العالم يخشى أن تؤدي التوترات العالمية -خاصة بين روسيا والغرب- إلى مواجهة نووية (رويترز)

العالم يخشى أن تؤدي التوترات العالمية -خاصة بين روسيا والغرب- إلى مواجهة نووية (رويترز)

موسكو- لم تتوسع موسكو في ردّها على تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن من عواقب ستتحملها في حال شنت هجوما نوويا على أوكرانيا، واكتفى السكرتير الصحفي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعليق موجز موجها كلامه لبايدن “اقرأ العقيدة النووية لروسيا. كل شيء مكتوب هناك”.

ومع عودة السجال حول مسألة اللجوء لخيار استخدام الأسلحة النووية مع تصاعد التوتر الغربي الروسي ووصوله إلى ذروته على خلفية الحرب في أوكرانيا، يحذّر مراقبون روس من أن كلام الرئيس الأميركي يمكن أن يؤخذ في سياق التحضير لـ”عمل استفزازي” باستخدام أسلحة كيميائية أو حتى نووية، وقد يكون الهدف من الهجوم محطة الطاقة النووية في زاباروجيا أو مصنعا ما للصناعات الكيمياوية.

 

 

العقدة الأوكرانية

وأدت القضية الأوكرانية وتداعياتها إلى أكبر تعطيل “للتسوية النووية” بين روسيا والولايات المتحدة. وفضلا عن ذلك، تؤكد موسكو أنها عثرت على آلاف الأطنان من اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم في محطة زاباروجيا للطاقة النووية في أوكرانيا التي تسيطر عليها حاليا، وتعتبر أنه كان بإمكان هذه المخزونات أن تصبح مادة خاما لإنتاج أوكرانيا أسلحة نووية.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه قبل أيام قليلة من بدء العملية الروسية في أوكرانيا، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعلن أن بلاده ستبادر لعقد قمة للدول المشاركة في مذكرة بودابست للضمانات الأمنية، ولوح حينها أنه في حال لم يتم ذلك، فإن كييف ستنسحب منها. وبعد ذلك ألمح مراقبون روس إلى أن كلام زيلينسكي حول الأسلحة النووية شكل أحد أسباب إطلاق موسكو لعمليتها العسكرية في أوكرانيا، كإجراء اضطراري للرد على التهديد.

وفي الوقت الذي يعتبر فيه نزع السلاح من أوكرانيا وعدم نشر أنظمة الصواريخ الضاربة لحلف شمال الأطلسي على أراضيها من أبرز أسباب إطلاق العملية العسكرية الروسية هناك، إلا أن موسكو تؤكد أن لجوأها لاستعمال السلاح النووي سيكون فقط في حالة الدفاع عن النفس.

 

جوهر الردع النووي

وتمتلك روسيا واحدة من أكبر ترسانات الأسلحة النووية في العالم، وتعتمد عليها وسيلة لضمان أمنها، وفي الوقت ذاته تدعو باستمرار إلى نزع السلاح النووي ومنع ظهور دول جديدة تمتلك هذا النوع من الأسلحة.

 

ومن هنا تسترشد بـ”العقيدة النووية” التي أقرّها الرئيس بوتين في الثاني من يونيو/حزيران 2020، وسميت بـ”أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي”، والتي تحدد -بين جملة أمور- قائمة شروط استخدام الأسلحة النووية.

روسيا لوّحت خلال الأشهر الماضية باستخدام أسلحتها النووية إذا شعرت بتهديد لأمنها القومي (الأوروبية)

سيناريوهات الردّ النووي

ولم تتغير معايير استخدام الأسلحة النووية من قبل روسيا وفق العقيدة الجديدة مقارنة بتلك التي اعتمدت عام 2010، ونصت على أن موسكو ستقوم باستخدامها ردا على هجوم عليها أو على حلفائها باستخدام الأسلحة النووية أو أسلحة الدمار الشامل الأخرى، أو في حال “حصول عدوان بأسلحة تقليدية ولكن يجعل من وجود الدولة ذاته مهددا”.

