أنقرة – على الرغم من تحقيق تركيا أعلى معدل شهري للصادرات وتسجيل الخزينة فائضا كبيرا في مايو/أيار الماضي؛ فإن الليرة التركية مستمرة بالهبوط، فما الأسباب، وما مستقبلها؟
وتراجعت الليرة التركية إلى 17.19 مقابل الدولار أمس الجمعة، في انخفاض مستمر متجهة نحو مستويات متدنية قياسية سجلتها في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد سلسلة من التخفيضات غير التقليدية لأسعار الفائدة، وفقدت العملة التركية نحو 23% من قيمتها أمام نظيرتها الأميركية هذا العام بعد انخفاض بنسبة 44% العام الماضي.
يأتي ذلك في وقت قال فيه وزير المالية نور الدين نباتي -خلال كلمة له أمام أعضاء البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم- إن بلاده لا تفكر في خفض أو رفع أسعار الفائدة في المدى القريب.
كما أعلن نباتي أن الخزينة سجلت فائضا قدره 149.2 مليار ليرة تركية في مايو/أيار الماضي.
وقد سجلت صادرات تركيا في أبريل/نيسان الماضي 23.4 مليار دولار؛ وفقا لبيانات رسمية، محققة زيادة 24.6% مقارنة مع الشهر نفسه من العام السابق، وأعلى مستوى شهري في التاريخ.
أسباب الهبوط ومستقبل الليرة
ومن إسطنبول، ذكر الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد مصبح أن الليرة التركية خسرت جزءا كبيرا من قيمتها خلال أقل من شهر وتخلت عن حالة الاستقرار النسبي الذي تحقق في الأشهر الماضية، مما يعكس حقيقة أن معظم الإجراءات الاقتصادية كانت مجرد مسكنات.
وقال “مؤشر فائض الخزينة -الذي يعني الزيادة في حجم الإيرادات عما هو متنبئ به بسبب زيادة في الإيرادات الضريبية او تقليص في النفقات- هو مهم وايجابي؛ لكنه لم ينعكس على استقرار الليرة لأسباب أعمق في الفترة الأخيرة.
وأضاف مصبح للجزيرة نت “إصرار الحكومة التركية على عدم رفع الفائدة -بالرغم من أن فاتورة تعويضات الليرة أصبحت باهظة- وكذلك بوادر العملية العسكرية في سوريا زادا من الضغط على الليرة في الأيام القليلة الماضية”.
وتابع “ساهم انعكاس الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار النفط والحبوب والعديد من السلع الأساسية، إضافة الى تبني معظم الدول الكبرى والكيانات سياسة رفع الفائدة، في التأثير السلبي على الليرة”.
ويرى الخبير الاقتصادي أن العملة التركية ستستمر بالهبوط ما لم يجر رفع سعر الفائدة بما يتلاءم مع معدلات التضخم وتهدئة الأسواق، وما لم يزد حجم الرقابة على الأسواق والأسعار.
ومن أجل الحد من هبوط العملة؛ شدد مصبح على ضرورة توفير دعم أكبر للسلع الأساسية حتى يشعر المواطن بانحسار التضخم بدلا من رفع الرواتب الذي يزيد من تكاليف العمالة وعليه زيادة أكبر في الأسعار وزيادة في القوة الاستهلاكية التي تسبب أيضا ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى أهمية الوصول لتسوية تنهي الحرب الروسية في أوكرانيا وبالتالي عودة تدريجية للأسعار.
وعاد مصبح ليؤكد أنه إذا ما استمرت نفس الظروف دون معالجة فمن المتوقع رفع البنك المركزي لتوقعاته ليصل الدولار الواحد إلى 20 ليرة مع نهاية العام لا سيما أن توقعات البنك المركزي التركي ترتفع عن سعر الصرف الحالي بـ 3 أو 4 ليرات.
حلقة مفرغة
من جهته؛ أكد الباحث الاقتصادي في جامعة إيجه بأزمير غربي تركيا، الدكتور محمد إبراهيم أنه منذ صدمة عام 2018 الاقتصادية وسعر صرف الليرة يواصل التراجع، وليس هناك نهاية تلوح في الأفق لهذا التراجع، فتخطي الليرة عتبة الـ17 أمام الدولار هو المستوى الذي وصلت إليه تقريبا قبل اللجوء للنموذج الاقتصادي الذي أعلن عنه الرئيس أردوغان قبل 6 شهور والمبني على آلية حماية ودائع الليرة.
وقال الباحث إبراهيم للجزيرة نت “هذا المستوى أعلى من القيمة العادلة (16.5 للدولار) المقدرة لليرة من قبل خبراء معهد التمويل الدولي، والسبب بعود إلى توسع ائتماني كبير يؤدي إلى توسع عجز الحساب الجاري فيؤدي إلى تدهور سعر الصرف، والأمر أصبح أشبه بحلقة مفرغة.
وأشار إلى أن حقيقة المشكلة أعمق من قضية الفائدة والتي كان يتركز حولها النقاش بل والصراع بين الحكومة والأطراف الأخرى خصوصا المعارضة. لافتا الى أن تدهور قيمة الليرة خلق مشاكل هيكلية في الاقتصاد التركي كالتضخم المرتفع وارتفاع تكاليف الإنتاج ونحو ذلك.
وقد بلغت نسبة مؤشر أسعار المستهلك “التضخم” في تركيا، خلال مايو/أيار الماضي، 2.98% على أساس شهري، و73.50% على أساس سنوي.
جاء ذلك في بيانات نشرتها هيئة الإحصاء، أمس الجمعة، تشير إلى ارتفاع مؤشر أسعار المنتجين، خلال مايو/أيار بواقع 8.76% على أساس شهري، ونسبة 132.16% على أساس سنوي. كما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك 39.33%، وأسعار المنتجين 80.38%، مقارنة بمعدلات آخر 12 شهرا.