نيودلهي- لم تأتِ تصريحات المتحدثة باسم حزب الشعب الهندي الحاكم نوبور شارما، وكذلك المسؤول الإعلامي بفرع الحزب في العاصمة الهندية ناوين جيندال، المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم صدفة، بل جاءت ضمن سياق مألوف ومتكرر منذ عقود من خطاب الكراهية، وخاصة منذ وصول حزب الشعب إلى الحكم برئاسة ناريندار مودي في مايو/أيار 2014.
ويُعرف مودي بعدائه للمسلمين خاصة بعد أوامره للشرطة بعدم التعرض للهندوس خلال مذابح غوجارات في فبراير/شباط 2002، التي راح ضحيتها 69 مسلما، نصفهم أُحرقوا أحياءً. ووُصف مودي بعدها بـ”إمبراطور قلوب الهندوس”، وساعدته هذه الشهرة على الصعود في الحزب إلى أن رُشِّح لقيادته في انتخابات 2014.
كيف تصرف مودي بعد وصوله إلى الحكم سنة 2014؟
بعد وصوله للحكم مباشرة، أطلق مودي العنان لغلاة الهندوس لاضطهاد المسلمين والتضييق عليهم بشتى الطرق. وتجلى ذلك في قتل مئات من المسلمين بتهمة أكل لحم الأبقار أو ذبحها، والاعتداء على آخرين بتهمة حمل الهندوس على اعتناق الإسلام وإغراء الهندوسيات بالزواج بالمسلمين، ومعارضة حجاب الطالبات المسلمات، ومنع بيع اللحم الحلال، وإزالة الأسماء الإسلامية للمدن والقرى والشوارع ووضع أسماء هندوسية بدلا منها.
وكذلك تغيير الكتب المدرسية، وإزال أي مواد تشيد بالمسلمين وإدخال مواد مهينة لهم، وتعديل قانون الجنسية لحرمان ملايين المسلمين من الجنسية الهندية، والدعوة إلى إبادتهم، وهدم بيوتهم ومتاجرهم واقتحام أحيائهم.
من جهة أخرى، سعى مودي لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي بصورة خاصة، وسمحت له الإمارات بإنشاء معبد هندوسي في أبو ظبي، وعقدت معه معاهدة للتجارة.
كيف ردّت الهند على استنكار سياساتها بحق المسلمين؟
قالت الهند على لسان المتحدث باسم الحزب الحاكم إنها تحترم كل الأديان، وإن كل المواطنين الهنود أحرار في اعتناق أي معتقد يؤمنون به. ولم تتعرض البيانات الهندية الحزبية أو الحكومية لأي حكومة، لكنها خصّت باكستان ومنظمة التعاون الإسلامي بنقد لاذع، قائلة إن تصريح المنظمة بهذا الصدد ينم عن “ضيق العقل”، ووصفته بأنه “مغرض” و”مضلل” و”مؤذٍ”.
وقالت إن منظمة التعاون الإسلامي “تتبع خطة لتقسيم الناس لحساب عناصر لها مصالح”. وطلبت الخارجية الهندية، في تغريدة لها، من المنظمة “أن تمتنع عن التوجهات الطائفية وأن تُظهر الاحترام لكل الأديان”.
لماذا لم تهاجم الهند الدول التي انتقدت التصريحات المسيئة؟
نددت العديد من الدول مثل قطر والكويت والسعودية وإيران والبحرين والمالديف وعُمان والأردن وأفغانستان وليبيا وإندونيسيا، بتصريحات مسؤولي الحزب الحاكم، وطالبت بعض الدول سفراءها بتسليم رسائل احتجاج على ذلك. ولكن الحكومة الهندية لم تهاجم هذه الدول لأن مصالح كبرى تربطها بهذه المنطقة.
وبلغ حجم التبادل التجاري الهندي مع دول مجلس التعاون الخليجي وحدها 87 مليار دولار بين عامي 2020 و2021، إلى جانب وجود نحو 7.5 ملايين هندي للعمل في هذه الدول، يوفرون للهند عملة صعبة تُقدّر بـ40 مليار دولار في العام.
وتعتمد الهند على هذه المنطقة إلى حد كبير لتوفير حاجاتها من النفط والغاز. وهذا السبب في الرد سريعا بتعليق عضوية المتحدثة باسم الحزب لست سنوات، وطرد المسؤول الآخر منه. وإن كان مراقبون يرون أن هذا إجراء مؤقت، وأن المسؤوليْن سيعودان إلى بعض المواقع القيادية حين تهدأ الأمور.