وللإشارة، فإن وثيقة عام 2010 بشأن الردع النووي لم يتم نشرها في حينها، لكن عندما تم إقرار العقيدة العسكرية في مرسوم للرئيس السابق ديمتري ميدفيديف، تم ذكر اسم الوثيقة فقط، وظلت مغلقة.

وتصف الوثيقة المذكورة شروط تحديد إمكانية استخدام الأسلحة النووية، بـ”تلقي معلومات موثوقة حول إطلاق صواريخ باليستية على روسيا وحلفائها، واستخدام العدو الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، وتأثير العدو على المنشآت الحساسة الذي سيؤدي فشلها إلى تعطيل استجابة القوات النووية”.

 

الملاذ الأخير

لكن نسخة عام 2020 من العقيدة النووية تضمنت عبارة جديدة تؤكد أن سياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي تهدف إلى إنهاء الحرب بشروط مقبولة لديها. وبحسب الوثيقة، تعتبر روسيا استخدام الأسلحة النووية الملاذ الأخير. وفي الوقت نفسه، تم توسيع الشروط التي يمكن بناء عليها استخدام الأسلحة النووية.

ومع تأكيد الوثيقة على أن روسيا “تبذل كل الجهود اللازمة للحد من التهديد النووي ومنع تفاقم العلاقات بين الدول”، فإنها في الوقت نفسه تضمنت قائمة بـ”التهديدات” التي من أجل تحييدها يتم اختيار شكل الردع النووي الذي يجب تنفيذه، وهي:

 
  • نشر قوات قتالية، وكذلك مركبات نقل الأسلحة النووية، في الأراضي المتاخمة لروسيا وحلفائها وفي المناطق البحرية.
  • نشر أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ، والصواريخ الباليستية والمتوسطة والقصيرة المدى، والأسلحة العالية الدقة غير النووية، والتي تفوق سرعة الصوت، والطائرات المسيرة الضاربة، وأسلحة الطاقة الموجهة.
  • نشر أنظمة دفاع مضادة للصواريخ في الفضاء.
  • وجود أسلحة نووية و/أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل يمكن استخدامها ضد الاتحاد الروسي وحلفائه، فضلا عن آليات إيصال هذه الأسلحة.
  • الانتشار غير المنضبط للأسلحة النووية ووسائل إيصالها والتكنولوجيات والمعدات اللازمة لتصنيعها.
  • نشر الأسلحة النووية ووسائل إيصالها في أراضي الدول غير النووية.

ويوضح الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين أن موسكو تدرك وجود محاولات من قبل الولايات المتحدة ودول الناتو لقلب ميزان المسؤولية في استخدام الأسلحة النووية وانتشارها.

ويتابع -في حديث للجزيرة نت- أن هناك مخاوف من أن تكون واشنطن بصدد نقل الانتشار النووي إلى مناطق مثل آسيا، وهو ما يبرز بشكل واضح من خلال ما يسمى بالمهام النووية المشتركة للناتو، والتي يتم فيها تدريب طيارين من دول غير نووية على استخدام الأسلحة النووية، بحسب قوله.

وردا على سؤال حول إمكانية توجيه ضربة وقائية لأوكرانيا، أشار الخبير إلى أن العقيدة العسكرية الروسية محددة بوضوح، ولا تنطوي على تفسيرات مزدوجة، وتجيب عن جميع الأسئلة المتعلقة بسياسة الردع النووي.

 

نصوص غامضة

أما الباحث في قضايا الأسلحة النووية الإستراتيجية بافل بودفيغ، فيلفت إلى أنه لأول مرة تنص العقيدة النووية الروسية على إمكانية شن روسيا هجوما انتقاميا بناء على معلومات عن هجوم صاروخي مبكر.

ويرى بودفيغ أن الشرط الجديد الثاني للردع النووي الموجود في عبارة “تشكيل العدو لخطر على الدولة والمنشآت العسكرية الحساسة في الاتحاد الروسي” غامض، ويمكن -إلى حد ما- أن يثير العديد من التساؤلات لدى العدو المحتمل، على حد قوله.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author