عربات عسكرية تحمل صواريخ باليستية صينية خلال استعراض عسكري في بكين (رويترز)

عربات عسكرية تحمل صواريخ باليستية صينية خلال استعراض عسكري في بكين (رويترز)

رغم تأكيد ضرورة الحل السلمي، لم تستبعد الصين استخدام القوة للسيطرة على جزيرة تايوان، وكررت هذا التهديد في أغسطس/آب الماضي، أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، وتعدّها بكين إقليما تابعا لها تسعى لإعادة توحيده مع البر الرئيسي.

ويتوقع خبراء أن تسير الصين في طريق الضربة القاضية السريعة ولو بعد حين، حيث يتغلب جيش التحرير الشعبي (الجيش الصيني) على الجزيرة الرئيسة قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من مساعدة حليفتها تايبيه.

 

وخلال الأشهر الماضية، لا يخلو يوم تقريبا من تصعيد وتهديد متبادل من قِبَل الصين وتايوان، ومناورات عسكرية فردية ومشتركة، كما تكرر تايبيه اتهامها لبكين بخرق خط الوسط (خط وهمي يقسم مضيق تايوان) بالطائرات والسفن الحربية والسعي والتحضير لغزوها عسكريا.

ميزان القوة

على الورق، فإن الميزان العسكري يميل بشدة إلى بكين التي تنفق على جيشها نحو 25 ضعفا مقارنة بما تنفقه تايوان، وفقا لتقديرات معهد “ستوكهولم” الدولي لأبحاث السلام. ولدى بكين أيضا ميزة تقليدية واضحة في كل شيء؛ من الصواريخ، والطائرات المقاتلة، إلى السفن الحربية، ومستويات القوات، فضلا عن ترسانتها النووية.

وهذه مقارنة بين القوة البشرية والعسكرية للطرفين الصيني والتايواني ولمختلف صنوف الأسلحة البرية والجوية والبحرية، وذلك وفق بيانات موقع غلوبال فاير باور (Global fire power) المتخصص في الإحصاءات والبيانات العسكرية لمختلف الدول.

وتوضح البيانات أن التنين الصيني يتفوق عسكريا وبوضوح على جارته وبمختلف صنوف الأسلحة، إلا أن تايوان تتفوق فقط في عدد جنود الاحتياط (مليون ونصف المليون مقابل 510 آلاف) رغم أن ميزان العدد الإجمالي للقوة العسكرية البشرية يميل لصالح لبكين.

ورغم المناورات و”الاختراقات” المتكررة للخط الفاصل بينهما، فإن تحليل في موقع ستراتفور (Stratfor) الأميركي يرى أنه من غير المرجح أن تغزو الصين تايوان في السنوات الخمس أو العشر المقبلة، لكن العديد من المؤشرات يمكن أن تغير منطق بكين وتدفعها نحو إستراتيجية “أكثر عدوانية”.

 

أصل الخلاف

تعرف تايوان نفسها بـ”جمهورية الصين (تايوان)” بينما تعدها جمهورية الصين الشعبية جزءا من أراضيها وتسميها “تايوان الصينية” كما تعتبرها بعض دول الغرب مُمثِّلا عن الصين التاريخية حتى عام 1971 حين اعتُرِف بالجمهورية الشعبية مُمثِّلا للصين.

 

وتصر بكين على سياسة “صين واحدة” أي أن في العالم صينا واحدة فقط، وتعارض الحكومة بحزم أي حديث أو عمل يهدف إلى الاعتراف بتايوان كيانا مستقلا عنها، وتعتبر أن “مسألة تايوان تتجسد أولا في العلاقات بين حكومة جمهورية الصين الشعبية -الشرعية الوحيدة التي تمثل شعب الصين كله وعاصمتها بكين- وبين سلطات تايوان، ويتعين أن يحلها الصينيون على ضفتي مضيق تايوان بأنفسهم”.

