طهران- بعد مرور 5 أعوام على آخر صلاة جمعة أمّها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي في يناير/كانون الثاني 2020، عقب هجوم بلاده الصاروخي على قاعدة “عين الأسد” التي تؤوي جنودا أميركيين في العراق، عاد به الهجوم الصاروخي على إسرائيل إلى المنبر ذاته.
وإن كان اغتيال القائد السابق لفيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني في غارة أميركية السبب وراء ذلك الهجوم، فإن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية يوم 31 تموز/يوليو الماضي، في قلب طهران، قد وضع الهجوم الأخير على جدول أعمال القوات المسلحة الإيرانية هذه المرة.
بيد أن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة إسرائيلية يوم الجمعة الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت قد سرّع في تنفيذ العملية الصاروخية التي سمتها إيران “الوعد الصادق 2” التي تأتي بعد مضي نحو 5 أشهر على عملية “الوعد الصادق 1” التي جاءت ردا على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، مطلع أبريل/نيسان الماضي.
وعلى وقع الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة على لبنان تارة وعلى سوريا واليمن تارة أخرى، ورغم تهديد تل أبيب بمهاجمة أهداف على الأراضي الإيرانية، حضر خامنئي قبل نحو نصف ساعة من أذان الظهر، وشارك في مراسم تأبين نصر الله، وخلال خطبته خص الشعبين الفلسطيني واللبناني بخطاب ألقاه باللغة العربية، في سابقة تعتبر الثانية بعد كلمته التي وجهها للشعوب العربية عام 2011 إبان تطورات الربيع العربي.
رسائل داخلية وخارجية
يفسر أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة طهران، كيومرث يزدان بناه، إلقاء المرشد الإيراني خطبته باللغتين الفارسية والعربية بأهمية الرسائل الموجهة إلى داخل بلاده وخارجها، مؤكدا أن أهمية خطبة الجمعة اليوم تعود إلى التطورات الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير يزدان بناه إلى أن “كلمة المرشد جاءت في خضم التصعيد الإسرائيلي على عدد من الدول الإسلامية وتهديد الجمهورية الإسلامية، وعقب الهجوم الصاروخي الإيراني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن هذه التطورات تزامنت عشية الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى، والتطورات التي أعقبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي”.
وبرأي الأكاديمي الإيراني، فإنه على الرغم من أن كلمة خامنئي كانت موجهة بالأساس إلى الشعبين الفلسطيني واللبناني، فإنه خاطب شعبه بالخطبة الأولى، مبينا له خطورة التطورات الإقليمية، والتهديد المحدق بالأمن القومي من جهة وبالأمة الإسلامية من جهة أخرى، مضيفا أن القيادة الإيرانية قد بينت لشعبها سبب انخراطها في التطورات الأخيرة وعدم تجاهلها ما يحدث في المنطقة.
وفضلا عن دعوته الجماهير الإيرانية إلى وحدة الصف والتضامن مع المناضلين الذين يدافعون عن مقدسات الأمة الإسلامية، يوضح يزدان بناه أن المرشد أشاد بصلابة القوات المسلحة الإيرانية في مهاجمة إسرائيل، وحثهم على “الاستبسال أكثر فأكثر في الدفاع عن السيادة الإيرانية، ورد الصاع صاعين علی كل يد تتطاول على الأمن الوطني”.
وتابع أن خامنئي رسم صورة واضحة لشعبه حول العدو المشترك للأمة الإسلامية بقوله إن “عدو الشعب الإيراني هو العدو نفسه الذي يعادي الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين وغيرهم من شعوب المنطقة”، وإنه لا بد من تحرك جماعي لكبح جماح هذا العدو، وإن مصير الجمهورية الإسلامية مرتبط إلى حد بعيد بمصير تلك الشعوب في المنطقة.
