يقول الكاتب الأميركي روس داوثات في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية (New York Times) إن حرب أميركا على العراق كارثة تاريخية على أميركا أكبر من كارثة فيتنام. وشبّه تأثير حرب فيتنام على الحياة الداخلية في الولايات المتحدة بأنها مثل الحمى بينما تأثير الحرب العراقية مثل مرض الهزال أو المرض المنتكس.
ولفت الكاتب الانتباه إلى أنه يقارن حرب فيتنام في الذكرى الـ 20 لها (أي في عام 1985) مع حرب العراق في الذكرى الـ 20 لها (2023)، قائلا إن هذا يجعل المقارنة أكثر منطقا ومعقولية، لأنه بعد 20 عاما يمكن أن يتبين أي القرارين في شن الحرب كان الأسوأ في السياسة الخارجية.
وقال في مستهل المقارنة إن حرب فيتنام كانت سيئة لكنها لم تكن محددة للعصر مثل الحرب على العراق، وكانت مبددة للدماء والأموال والمصداقية الأخلاقية، لكن تكلفتها الإستراتيجية الشاملة لم تكن باهظة مثل الحرب على العراق.
واستمر داوثات يقول إن تأثير الحرب على العراق تغلغل داخل أزمات اجتماعية أخرى، مثل وباء المواد الأفيونية، التي أصبحت أكثر وضوحا وتدميرا بمرور الوقت، مشيرا إلى أن آثار تلك الحرب جعلت الجسم السياسي الأميركي أكثر عرضة للتطرف اليساري والديماغوجية اليمينية، بينما ساهمت في ظهور مزاج مستمر من التشاؤم وخيبة الأمل المتفاقمتين باستمرار.
وأضاف أن المؤسسات الليبرالية انجذبت إلى اليسار منذ عام 2004، عندما فقد المحافظون الجدد على وجه التحديد والمؤسسة الجمهورية بشكل عام مصداقيتهما، ولم يتمكن أحد من الحفاظ على ثقل موازن ناجح لمختلف أشكال الشعبوية اليمينية وحزب الشاي وترامب، التي جعلت الجمهوريين غير قادرين على الحكم.
وبالنسبة لتأثير حرب العراق على الموقف العالمي لأميركا، يقول داوثات إن هذا التأثير يستمر في التعقيد والتراكم. فقد أصبحت واشنطن مقيّدة خلال السنوات الحرجة لإعادة الاصطفاف الجيوسياسي العالمي، مما جعل من الصعب عليها حتى التفكير، ناهيك عن التأقلم مع إحياء القوة الروسية وصعود الصين إلى مكانة القوة العظمى.
وقال إن تأثير هزيمة أميركا الأخيرة في أفغانستان على قرار روسيا بالهجوم على أوكرانيا شبه مؤكد، وإن ذلك التأثير مجرد حلقة واحدة في سلسلة طويلة من العواقب التي أحدثتها حرب العراق، وكذلك الموقف الأميركي “العدواني الجديد والخطر” تجاه الصين الذي يحاول اللحاق بالتحولات التي كان ينبغي أن تكون أميركا أكثر انسجاما معها قبل عقد من الزمان.
ومضى يقول إن حرب أميركا على العراق أثرت على مواقف الدول النامية تجاه الولايات المتحدة، حيث أظهرتها قوة مهيمنة أقل جدارة بالثقة، ومتهورة أكثر من كونها ثابتة وموثوقة، ثم الطريقة التي ساهمت بها حرب العراق في الانقسامات الداخلية جعلت الثقافة الأميركية تبدو أقل إثارة للإعجاب والمشروع الليبرالي الديمقراطي الأوسع يبدو أقل حتمية، ولذلك لم يتم دفع روسيا والصين فقط، بل مراكز القوى الأخرى، من الهند إلى تركيا، نحو مسارات ما بعد أميركا وما بعد الغرب من خلال كل ما أعقب ذلك.
وختم داوثات بأنه بعد 20 عاما من حرب فيتنام تمكنت أميركا من فصل الصين عن روسيا واقتربت من سقوط جدار برلين، واليوم، تجد نفسها أمام تزايد النفوذ الصيني، وأمام تحالف روسي-صيني معاد لها، ويبدو أن إمبراطوريتها في طريقها للغروب.