عمان – يتضح الذكاء العاطفي في الحياة اليومية من خلال التعبير عن المشاعر العاطفية ومدى قدرتنا على كبح درجة انفعالنا في أثناء مدها وجزرها بين الغضب والفرح إلى أن نصل لمرحلة نتقن اتزانه، ليقودنا إلى التحكم به وإدارة انفعالاتنا مع التكيف والتأقلم ومدى سرعته، وفقا لما يستجد من حولنا من إشكالات لنحقق نوعا من المرونة المتقبلة مع من نتواصل معهم.
ويؤكد خبراء إمكانية تطوير الذكاء الانفعالي، بحضور فعاليات حوارية على الشبكة العنكبوتية أو التمثيل الحي والتقليد والمحاكاة لأشخاص يعتبروا أذكياء عاطفيا. فمثلا، حضور الجمعات الكبيرة التي يتناقش فيها بعض الكبار في قضايا اجتماعية، يمكن أن نرصد فيها طريقة تواصلهم وكيف يقدمون الحجج والبراهين بحكمة بالجلسة ويفحمون الآخرين في أثناء التعليق والمداخلة البناءة لما يدور في خلدهم بعيدا عن إثارة النزاع.
تطوير الذكاء الانفعالي
ولا بد أن تنمي مهارات السمع والبصر ولغة الجسد لتكتمل قوة الذكاء الانفعالي للفرد، والحفاظ على الثقة بالنفس والاتزان والاعتدال وعدم الخروج عن محور موضوع الجلسة، مع الحرص على الحفاظ على مشاعر الآخرين بالتوازي مع ديمومة الجاهزية الذهنية حاضرة قدر الإمكان، وحساب مدى قدرة التركيز لأطول وقت ممكن من دون الشعور بالملل والإحباط.
ويشير الخبراء إلى إمكانية تعليمه للأطفال عن طريق الدراما والتمثيل والمشاركة الحقيقة في حلقات نقاش، ليتعلموا الإدارة الإيجابية لذكائهم العاطفي والنتائج المحببة لديهم، بما يتوافق وأعمارهم، إذ أن معايشة الطفل لتجربة ما، والتحدث عنها أمام الآخرين تظهر مدى امتلاكه لصفات شخصية تطور لديه الذكاء العاطفي من وقفته أو إلقائه وجذبه للحضور.
علاقة الذكاء العاطفي بالذكاء العلمي
وللتوسع أكثر بمفهوم الذكاء العاطفي وإمكانية تعلمه وتعليمه للأبناء، حاورت الجزيرة نت مستشار الطب النفسي والدكتوراه السريرية الدكتور أمجد الجميعان الذي قال “كثر الحديث مؤخرا عن الذكاء العاطفي، وعن علاقته بالذكاء العلمي أو الدراسي، وكثر الحديث عن دور الذكاء العاطفي بالنجاح في الحياة المهنية والعملية، إذن ما هو الذكاء العاطفي؟”.
ويضيف الجميعان “يُعرّف “الذكاء العاطفي” (Emotional intelligence) بأنه قدرة الشخص على فهم وإدارة عواطفه ومشاعره والتعامل مع مشاعر الآخرين. ولا يوجد اختبار لقياس الذكاء العاطفي، كالاختبار المستخدم لقياس الذكاء؛ لذلك يعتبر الذكاء العاطفي، وصف للمهارات الشخصية، من خلال التعامل اليومي مع الأشخاص ومراقبة سلوكهم إذا أردنا تقييم ذلك”.
ويبين الجميعان أنه لتحقيق ذلك نحن بحاجة إلى العناصر الأساسية التالية؛ قدرة الشخص على تقييم مشاعره وعواطفه الحقيقية وضبطها، وأن تكون لديه القدرة على السيطرة على المشاعر السلبية من خلال خبرات وطرق اكتسبها للتخلص أو تخفيف تلك المشاعر مثل الغضب والقلق.
والأهم أن تكون لدينا القدرة على فهم واستيعاب مشاعر الآخرين، وتتعزز كفاءة الذكاء العاطفي بالتغذية الإيجابية الراجعة، وحرص الإنسان على تطوير هذه المهارة حتى ينجح في حياته المهنية والاجتماعية، موضحا، “فهم المشاعر الشخصية وفهم واستيعاب الآخر وتقديم التنازلات واكتساب المهارات للتعامل مع العواطف السلبية”، يقول الجميعان.
