تخفيض أسعار النفط الروسي والإيراني.. كيف ينعكس على اقتصاد العراق؟
أدى تقديم كل من روسيا وإيران عروضا للصين والهند وخصومات على النفط الخام، إلى تزايد المخاوف بشأن مستقبل صادرات النفط العراقية، والتي يعتمد عليها بنسبة 95% في تمويل موازنته.
وكانت تقارير سابقة رجحت أن يكون العراق من أكبر الخاسرين في هذه المضاربات، مع تراجع الطلب على النفط العراقي بكل أنواعه، بعد أن كانت الصين والهند من أكبر المشترين له، بينما يرى آخرون أن ذلك يفتح أسواقا جديدة تزيد من أرباح العراق.
منافسة العراق
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد صدام، إنه من الطبيعي أن يقود قرار روسيا بتخفيض سعر برميل النفط المصدر إلى الهند والصين إلى تغير اتجاه الطلب الذي ارتفع بحدود 15.5% من روسيا مقابل انخفاض مستوى الاستيرادات النفطية من العراق بحدود 10.5%، كما جاء قرار التخفيض الإيراني بحدود 10 دولارات عن السعر العالمي ليشكل منافسا قويا للعراق.
وبيّن صدام للجزيرة نت أن هذا التغير في مستوى الطلب لا يعني التخلي عن باقي الأسواق النفطية لا سيما السوق العراقي الذي يعد المصدر الثاني للهند بعد السعودية، ورغم تخفيض أسعار النفط فإن الحصة المستوردة من روسيا لا تمثل سوى 19% من حجم الطلب الهندي الكلي المقدر بنحو 5 ملايين برميل يوميا، إذ تستورد الهند ما يقارب 950 ألف برميل يوميا من روسيا، وتستورد الصين منها 860 ألف برميل يوميا و700 ألف برميل يوميا من إيران.
ويضيف صدام أنه وفقا لهذه الظروف، فلا يوجد أمام العراق خيار آخر سوى تنويع منافذ التصدير وخاصة نحو القارتين الأوروبية والأميركية، إذ تشير التقديرات إلى أن الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة ارتفعت بحدود 11% على إثر ذلك.
ويرى أن وضع العراق قبل وبعد الأزمة الأوكرانية ما يزال جيدا على الرغم من انحسار الطلب الآسيوي على نفط العراق، لكن النقطة المهمة في هذا الصدد -بحسب صدام- أنه حتى مع تخفيض الأسعار من قبل روسيا ستبقى هناك عوائق فنية واقتصادية، وفي مقدمتها طول المسافة والوقت المستغرق مما يحد من عدد براميل النفط المستوردة من روسيا، وهذا يعني أن انخفاض حصة العراق في الصادرات النفطية إلى الصين والهند لن يكون كبيرا.
عوامل الانخفاض
من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت كاظم القريشي بأن أسعار النفط بشكل عام ارتفعت في البداية بسبب الحظر على روسيا، ثم انخفضت أسعارها بسبب الركود الاقتصادي في أوروبا والعالم.
وينوه القريشي في حديثه للجزيرة نت، إلى أن أسواق النفط ما تزال غير مستقرة لوجود عوامل سلبية وإيجابية مؤثرة، ولهذا لا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه سوق النفط المرتبط بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها.
ويشير إلى أن التنافس بين المنتجين يقود لتخفيض الأسعار، وكذلك الضغوط الأميركية على أوبك قد تترك أثرا بسيطا رغم رفض السعودية والإمارات لضغوط الرئيس الأميركي جو بايدن.
أزمة مرتقبة
بدوره، يحذر أستاذ الاقتصاد الدكتور عبد الرحمن المشهداني من حدوث أزمة جديدة، لذا لا يجب التفاؤل بارتفاع أسعار النفط الحالية كونها غير حقيقية، وبالتالي ينبغي على الحكومة العراقية أن تعمل ضمن الحدود المعقولة.
ويضيف للجزيرة نت أنه يتابع موضوع النفط وأسعاره منذ الأزمة الأولى عام 1979 عندما ارتفع سعر النفط وتجاوز 30 دولارا للبرميل الواحد، ثم بعد ذلك أعقبه انهيار في عام 1984-1985، ثم تستمر الدورة كل 4-5 سنوات، فيحصل انهيار للأسعار بدوافع اقتصادية بالدرجة الأساس.
