالبان، وهو ما سمح لها بالسيطرة عليه وعلى معداته العسكرية الأميركية.
ويتهم الجمهوريون بايدن بالمسؤولية عن التراجع في مجال حقوق المرأة بأفغانستان، بعد منع حكومة طالبان الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية والجامعات، واستبعادهن من معظم المهن. ويؤمن الجمهوريون بأن سياسة بايدن تجاه أفغانستان أضرّت بالأمن القومي للولايات المتحدة.
شهادات مؤثرة
تضمنت أول جلسة حول أفغانستان الاستماع إلى شهادة “عاطفية” من جندي من مشاة البحرية (المارينز) ممن أصيبوا في التفجير الذي وقع عند بوابة مطار حامد كرزاي الدولي في كابل، كما استمع المشرعون إلى مسعف شاب في الجيش لا تزال تطارده صور محاولته إنقاذ زملائه الجنود الذين قتلوا خلال ذلك الهجوم، كما عبّر قدامى المحاربين عن إحباطهم من افتقار الحكومة الأميركية للتخطيط واستمرار المشاكل في أثناء محاولتهم معالجة تأشيرات السفر للأفغان ممن عملوا مع القوات الأميركية.
من جانبه، تحدث رئيس جمعية قدامى المحاربين في أفغانستان، المقدم المتقاعد ديفيد سكوت مان، لافتا إلى أن تجارب المترجمين والمقاتلين الأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية كانت مؤلمة، إذ تم ترك الآلاف منهم فريسة سهلة لطالبان، كما تحدث عن الضغوط النفسية التي تعرض لها المقاتلون العائدون من أفغانستان، وهو ما أدى إلى انتحار كثير منهم.
في حين قال يتر لوسييه للجنة (وهو محارب قديم آخر يدافع عن منظمات الإغاثة) إن سنوات من الإهمال خلقت أزمة إنسانية، مشيرا إلى أن “الإخفاقات التي أدت إلى هذه النقطة تتقاسمها 4 إدارات أميركية والكونغرس و320 مليون أميركي، كانت هذه حربنا جميعا”.
استمرار التحقيقات
يتفق الجمهوريون والديمقراطيون إلى حد كبير على أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية مساعدة أي حلفاء أفغان متبقين داخل أفغانستان على الخروج من بلادهم، وأن عملية منح تأشيرات الهجرة الخاصة بهم أخفقت وتحتاج إلى تقييم وإصلاح. أما عن المواطنين الأفغان الذين ما زالوا يحاولون مغادرة البلاد، فقال ماكول للشهود “نحن بحاجة إلى إخراجهم من الجحيم من هناك”.
ورغم هذه النقاشات، فإن الجلسة تحولت في بعض الأحيان إلى سجال سياسي، إذ جادل عديد من الجمهوريين بأن بايدن فشل في تحمل المسؤولية الشخصية عن مقتل هؤلاء الجنود، بسبب أن إدارته تفتقر إلى خطة وفشلت في التواصل مع الكونغرس.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قال للصحفيين، بعد وقت قصير من الهجوم الذي استهدف مطار حامد كرزاي خلال الانسحاب الأميركي، “أتحمل المسؤولية الأساسية عن كل ما حدث مؤخرا”، لكنه أضاف “أنتم تعرفون -كما أعرف- أن الرئيس السابق أبرم صفقة مع طالبان”.
أما عضو اللجنة النائبة سوزان وايلد، وهي ديمقراطية من ولاية بنسلفانيا، فقد أشارت إلى أنها بصفتها ديمقراطية، كانت تنتقد ذلك الانسحاب عام 2021، غير أنها عادت لتؤكد تأييدها لسياسة بلادها للخروج من أفغانستان، وقالت إن هناك عقدين من الفشل الاستخباراتي وإن الحلفاء والشعب الأميركي بحاجة إلى “إجابات حقيقية حول الحروب الأبدية”.
وبالعودة إلى ماكول، فقد قال إن جلسة أمس الأربعاء كانت الأولى بشأن هذا الموضوع، وأراد أن يسمع أولا من أولئك الذين خدموا وأولئك الذين عملوا بلا كلل لإجلاء الحلفاء، كما تعهد بدعوة كبار مسؤولي البنتاغون وغيرهم من المسؤولين في الإدارة للمثول أمام اللجنة.