وأضاف يزدان بناه أن المرشد الإيراني بعث رسالة دعم وقوة وأمل لفصائل المقاومة في المنطقة، مذكّرا إياها بالتجربة الإيرانية، حيث فقدت الجمهورية الإسلامية عقب انتصار ثورتها العديد من قادتها وعلمائها جراء الاغتيالات، وأكد لهم أن الاغتيالات الإسرائيلية لن تفلح في القضاء على مسيرة المقاومة، وأن الجنون الصهيوني لن ينتصر على حزب الله وحماس، بل سيفضي إلى تلاحم الشعوب، ويقربها من النصر النهائي.
ورأى الأكاديمي الإيراني أن قرار خامنئي مخاطبة شعوب المنطقة لا سيما الشعبين الفلسطيني واللبناني بلغتهم الأم يقضي على كل عنصر من شأنه أن يحول دون فهم الرسائل الموجهة إليهما، مؤكدا أن كلام المرشد أن “إيران ستقوم بما هو ضروري بقوة وحزم، ولن تتهاون ولن تندفع” يرسل رسالة دعم مبطنة للمقاومة حول وقوف طهران إلى جانبها، وأنها لن تتحرك وفق ما تريده إسرائيل.
وخلص إلى أنه فضلا عن الرسائل الردعية التي وجهها خامنئي إلى إسرائيل حول استعداد الجمهورية الإسلامية للدفاع عن نفسها ومصالح شعبها، فإنه بعث رسائل واضحة إلى الدول الغربية وداعمي تل أبيب، وحاول تعرية سياساتهم الخبيثة حيال شعوب الشرق الأوسط.
حرب نفسية
ويقرأ السفير الإيراني الأسبق في لبنان والأردن أحمد دستمالجيان كلمة المرشد في سياق ما اعتبره “خارطة طريق” رسمها للمرحلة المقبلة ومستقبل المواجهة مع إسرائيل، موضحا أن “خامنئي تحدى بالفعل الكيان الصهيوني الذي دأب على اغتيال قادة المقاومة خلال الفترة السابقة، من خلال حضوره العلني وبرفقة غالبية المسؤولين الإيرانيين”.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر دستمالجيان حضور رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورئيس السلطة القضائية غلام حسين إجئي صلاة الجمعة اليوم على وقع التهديدات بشن الكيان الإسرائيلي هجوما على بلاده “مؤشرا على شجاعة القيادة الإيرانية وثقتهم العمياء بقواتهم المسلحة”.
وأضاف أن غياب شخصيات عسكرية وازنة عن خطبة الجمعة ومراسم تأبين حسن نصر الله، كرئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري، والقائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي، وقائد القوة الجوية في الحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زاده، يدل على أن القوات المسلحة الإيرانية على أهبة الاستعداد للرد سريعا على أي مغامرة إسرائيلية.
ورأى الدبلوماسي الإيراني السابق أنه فضلا عن “الحرب النفسية التي شنها المرشد الإيراني، من خلال مواقفه في خطبة الجمعة ضد المحور الصهيوأميركي، فإن سلوكه ترجم لغة التحدي التي وردت في خطابه”.
ووضح أن خامنئي دأب خلال العقود الأخيرة على مغادرة المكان سريعا بعد أن يلقي الخطبتين ويؤم الجمعة، ليؤم رجل آخر صلاة العصر، بينما حرص اليوم على إطالة فترة الحضور تحت السماء مباشرة، وأن يؤم صلاة العصر بنفسه، “حتى لا يترك مجالا للعدو لشن حرب نفسية ضد المناضلين والمقاومين”.
وختم دستمالجيان بالقول إن المرشد الإيراني الأعلى كان دقيقا حتى في اختياره الكلمات، فهو عبر عن حزب الله تحت عنوان “الشجرة الطيبة”، وأبى أن يذكر اسم إسرائيل، وعبر عنها كونها “الشجرة الخبيثة”، وأكد أن “شعوب المنطقة ومقاومتها هي التي ترسم مستقبل الشرق الأوسط، ولا دور لكيان الاحتلال فيها”.