ويعتقد المشهداني وفق حساباته أن تحصل أزمة جديدة عام 2024، ولكن المستجدات السياسية والعقوبات الأميركية على روسيا قد يجعل الأزمة تحصل في العام المقبل لأسباب عديدة منها التنافس بين المنتجين.
ويوضح أستاذ الاقتصاد أنه عندما تبيع روسيا أقل بنسبة 35% عن السعر العالمي إلى الصين والهند، على حساب الدول المنتجة في الخليج العربي والعراق، ما يجعل هذه الدول تضطر إلى تخفيض أكبر بغية المنافسة، بسبب تشابه أنواع النفط ومواصفاته بين روسيا وهذه الدول.
ويضيف أسبابا أخرى تتعلق بالنفقات التشغيلية وعودة مخاطر جائحة كورونا والتضخم الذي تشهده أوروبا وأميركا والذي زاد على 9%، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الوقود وتقليل استخدام السيارات ووسائل النقل من أجل تقليل الكلف، ما قد يؤدي إلى تقليل الطلب على النفط.
ويرجح المشهداني أن تكون درجات الضرر من الأزمة النفطية المقبلة متفاوتة، حيث إن دول الخليج حصّنت نفسها بصناديق سيادية تلجأ إليها لتعويض النقص الطارئ في إيرادات النفط، لأنه نقص مؤقت لا يتجاوز سنة واحدة.
ويتابع بأن “العراق سيكون من أكثر الدول المتضررة إذا حصل أي انخفاض في الأسعار؛ بسبب توسع الإنفاق وغياب الصندوق السيادي والاحتياطات الحكومية، عدا احتياطات البنك المركزي”.
ويعرب عن اعتقاده بأن التقارب والإعلان الروسي الإيراني سيؤدي إلى انهيار كبير بالأسعار حيث يضخ هذان البلدان نحو 7 ملايين برميل يوميا في أسواق جنوب شرق آسيا على رأسها الصين والهند، فهما المستوردان الكبيران لهذا النفط.
ولا يستبعد المشهداني توجه العراق لأوروبا ليكون نفطه بديلا للروسي، مشيرا إلى أن ذلك سيلزم العراق بمجموعة من الأمور، منها تحمل تكاليف الشحن وضمان جودة المواصفات وكسب التنافس الدولي.
تفاؤل
من جانبه، يرجح الخبير النفطي حمزة الجواهري عدم ظهور تأثيرات تخفيض أسعار النفط الروسي والإيراني وانعكاساتها على اقتصاد العراق إلا بعد مرور عدة أشهر، ولن تكون كبيرة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يلفت الجواهري إلى أن كميات النفط التي يستهلكها العالم ثابتة، فعندما يتم منع وصول النفط الروسي أو الإيراني إلى أوروبا وتستقبله الصين والهند، ستبدأ أوروبا بالبحث عن بديل آخر، وربما يكون البديل العراقي أو السعودي هو الأنسب.
ويذكر الجواهري اتخاذ العراق مجموعة إجراءات للمنافسة، وقد تتغير كمية النفط التي تذهب من العراق إلى آسيا، كما ستقوم الصين والهند بإعادة تصدير كميات من النفط الثقيل والمتوسط باتجاه أوروبا، لكن بأسعار أعلى من التي وضعتها روسيا أو إيران، إضافة إلى الفروق السعرية بسبب بُعد المسافة من الصين والهند إلى أوروبا، وبالتالي سوف يربح العراق فرق المسافة، وربما خصما بسيطا جدا يجعل النفط العراقي منافسا للنفط الذي أعيد تصديره من الهند والصين باتجاه أوروبا.
ولا يعتقد الجواهري وجود أزمة اقتصادية تلوح في أفق العراق، بل هو مقبل على عائدات مالية أكبر من السابق نتيجة لبيع النفط، لكن المشكلة في طريقة إدارة المال العام وكيفية التصرف بهذا الفائض من الأموال التي سوف تأتي من عمليات تصدير النفط.