جبال الأنقاض وقضبان الحديد الملتوية موات على نطاق لا يمكن تصوره، شعور بالحزن والأسى، وارتياح بين من حالفهم الحظ فلم يفقدوا ولا ماتوا.. لكن ما الذي يتبقى بعد كارثة طبيعية قوية لدرجة أنها تهدد كيان مجتمع ما؟ وما تداعيات مثل هذه الكوارث حتى بعد أكثر من عقد من الزمان من وقوعها كما الحال في اليابان؟ وما العبر من ذلك لكل من تركيا وسوريا بعد أن ضربهما زلزال شديد؟

تساؤلات حاول الكاتب في وكالة “أسوشيتد برس” (Associated Press) فوستر كلوغ إعطاء إجابات مختصرة عنها مقارنا بين ما حلّ الآن بتركيا وسوريا وبين الكارثة الثلاثية التي ضربت شمال اليابان في 2011 عندما اهتزت الأرض وضربت أمواج مد عاتية اليابسة وانصهر قلب إحدى المحطات النووية مفاقما وضعا كارثيا أصلا.

 

وقال كلوغ، وهو مدير مكتب الوكالة في اليابان وأستراليا والكوريتين وجنوب المحيط الهادي، إن ما عاشته اليابان إثر تلك الكارثة يعطي مؤشرات على ما يمكن أن تواجهه تركيا وسوريا في السنوات المقبلة، إذ إن ثمة تشابها كبيرا بين الكارثتين من حيث فداحة الصدمة النفسية الجماعية وفقدان الأرواح والدمار المادي، وإن كان حجم الكارثة الجديدة أكبر بكثير حتى الآن رغم أن الحقيقة الكاملة لم تتكشف بعد.

 

وبعد وصف الكاتب لما أظهرته الكاميرات اليابانية من هول الكارثة، قال إن كثيرين تساءلوا عما إذا كانت المنطقة ستعود إلى ما كانت عليه من قبل.

وهنا يقول كوغ في تقريره إن الدرس الكبير من اليابان هو أن كارثة بهذا الحجم لا تنتهي أبدًا، وهو درس، حسب قوله، تعرفه تركيا جيدًّا من زلزال عام 1999 في شمال غربي البلاد الذي أودى بحياة نحو 18 ألف شخص.

ويصرّ الكاتب على أن ثمة أشياء لن تعود أبدا منها الإحساس بالمكان إذ لم تعد توهوكو، منذ كارثتها تلك، المنطقة الممتلئة بالمدن والقرى الصغيرة المحاطة بالمزارع والتي تعجّ بأساطيل قوارب الصيد، بل لم تعد كما كانت في السابق، أحد أروع وأجمل السواحل في اليابان.

وما هو ماثل الآن رغم ما أنجز هو مساحات كبيرة فارغة لم تشيد فيها مبان ولا أعيدت زراعتها. فزلزال توهوكو، حسب الكاتب، خلف شرخًا عميقًا في الوعي الوطني للبلد وكذلك المناظر الطبيعية لحياة الناس.

 

ولفت كوغ إلى أن تركيا ستعلن في الأسابيع المقبلة العدد الكلي للوفيات، لكن من غير المرجح أن تكون تلك هي النهاية خاصة إذا علمنا أن آلاف الأشخاص الآخرين الذين قضوا لاحقًا في اليابان بسبب الأزمات القلبية المرتبطة بالتوتر أو بسبب الظروف المعيشية السيئة كان سبب وفاتهم الحقيقي هو زلزال توهوكو.

وثمة الآن بالفعل انتقادات لفشل الحكومة التركية في تطبيق قوانين البناء الحديثة على مدى سنوات، وسماحها بالازدهار العقاري في مناطق معرضة للزلازل، وبطئها في الاستجابة للكارثة، وها هي اليابان تعترف الآن بأنها فشلت منذ 2011 في مساعدة أولئك الذين أصيبوا بصدمات نفسية نتيجة ما مروا به، فكيف إذن ستتعامل تركيا مع كل هذه التحديات في ظل تجربة اليابان؟

المصدر : أسوشيتد برس

About Post Author