على مدى السنوات الماضية، أصبح “الصيام المتقطع” (intermittent fasting IF) أحد أشهر أنظمة الحمية الغذائية، بسبب وعوده بالتحكم في الوزن.
ويُعرّف الدكتور مارك هايمان -مدير مركز كليفلاند كلينك للطب الوظيفي ومؤلف كتب الطبخ الأكثر مبيعا- الصيام المتقطع بأنه “عدم أكل أي شيء” باتباع نظام من 3 أنظمة؛ الأول هو نظام الطعام المُقيَّد بالوقت، 8-16، ويعني الأكل خلال 8 ساعات بالنهار، ثم الصيام لنحو 16 ساعة، قبل تناول الطعام مرة أخرى، وهو أكثر أنواع الصيام المتقطع شيوعا.
أما الثاني، فهو صيام يوم بالتناوب مع يوم آخر، يُستهلك فيه 500 سعر حراري في وجبة واحدة. وأخيرا الثالث، وهو نظام 5-2، ويتضمن 5 أيام أكل، ثم تناول حوالي 25% فقط من السعرات الحرارية المطلوبة في اليومين الباقيين من الأسبوع.
لكن المثير في الأمر أن مراجعة -أجريت عام 2019- على 9 دراسات من أصل 11 دراسة، “لم تُظهر أي اختلافات بين هذه الأنظمة الثلاثة، من حيث خسارة الوزن، أو فقدان الدهون في الجسم”، وذلك بالتزامن مع دراسة نُشرت في الفترة نفسها، وأشارت إلى أن “الصيام المتقطع ليس أفضل من الحمية الغذائية المنتظمة”.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) الأميركية نتائج دراسة صينية حديثة نسفت كون نظام “الأكل المقيّد بالوقت” ركنا أساسيا من أركان حمية الصيام المتقطع، معتبرة أنه “لا يقدم أي فائدة”.
لا توجد فروق ذات قيمة
يعد الأكل المُقيَّد بالوقت فكرة جذابة لإنقاص الوزن، تعتمد على التقليل من تناول الطعام لمدة 6 إلى 8 ساعات كل يوم، وفقا لجدول زمني مُحدد. وأشارت دراسات أُجريت على الفئران، أو دراسات صغيرة أجريت على أشخاص مصابين بالسمنة (بعض الدراسات شارك فيها 11 شخصا، واستغرقت 4 أيام)، إلى أن هذه الطريقة “قد تساعد في إنقاص أرطال من الوزن”.
حتى جاءت هذه الدراسة “الصارمة” -على حد وصف الكاتبة غينا كولاتا– التي أجراها باحثون في جامعة “ساوثرن ميديكال” الصينية، وشارك فيها على مدى عام 139 شخصا من الجنسين يعانون من السمنة؛ إذ طُلب من مجموعة منهم أن تحد من تناول طعامها اليومي إلى 1500-1800 سعر حراري يوميا للرجال، و1200-1500 سعر حراري يوميا للنساء. وتم إخبار الرجال والنساء في المجموعة الثانية باستهلاك الكمية نفسها من السعرات الحرارية، ولكن بشرط “تناول الطعام فقط بين الساعة 8 صباحا، والساعة 4 مساء”.
ولضمان دقة الالتزام، طُلب من المشاركين في الدراسة الاحتفاظ بسجلات مدونة للطعام، وتصوير جميع الأطعمة التي تناولوها.
وفي نهاية العام، لم يجد الباحثون أي فروق كبيرة بين المجموعتين، سواء لدى الأشخاص الذين اتبعوا نظام “الأكل المُقيَّد بالوقت” منخفض السعرات الحرارية، بين الساعة 8 صباحا و4 مساء، أو الذين تناولوا السعرات الحرارية نفسها في أي وقت خلال اليوم.
فقد كان متوسط الوزن المفقود في الحالتين من 14 إلى 18 رطلا (من 6.35 إلى 8.20 كيلوغرامات)؛ ولم توجد فروق ذات قيمة إحصائية ملموسة في قياسات محيط الخصر ودهون الجسم وكتلة الجسم، كما لم يجد العلماء أي اختلافات في عوامل الخطر، مثل مستويات الغلوكوز في الدم، أو الحساسية للأنسولين، أو دهون الدم، أو ضغط الدم.
لا فائدة من نظام الأكل المُقيَّد بالوقت
تخبرنا كولاتا أن هذه الدراسة الجديدة لم تكن الأولى التي تُفند حمية الأكل المُقيَّد بالوقت، لكن الدراسات التي سبقتها كانت غالبا ذات نطاق أصغر، أو مدة أقصر.
فقد قاد الدكتور إيثان وايس، باحث النظام الغذائي في جامعة كاليفورنيا، فريقا من الباحثين أجرى دراسة -نُشرت أواخر عام 2020- طُلب فيها من بعض المشاركين البالغ عددهم 116 شخصا، تناول 3 وجبات يوميا، مع وجبات خفيفة إذا شعروا بالجوع، بينما طُلب من الباقين تناول ما يريدون، ولكن في وقت مقيد بين الظهر والساعة 8 مساء. وأظهرت الدراسة أن المشاركين فقدوا كمية صغيرة من الوزن، بمتوسط رطلين (900 غرام) في مجموعة الأكل المُقيَّد بوقت، و1.5 رطل (680 غراما) في المجموعة الأخرى، وهو فرق لم يكن ذا دلالة إحصائية.
و ذكر وايس -لصحيفة نيويورك تايمز- أنه لم يستطع تصديق النتائج، وطلب من فريقه إعادة تحليل البيانات 4 مرات، “حتى أخبروه أن المزيد من التكرار لم يغير النتائج”؛ وأضاف أن “نتائج الدراسة الجديدة عززت اقتناعه بأن الأكل المُقيَّد بالوقت لا يقدم أي فائدة”. فما توصلت إليه هذه الدراسة التي استمرت 12 أسبوعا، هو ما أكدته هذه الدراسة التي استمرت عاما كاملا من “دون أن تعثر على فائدة في تناول الطعام المُقيَّد بالوقت”.
وهو ما سبقته إليه الخبيرة راشيل كلاركسون -عندما قالت لموقع “بي بي سي” (BBC) مطلع هذا العام- “قد لا يكون الصيام المتقطع هو الطريقة الصحيحة للأشخاص الذين يسعون لفقدان الوزن”.
وأيدتها كورتني بيترسون، الباحثة في الأكل المقيَّد بالوقت، بقولها لنيويورك تايمز “ليست لدينا إجابة واضحة حتى الآن، حول ما إذا كانت هذه الإستراتيجية تساعد الناس على إنقاص الوزن”.
مخاطر يجب الانتباه لها
في عام 2020، أجرى موقع “هارفارد هيلث” (harvard health)، تقييما مبدئيا للآثار الجانبية لحمية الصيام المتقطع، وأوصى بمناقشتها مع الطبيب قبل الشروع فيه؛ إذ قد يُسبب الصداع والخمول وعدم التركيز والإمساك، بالإضافة إلى الإفراط في تناول الطعام، تحت ضغط هرمونات الشهية ومركز الجوع في الدماغ، التي تنشط بشكل مفرط عندما نُحرم من الطعام.
كما قد يتسبب في فقدان كبار السن لكثير من الوزن، مما يؤثر على العظام والطاقة وجهاز المناعة، وقد يشكل خطورة على الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري، أو يتناولون أدوية لضغط الدم.