شمال سوريا – بعد صمت استمر لأكثر من 3 أشهر، أعلن النظام السوري أخيرا ورسميا موقفه من مجزرة حي التضامن بدمشق والتي صُدم السوريون من مشاهدها المروعة، معتبرا أن التسجيل المسرب للمجزرة “مفبرك ومجهول المصدر ويفتقد لأدنى درجة الصدقية”.
وجاء تصريح النظام على لسان “مصدر رسمي مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين السورية”، وتضمن هجوما على الحكومة الفرنسية بعد إعلان وزارة خارجيتها حصولها على وثائق مهمة تتعلق بجرائم محتملة لقوات النظام السوري في حي التضامن بدمشق عام 2013.
ووفق المصدر السوري المسؤول، فإن “الحكومة الفرنسية تتحمل مسؤولية أساسية في سفك الدم السوري والجرائم التي ارتكبت بحق السوريين، والتي تصل إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتستوجب المساءلة السياسية والقانونية”.
قالت وزارة الخارجية الفرنسية يوم 12 أغسطس/آب الجاري إنها أحالت وثائق تتضمن صورا وتسجيلات مصوّرة للمجزرة التي ارتكبتها القوات الموالية للنظام السوري في حي التضامن بدمشق عام 2013، إلى مكتب المدّعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب.
وبحسب بيان صادر عن الخارجية الفرنسية، فإن الوثائق جاءت نتيجة جهد طويل للعديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، لافتا إلى أن هذه الجريمة يمكن أن تكون من أخطر جرائم الحرب.
وأكد البيان أن فرنسا “لا تزال في حالة تعبئة لضمان محاسبة المسؤولين عن أفعالهم أمام المحاكم، وتحقيق العدالة للضحايا شرط أساسي لبناء سلام دائم في سوريا بعد عقد من الجرائم المرتكبة ضد الشعب السوري”.
ويعتقد عضو هيئة القانونيين السوريين المحامي عبد الناصر حوشان أن تحقيقات السلطات الفرنسية ستنتهي بتوصيف المجزرة بأنها من جرائم الحرب الجسيمة التي تشمل القتل الممنهج والتعذيب.
وقال حوشان -في حديث للجزيرة نت- إن هجوم النظام السوري على فرنسا منبعه تخوفه من نتيجة التحقيقات وإمكانية لجوء السلطات الفرنسية إلى محكمة العدل الدولية، “علما بأن قراراتها ليست إلزامية، ولكنها تعتبر قرينة ودليلا لتعزيز ملف المحاسبة”.
ومنذ بداية الحراك الشعبي في البلاد ربيع عام 2011، دأب النظام السوري وإعلامه الرسمي على إنكار ورفض الاعتراف بخروج المتظاهرين في المدن السورية إلى الشوارع، كما يرفض مسؤولوه، وعلى رأسهم رئيس النظام بشار الأسد، الاعتراف بوقوع مجازر أو هجمات كيميائية على المدنيين رغم التقارير الحقوقية التي كشفت عنها.
ورأى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن إنكار النظام حدوث مجزرة التضامن بدمشق أمر غير مستغرب، معتبرا أن تصريحه اليوم هو خطاب موجّه للموالين له بعدما أثّرت المجزرة محليا وأحدثت ضجة وصدى كبيرين في الشارع السوري.
وأكد عبد الغني -في حديث للجزيرة نت- أن النظام السوري يعي تماما أن تصريحه ليس له أي قيمة قانونية أو حقوقية في إطار التحقيق، لافتا إلى أنه لم يكشف عن مصير الأشخاص الذين ظهروا في التسجيل المسرب.
وقال عبد الغني إن هنالك عشرات الأدلة تثبت وقوع المجزرة في حي التضامن، متسائلا عن “شرعية نظام لا يستطيع كشف مكان مواطنيه المختفين، إذا تم الافتراض بعدم تورطه في المجزرة”.
وكانت صحيفة “الغارديان” (The Guardian) البريطانية نشرت في أبريل/نيسان الماضي تحقيقا حول جرائم حرب ارتكبتها قوات النظام السوري في حي التضامن الدمشقي عام 2013.
ونشرت الصحيفة حينها تسجيلاً مصورا يظهر فيه عنصر من قوات النظام السوري وهو يعدم بالرصاص مدنيين تم اعتقالهم على الحواجز الأمنية بالمنطقة، ودفنهم في حفرة أعدّت مسبقا لذلك الغرض.
وهذا التسجيل ليس إلا واحدا من بين 27 تسجيلا مصورا لمجازر مماثلة قُتل فيها أكثر من 280 سوريا على يد عناصر من مخابرات النظام السوري، وفق تحقيق أعدّه الباحثان أنصار شحود وأوغور أوميت أونغور، العاملان في “مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية” بجامعة أمستردام الهولندية.
وبعد أيام من تسريب التسجيل، تعرّف عدد من ذوي الضحايا على أبنائهم، من بينهم والد الشاب الفلسطيني وسيم الصيام، الذي تم التعرف عليه من خلال طريقة مشيه بعد أن شاهد التسجيل المصور للمجزرة لأكثر من مرة ولاحظ أن هناك شخصا يجري بطريقة مألوفة بالنسبة له.