قبل حلول شهر رمضان، وزيادة الإقبال على شُرب العصائر من جميع الأعمار، فَجرت مراجعة منهجية -نشرت مؤخرا وشملت 42 دراسة سابقة- مفاجأة تُشير إلى وجود ارتباط كبير بين “تناول عصير الفاكهة بنسبة 100% وزيادة الوزن لدى الأطفال والبالغين”.
وأشار الباحثون إلى وجود علاقة واضحة بين كل حصة إضافية من العصير في اليوم، وارتفاع مؤشر كتلة الجسم بمقدار 0.03 نقطة. وإن كانت التأثيرات تختلف باختلاف العمر، فتبدو زيادات مؤشر كتلة الجسم أكبر للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 11 عاما. وتم تعريف عصير الفاكهة بنسبة 100% على أنه “عصائر الفاكهة بدون سكر مضاف”.
ورغم أن استنتاجات الدراسة لم تظهر علاقة سببية مباشرة، ولكن مجرد ارتباط. غير أن “النتائج جاءت صحيحة تماما، وتتوافق مع الواقع الذي يراه الأطباء سريريا” حسب ما نقله موقع “سي إن إن” عن الدكتورة تمارا حَنّون عضو لجنة التغذية بالأكاديمية الأميركية لطب الأطفال التي لم تشارك في البحث.
أين المشكلة؟
لخص الخبراء تأثير شرب العصير على مستويات السكر في الدم ومؤشر كتلة الجسم، في الآتي:
كمية الاستهلاك
رغم أن البحث أظهر أن شرب عصير الفاكهة 100% يوميا يرتبط “بزيادة طفيفة” في الوزن. لكن الدكتور والتر ويليت أستاذ علم الأوبئة والتغذية في جامعة هارفارد -المشارك بالدراسة- يوضح أن إحدى المشاكل الأساسية المتعلقة بالعصير هي “كمية الاستهلاك” حيث يُصبح من السهل جدا “تناول المزيد”.
فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي قد يكون من الصعب أن نأكل 3 حبات برتقال دفعة واحدة، نجد أنفسنا نشرب كوبا من عصير البرتقال (خلاصة حوالي 3 برتقالات) في دقيقة أو دقيقتين، بل قد نعود ونتناول كوبا أخرى “وهو ما يزيد من السعرات الحرارية، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الجلوكوز (السكر) في الدم”.
ويقول الخبراء “إنه مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي وجود الكثير من السكر في الدم إلى مقاومة الأنسولين، ومتلازمة التمثيل الغذائي، والسكري، وأمراض القلب، والسمنة، وغيرها من الحالات المزمنة”.
الفرق بين الفاكهة وعصيرها
تُشبه دكتورة حَنّون الفواكه والخضراوات الكاملة بـ”العبوات الممتلئة بالعناصر الغذائية، من الكربوهيدرات والبروتين والدهون والمعادن والفيتامينات، التي تحتوي جميعها على الألياف” وتؤكد أن “قضمها وتناولها كاملة هي الطريقة التي من المفترض أن تحصل بها أجسامنا على فوائدها الغذائية”.
ولكن عندما نستبعد العبوة بالكامل أثناء عملية العصر “فإننا نزيل الألياف والأجزاء الهيكلية من الطعام، وندفع الجسم لهضمها بشكل مختلف عما خلقت من أجله”.
فتناول تفاحة كاملة، على سبيل المثال، لا يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر بالدم، لأن الفركتوز (السكر الموجود في الفاكهة بشكل طبيعي) يتم إطلاقه في الدم ببطء. أما شُرب عصير التفاح فيغمر الدم بالفركتوز، ويدفع الكبد لتحويل السكر الزائد إلى دهون.
السعرات الحرارية السائلة
توضح الدكتورة فاسانتي مالك الباحثة بقسم التغذية جامعة هارفارد، والمشاركة في الدراسة، أننا عندما نستهلك السعرات الحرارية في شكل صلب، يُسجل دماغنا السعرات الحرارية بشكل أفضل، ويقوم بتعديل كمية الطعام التي تتناولها وفقا لذلك. ولكن إذا شربنا تلك السعرات الحرارية سائلة، فقد لا نشعر بالشبع، ونبدأ في طلب المزيد.