ولتايوان درجة من درجات التمثيل غير الرسمي في معظم الدول الغربية واللاتينية، بالإضافة إلى الهند واليابان وأستراليا ودول أخرى.

خريطة لتايوان والبر الرئيسي للصين و”خط الوسط” بينهما (الجزيرة)

يُنظر إلى تايوان التي تحتضن قرابة 23 مليون نسمة على أنها بلد شديد الأهمية للعالم الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، كونها أحد مراكز القوة الاقتصادية في آسيا، ولا سيما مع استحواذها على نصيب كبير من الصناعة العالمية لأشباه الموصلات (التي تُستخدم في صناعة الإلكترونيات)، إلى جانب أنها تُمثِّل للغرب جزيرة استطاعت توطيد “حكم ديمقراطي” بجوار عملاق شيوعي “يحكم بالنهج الاستبدادي”، وهي فرصة وجدت فيها الولايات المتحدة موطئ قدم لمحاصرة التمدد الصيني في جنوب وشرق آسيا.

على الجانب المقابل، يرى الصينيون أن تايوان هي الخاصرة الموجعة التي يتحتَّم على القيادة الشيوعية الصينية معالجتها حتى تطوي ملف العار الذي لحق بها آخر قرنين من الزمان، وتحديدا في الفترة بين 1830-1949، حين تعرضت الصين للإذلال على المستوى الدولي نتيجة العديد من الحروب والتدخلات الخارجية التي أفقدت بكين هيبتها وقوتها.

وقد اضطرت الصين لتوقيع عدة معاهدات غير متكافئة في تلك الفترة للتنازل عن 3 أقاليم هي “تايوان، وهونغ كونغ، وماكاو”، إلى جانب تلقيها هزائم أخرى على يد فرنسا واليابان قبل أن يأتي الغزو الروسي للشرق الصيني.

تُعَدُّ المسألة التايوانية اليوم ورقة ضغط أميركية تجاه الصين، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واختفاء الخصم اللدود للقوة الأميركية، نظرت الإستراتيجية الأميركية إلى الصين بوصفها خصما محتملا بعد الحرب الباردة، وتعززت تلك النظرة عقب القفزات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي حققتها بكين، ومن ثَم خشيت الولايات المتحدة من منافسة الصين لها على رأس النظام العالمي.

الغموض الإستراتيجي

وقد ارتأت الولايات المتحدة في البداية احتواء الصين داخل المنظومة الاقتصادية العالمية، فرحَّبت بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، بينما ازدهرت الصين وصارت “مصنع العالم” في غضون بضعة عقود.

 

وفي عام 2013، بعد أن باتت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وفي ظل الحديث عن تراجع الدور الأميركي في عدد من المناطق، طرحت بكين مبادرة الحزام والطريق، الساعية لتدشين مشاريع ضخمة للبنية التحتية بطول آسيا وأفريقيا، وبكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار، وذلك لربط أكثر من 70 دولة، وهي خطة تنافس بصورة غير مسبوقة صدارة الولايات المتحدة لمشهد دعم التنمية على مستوى العالم.

في الوقت نفسه، تحافظ واشنطن على سياسة الغموض الإستراتيجي، فتعترف بمبدأ الصين الواحدة بينما تحافظ على تحالفها مع تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي رسميا، دون إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى أو حيازة الاعتراف بها دولة مستقلة.

وتعارض الولايات المتحدة مطالب بكين بضم تايوان، ولا سيما إن تمَّ ذلك باللجوء إلى القوة العسكرية. علاوة على ذلك، ثمَّة قانون أقره الكونغرس عام 1979 يُلزم الولايات المتحدة ببيع الإمدادات العسكرية إلى تايوان لضمان دفاعها عن نفسها ضد أي تهديدات عسكرية محتملة، في إشارة صريحة بالطبع إلى الجيش الصيني الأكبر عددا وعتادا في آسيا.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية

About Post Author