الملاحق الرمضانية في صحف المغرب.. مائدة متنوعة ترافق القراء في الشهر الفضيل
الرباط- ينشر الصحفي المغربي عبد الحليم العريبي حلقات مثيرة ومشوقة لقصة تفكيك شبكة مخدرات خطيرة، وذلك ضمن ملحق رمضاني يومي لجريدة الصباح اليومية عنوانه “بانوراما رمضان”.
تحمل السلسلة عنوان “أسرار شبكة ميسي للمخدرات”، ويحكي فيها العريبي -وهو صحفي متخصص في قضايا المحاكم- تفاصيل إسقاط شبكة مخدرات عابرة للقارات هربت عشرات الأطنان من مخدر الشيرا عبر موانئ أكادير وطنجة وسواحل العرائش. وتورطت في هذه الشبكة عناصر أمن ومخابرات وموظفو جمارك وتجار مخدرات، وأطلق عليها ميسي نسبة إلى لقب رئيس أمن مدينة إنزكان الذي كان ضمن المتهمين الرئيسيين فيها.
وتتنافس الصحف الورقية في رمضان على إصدار ملاحق خاصة بهذا الشهر الفضيل تقدم فيها للقراء مائدة ترفيهية وتثقيفية وفكرية متنوعة.
وتعتبر هذه الملاحق تقليدا سنويا دأبت عليه الصحف الورقية منذ عقود، تحرص فيها على تقديم مواد مختلفة عما درجت عليه باقي شهور السنة.
جذب الجمهور
تختلف التسميات التي تطلقها الصحف الورقية على هذه الملاحق بين “فسحة رمضان” و”بانوراما رمضان” و”واحة رمضان” وغيرها من التسميات، لكن هدفها واحد هو استقطاب وجذب القراء طيلة الشهر الفضيل.
بالنسبة لعبد الحليم العريبي الذي يعمل بجريدة الصباح منذ 11 سنة، فإنه يختار قبل رمضان من كل سنة إحدى القضايا المثيرة التي يصادفها خلال متابعته للمحاكم، فيعيد تركيبها في حلقات مشوقة يعرض فيها تفاصيل لم تنشر من قبل.
يقول للجزيرة نت إن العمل اليومي لا يتيح التطرق لتفاصيل القضايا الكبيرة التي تعرض في المحاكم والطرائف التي تحدث أثناء المحاكمات وكذا الأقوال المفصلة للمتهمين، لذلك يكون الملحق الرمضاني مجالا للإبداع وإعادة تركيب تلك القضايا في أسلوب قصصي مشوق وجذاب.
وخصصت جريدة الصباح 3 صفحات يومية تحت اسم “بانوراما رمضان” تضمنت باقة متنوعة من المواد الإعلامية من بينها حوار على حلقات مع عبد السلام الغازي مؤسس منتدى محمد بن عبد الكبير الخطابي للفكر والحوار والذي كانت تربطه علاقة وثيقة مع آل الخطابي ويسعى الحوار إلى تسليط الضوء على حياة هذا القائد وجوانب من حياته.
وتنقل سلسلة “مغاربة في جحيم داعش” الواقع المرير الذي يعانيه المغاربة العالقون في سوريا والعراق من نساء وأطفال بعد سقوط التنظيم وذلك على لسان أسرهم في المغرب، هذا إلى جانب حوارات مع أطباء ومتخصصين في التغذية والعلاقات الأسرية.
تقليد سنوي
مع اقتراب شهر رمضان تبدأ غرف التحرير في الصحف الورقية وضع خطط رمضان وتجميع المقترحات من الصحفيين من أجل توفير أطباق إعلامية متنوعة وإفراد مساحات جديدة لسلاسل ترفيهية وفكرية وثقافية وفنية متنوعة بهدف جذب القراء وتوفير مواد صحفية متأنية وعميقة ومشوقة، في تكريس لتقليد سنوي ارتبط بهذا الشهر الفضيل.
بدورها، خصصت جريدة الاتحاد الاشتراكي ملحقا رمضانيا من 3 صفحات أطلقت عليه اسم “فسحة رمضان”.
يضم هذا الملحق مواد متنوعة من قبيل سيرة الموسيقار عبد الواحد التطواني من خلال حوار مطول معه يسترجع مسيرته الفنية وسيرة حياته، وسلسلة بعنوان “وقت مستقطع من الحرب” تعرض شهادات عن الحرب مع كُتاب ومبدعين ومثقفين وفنانين، وسلسلة “المشهد الصوفي” التي تعرض سِيَر شعراء الملحون في المغرب، وغيرها.
ويعتبر عبد الحميد جماهري مدير نشر يومية الاتحاد الاشتراكي أن هذه الأخيرة مؤسسة هذا التقليد الرمضاني في فترة الثمانينيات.
وأوضح جماهري في حديث مع الجزيرة نت أن جريدة الاتحاد أطلقت في ثمانينيات القرن الماضي ملاحق اجتماعية ورياضية وثقافية وسياسية، وفي رمضان كانت تفرد صفحات خاصة بهذه المناسبة عنوانها “فسحة رمضان”.
وكانت هذه الفسحة -حسب جماهري- مناسبة للنبش في بعض مناطق العتمة والظل في التاريخ الحديث للمغرب والتطرق للقضايا التي كانت تصنف ضمن المحرمات في فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات وتهم السياسة والدين والطابوهات العاطفية والاجتماعية.
وكانت هذه الملاحق الرمضانية تحظى بمتابعة كبيرة من القراء، إذ ترتفع مقروئية الصحف في هذا الشهر عكس ما يكون عليه الحال في باقي أشهر السنة.
صمود رغم الأزمات
وتنوع المنتوج الإعلامي المقدم في بدايات الملاحق الرمضانية في جريدة الاتحاد الاشتراكي ما بين نشر روايات على حلقات، وحوارات مطولة مع شخصيات وطنية ورجال المقاومة ومؤرخين إلى جانب ترجمات كتب، وكان نشر هذه المواد في حلقات متصلة يجذب القراء ويجعلهم ملتزمين بشراء الجريدة يوميا.
ويشير جماهري إلى أن الملحق الرمضاني ” كان فيه نوع من المصاحبة في الزمن والاستمرارية التي لا تخلو من تشويق ومتعة”.
ومع تأكيده على تراجع الشغف بقراءة الصحف مع ظهور عادات جديدة ومنافسين كثر وميل الناس نحو القراءة السريعة والخفيفة، يرى جماهري أن الملاحق الرمضانية بوصفها جزءا من عادات رمضان ما زالت مستمرة، وتثير بعض موادها شهية القراءة خاصة تلك التي تهتم بنشر مذكرات شخصيات مؤثرة في التاريخ المعاصر للمغرب أو تتطرق لبعض الزوايا في التاريخ المهمش أو تاريخ المذاهب والفصائل بالبلاد.
ورغم تضرر الصحافة الورقية بسبب الأزمات المتوالية وآخرها توقف الطبع بسبب جائحة كورونا وضعف التوزيع، فإنها تمسكت بنشر الملاحق الرمضانية بوصفها تقليدا يميز الصحافة المغربية عن غيرها، ووسيلة لتقديم مواد إعلامية عميقة ومثيرة للنقاش ومغايرة للعمل اليومي.