العنف برعاية القانون.. أرقام مرعبة عن ضحايا إطلاق النار بأميركا
ينهمر الرصاص داخل المدارس فتتناثر الجثث في الممرات، وعندما يفيق الأهالي من صدمتهم يذكّرهم رجال القضاء والأمن والسياسة بأن الدستور فوق الجميع، وأنه يتيح للناس حمل البنادق، وما من سبيل لمصادرة هذا الحق.
“لقد حضرت شخصيا مراسم دفن 19 طفلا ومعلمتهم في تكساس”، قضوا جميعا في حادث إطلاق نار، بعد أن كان ذووهم يترقبون عودتهم في نهاية الدوام.
الحديث لكامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي ردا على قرار أصدرته المحكمة العليا بالولايات المتحدة يلغي قيودا وضعتها ولاية نيويورك على حمل السلاح، في محاولة للحد من حوادث إطلاق النار.
لقد قضت المحكمة العليا أمس الخميس بأن للمواطنين الحق في حمل المسدسات والبنادق في الأماكن العامة، واعتبرت أن ولاية نيويورك تنتهك الدستور بمحاولتها تقنين حمل السلاح الناري في الأماكن العامة، مما يخالف الحقوق الممنوحة للأشخاص بموجب التعديل الثاني للدستور.
أما حاكمة ولاية نيويورك كاثي هوكول فعلقت بالقول “توصلنا قبل لحظات إلى أنباء مقلقة من العاصمة واشنطن تؤكد أن المحكمة العليا سحبت من نيويورك حق حماية مواطنيها”.
شلال دماء
وجاء قرار المحكمة بعد أسابيع من واقعتي إطلاق نار في تكساس ونيويورك أسفرتا عن مقتل أكثر من 30 شخصا، بينهم 19 طفلا.
ومثل هذه العمليات تتكرر يوميا في الولايات المتحدة، وتخلف أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى، فخلال الأشهر الماضية من العام الحالي شهدت البلاد أكثر من 200 عملية إطلاق نار.
وخلال الفترة نفسها قتل أكثر من 20 ألفا و800 شخص في أعمال عنف باستخدام الأسلحة النارية في الولايات المتحدة بما يشمل القتل والانتحار، وفقا لمجموعة “غان فايلنس أركايف” (Gun Violence Archive).
أما عام 2021 فشهد 693 عملية إطلاق نار جماعي قتل فيها أزيد من 20 ألف شخص، فيما يبلغ عدد القتلى 45 ألفا إذا أضيف لهم ضحايا عمليات الانتحار وغيرها من الجرائم التي استخدمت فيها الأسلحة النارية.
وفي عام 2020 سجلت السلطات 611 عملية إطلاق ناري جماعي وأزيد من 43 وفاة جراء استخدام الأسلحة النارية.
وكانت البنادق والمسدسات وراء مقتل 39 ألفا في عام 2019، فيما بلغ الرقم 14 ألفا في العام السابق.
وفي كل من أعوام 2014 و2015 و2016 و2017 تسببت حوادث إطلاق النار في ما لا يقل عن 15 ألف وفاة.
ويبدو لافتا ومقلقا في الولايات المتحدة كون المدارس مسرحا دائما لحوادث إطلاق النار الجماعية، ففي الفترة من 2018 إلى 2022 سجلت 119 عملية إطلاق جماعي في مدارس بمختلف أنحاء الولايات المتحدة الأميركية وراح ضحيتها العديد من الطلاب والمعلمين.
ومن أشهر عمليات إطلاق النار في الولايات المتحدة الهجوم على نادي “بلس” (Plus) للمثليين في أورلاندو، حيث أسفر عن مقتل 50 شخصا، ونفذه شاب يبلغ من العمر 29 عاما، وسبق أن عمل حارسا في المكان.
البندقية وصندوق الاقتراع
وبعد كل عملية إطلاق نار جماعي يبادر ساسة أميركا للتعبير عن حزنهم لسقوط الضحايا، ولكنهم يتبنون مواقف متباينة جدا إزاء فكرة حظر السلاح، وحتى وضع إجراءات للحد من حمله في الأماكن العامة.
وبينما يستمع ساسة الحزب الديمقراطي لدعوات النشطاء المطالبين بتبني قوانين تحد من حمل السلاح يدافع الجمهوريون عن تجار البنادق في الكونغرس وفي أروقة المحاكم، ويتلقون منهم في المقابل دعما قويا في المواسم الانتخابية، فبعد 3 أيام فقط من عملية إطلاق النار الدامية في ولاية تكساس حل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضيفا على مؤتمر الجمعية الوطنية للبنادق الذي عقد في مدينة هيوستن على بعد مسافة ساعة واحدة من مسرح الجريمة.
وفي كلمة له بالمؤتمر هاجم ترامب الداعين إلى تشديد إجراءات حمل السلاح، وشدد على أن الأميركيين الصالحين يجب السماح لهم دائما بحمل المسدسات والبنادق للدفاع عن أنفسهم ضد الشر.
وتعتبر الجمعية الوطنية للبنادق خزانا انتخابيا بالنسبة لساسة الحزب الجمهوري، حيث تضم 5 ملايين عضو، وتتبرع للحملات الانتخابية بملايين الدولارات.
وبعد محاولات عديدة توصل أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون والجمهوريون أمس الخميس إلى مشروع قانون حول “أمن حيازة السلاح”، حيث صوت له 65 عضوا، فيما رفضه 33.
هذا المشروع الذي وصف بالمتواضع جدا يفرض قيودا على حيازة الأسلحة من خلال تشديد عمليات التحقق من السجل الإجرامي والسلوك النفسي للراغبين في شراء البنادق والمسدسات، ويمنح مليارات الدولارات لتمويل قطاع الصحة العقلية والأمن في المدارس.
لكنه لم يتبن إجراءات أكثر شمولا مثل حظر البنادق الهجومية أو مخازن الذخيرة عالية السعة، وذلك لأن الدستور الأميركي ينص على أنه “لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها”.