لهذا، يشير الباحثون إلى “السعرات الحرارية السائلة” كآلية محتملة لربط عصير الفاكهة بنسبة 100% بزيادة الوزن، حيث تؤدي إلى زيادة أكبر في الوزن، مقارنة بالسعرات الحرارية الصلبة.
ويضيفون أن “العصير يحتوي على القليل من الألياف وقد لا يحتوي على أي قدر منها، مقارنة بالفاكهة الكاملة، مما يؤدي إلى انخفاض الشعور بالشبع” وهو ما يعني أن العصير لن يجعلنا نشعر بالشبع مثل تناول الفاكهة نفسها. وفقا لما ذكره موقع شبكة “سي بي إس نيوز”.
العصير ليس علاجا ولا بديلا للماء
وفقا للإرشادات الغذائية الوطنية الأميركية “يجب ألا يُنظر إلى العصير على أنه وسيلة صحية لإرواء العطش”.
ويُشير الدكتور ديفيد كاتز المتخصص في الطب الوقائي وطب نمط الحياة، والذي لم يشارك بالدراسة، إلى أن “التوجيهات العامة تعارض تناول العصير بشكل روتيني، وتحذر من الاعتماد عليه بدلا من الماء لإرواء العطش، أو لتحقيق فوائد صحية” فعصير الفاكهة ليس وصفة للصحة اليومية، بقدر ما هو خيار أفضل من المياه الغازية في بعض الأحيان.
هل نمتنع عن شرب العصير تماما؟
يجيب الباحثون بأنه ليس بالضرورة أن يكون الهدف من نتائج الدراسة أن نتخلى عن شرب العصير تماما، لكنها تشير إلى أهمية التحلي بالوعي، والحد من استهلاك عصير الفاكهة بنسبة 100% تفاديا لزيادة الوزن والسمنة.
الحد المسموح به من العصير للأطفال
تتماشى النتائج التي توصل إليها البحث مع إرشادات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (إيه إيه بي) بالحد من استهلاك الأطفال للعصير، تفاديا للسمنة وتسوس الأسنان.
وتنص على أن “الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات يجب أن يستهلكوا أقل من كوب من عصير الفاكهة يوميا” (الكوب النموذجي 8 أونصات، أو ما يعادل حوالي 235 ملليترا).
كما تنصح “إيه إيه بي” ومراكز “السيطرة على الأمراض والوقاية منها” (سي دي سي) بأن يُمنع العصير تماما عمن تقل أعمارهم عن سنة واحدة.
وتأتي الإرشادات لبقية مراحل الأطفال العمرية كالتالي:
- من سنة إلى 3 سنوات، تُحدد كمية العصير بـ4 أونصات يوميا (حوالي 120 ملليترا).
- من 4 إلى 6 سنوات، بحد أقصى 6 أونصات يوميا (حوالي 175 ملليترا)
- من 7 إلى 18 عاما، بحد أقصى 8 أونصات يوميا (حوالي 235 ملليترا).
وتؤكد دكتورة حَنّون أنه “لا يوجد أي سبب صحي لتناول العصير بدلا من الفواكه والخضراوات الكاملة، إلا إذا كان الطفل لا يستطيع تحمل تناول الطعام العادي”.
وتنصح الوالدين بـ”ألا يعتبروا العصير مشروبا صحيا ضد العطش” وأن يقدموا الفاكهة الكاملة للطفل إذا كان يستطيع تناولها. وإن كان ولابد من العصير “فيجب أن يكون نصف كوب لا أكثر في اليوم”.
وبالنسبة لمن يرغبون في الاستمتاع بنكهة الفاكهة ولكن بسعرات حرارية أقل، يوصي مركز “السيطرة على الأمراض” بإضافة القليل من العصير 100% إلى الماء العادي أو الفوار، للحصول على مشروب منعش ومنخفض للسعرات الحرارية.