علامات الذكاء العاطفي المرتفع
ويذكر الجميعان أهم علامات الذكاء العاطفي المرتفع، وهي “الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية والتعلم من الأخطاء وتقّبل الانتقاد وحسن الاستماع والتواصل البصري مع الآخرين أثناء الحديث، والذي يعكس الثقة بالنفس والاحترام لمشاعر الآخرين والتواضع والمحافظة على المبادئ والقيم مهما تغيرت الظروف أو كانت المغريات”.
ويرى أن اكتساب هذه المهارات لها من الانعكاسات الإيجابية المهمة على الصحة العقلية والجسدية وعلى العلاقات الاجتماعية، وفق المستشار جميعان، والأهم هو الشعور بالثقة والرضى عن النفس.
الذكاء العاطفي مكتسب أم وراثي؟
ويقول الجميعان: “السؤال الشائع هذه الأيام، كيف يمكن للأبناء اكتساب هذا النوع من الذكاء؟ وما الفرق ما بين الذكاء العاطفي والأساليب الملتوية لتحقيق الهدف؟”.
- الذكاء العاطفي مكتسب وليس وراثيا، ولا يدُرّس بالمدارس.
- الطفل انعكاس لسلوك الوالدين أي بمعنى آخر نحن المثال لأطفالنا.
- الذكاء العاطفي أسلوب حياة، وللأسف الشديد تربى معظمنا في المدارس بأن الطفل الذكي هو الذي يحصل على أعلى العلامات فقط
- لم نتعود لغاية الآن على ثقافة استيعاب الآخر وتقبل النقد والاعتراف بالخطأ.
- لم نتعود حتى الآن أيضا على ثقافة حسن الاستماع وعن أهمية التواصل البصري في أثناء الحديث.
ومع الأسف الشديد وبسبب تهافت الشباب على المناصب والمادة، لم نعد نميز ما بين الذكاء العاطفي والأساليب الملتوية للوصول إلى الهدف، وهنا تكمن الخطورة، إذ إن الكثيرين يرون أن سبب الوصول للمنصب أو الحصول على مكاسب مادية هو الذكاء العاطفي والمهارة الاجتماعية الناتجة عنه، وواقع الأمر مختلف. وفق المستشار الجميعان.
توصيات لتعليم الأطفال الذكاء العاطفي
ويلفت المستشار الجميعان إلى أن البيت هو المدرسة الأولى لاكتساب الذكاء العاطفي، وأن “الطفل انعكاس لسلوك والديه وهم المرآة الحقيقية لنا كمربين، كما أن الطفل يفترض أن ما يفعله الآباء والأمهات هو الصحيح أو الصواب”.
وفيما يلي توصيات يقدمها المستشار الدكتور الجميعان، حول كيفية تعليم الأطفال الذكاء العاطفي، وهي:
- علموا أطفالكم ثقافة الاعتراف بالخطأ وتحمّل المسؤولية وعدم تحميل الآخرين مسؤولية إخفاقنا وإلقاء اللوم على الآخرين لتبرير أخطائنا.
- علموا أطفالكم ثقافة نقد الذات وقبول الآخر.
- علموا أطفالكم ثقافة التحرر من معالجة الخطأ بالخطأ بتقديم بعض التنازلات والتسامح.
- علموا أطفالكم ثقافة التحرر من عقدة المنصب والمال.
- علموا أطفالكم سيئات ثقافة “مئة عين تدمع ولا عيني تدمع”.
- علموا أطفالكم ثقافة العمل الجماعي.
- علّم طفلك أن يفرح لنجاح إخوته في البيت وأقرانه.
- علّم طفلك أن يكون غيورا وليس حسودا.
- علموا أطفالكم أن ليس كل ما يلمع ذهبا.
الذكاء العاطفي أسلوب حياة مكتسب
وينصح المستشار الجميعان كل أم وأب بقوله “لا تكذب أو تبالغ بإنجازاتك أمام أبناءك، ولا تستخدم طرق ملتوية لحل المشاكل، لأن الطفل يقرأ والديه ويتعلم منهما، بل كن واقعيا وكن المثال الصالح لأن الإصلاح يبدأ بالنفس ومن البيت”.
ويخلص الجميعان للقول “الذكاء العاطفي هو أسلوب حياة مكتسب وغير قابل للقياس، وإنما يعتمد على مؤشرات قياس خاصة، مثل الصحة النفسية والجسدية، ويبدأ من البيت ويتعزز لاحقا بأسلوب ونظام تربوي شمولي تشاركي (البيت، المدرسة والإعلام)”.