يقول المفكر السياسي براتاب بهانو ميهتا إن انتقادات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة لانتهاكات حقوق الإنسان في الهند لم تؤثر في حكومتها، في حين أن احتجاجات “دول صغيرة” جعلتها تتخذ بعض الإجراءات.
ولكن ميهتا يعتقد أن هذا لن يغير من سلوك الحزب الحاكم، ووصف ما جرى بأنه “نصف انتصار”، إذ قد تعود الأمور إلى مجاريها سريعا.
هل هذا الرد هو الأول من نوعه؟
لا، فقد سبق للدول العربية والإسلامية أن أظهرت ردا مماثلا عندما هدم غلاة الهندوس مسجد البابري في السادس من ديسمبر/كانون الأول 1992. وكانت حجة الحكومة الهندية آنذاك أن هذا “عمل الغوغاء” ولا علاقة لها به، رغم أن تجمع نحو نصف مليون من غلاة الهندوس عند المسجد قبل هدمه لم يكن ليتم من دون إذن الحكومة.
ثم إن كتائب الجيش والشرطة الموجودة بالمكان بحجة حماية المسجد لم تتدخل عندما بدأ عناصر الهندوس بهدمه، واستمروا في عملهم طوال النهار، ولم ينسحبوا إلا بعد إقامة معبد هندوسي مؤقت فوق أرض البابري.
كيف كانت مواقف أحزاب المعارضة الهندية؟
طالبت أحزاب المعارضة مثل “دي إم كيه” والرابطة الإسلامية وحزب الإنسان العادي ومجلس اتحاد المسلمين باعتقال المسؤولَيْن بالحزب الحاكم. ودعا بينارى فيجايان كبير وزراء ولاية كيرالا الحكومة المركزية بمعاقبة “الذين ينشرون دعاية الحقد”.
ورحب مجلس الأحوال الشخصية الإسلامية باستبعادهما، ولكنه قال إن هذا لا يكفي، بل لابد من اتخاذ إجراءات قانونية ضدهما. وهدد مجلس اتحاد الملة بتسيير مظاهرات في أنحاء الهند في العاشر من يونيو/حزيران الجاري إذا لم يُتخذ إجراء قانوني ضد مسؤولَي الحزب.
ومن جهة أخرى، خرجت مطالبات على منصات التواصل الاجتماعي لمقاطعة الخطوط الجوية القطرية. وقالت “المنظمة الهندوسية العالمية” إن مشاعر الهندوس أهينت حين وُصِف العضو التناسلي “للإله شيفا” بأنه نافورة في مسجد غيان وابي بمدينة واراناسي. وتحت هذه الحجة يسعى الهندوس للاستيلاء على مسجد غيان وابي.
هل تم اتخاذ إجراء قضائي ضد الذين أدلوا بالتصريحات المسيئة؟
ادعى سفراء الهند في دول الخليج أن الذين أدلوا بتصريحات هم “عناصر هامشية”، رغم أن المسؤولة التي أدلت بالتصريح متحدثة رسمية للحزب الحاكم، والآخر رئيس المكتب الإعلامي للحزب نفسه في العاصمة الهندية.
ولم تسجل الحكومة أي قضية ضد هذين المسؤولين لتتم محاكمتهما بالإساءة إلى الدين الإسلامي وإلى الوئام الطائفي، وهي جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات الهندي (المادتان 505 و153/أ) بغرامة وسجن قد يصل إلى 3 سنوات. بالمقابل، يقبع مئات المسلمين في السجون الهندية بتهم الإساءة للهندوس أو حملهم على اعتناق الإسلام أو الزواج بهندوسيات.
ومع عدم تعامل الحكومة الهندية قضائيا مع مسؤولَي الحزب الحاكم، قام مواطنون فى بومباي ودلهي وحيدر آباد بتسجيل قضايا لدى الشرطة ضدهما بتهمة إساءتهما لمشاعر المسلمين الدينية.
كيف عاملت الهند الاحتجاجات المنددة بالتصريحات المعادية للمسلمين؟
خرجت مظاهرات فى مدينة كانبور في الثالث من يونيو/حزيران الحالي ضد تصريحات المسؤولَين بالحزب الحاكم، تصدى لها غلاة الهندوس تحت حماية الشرطة. وجرى تفريق المظاهرة بالقوة على أيدي الشرطة التي اعتقلت نحو 40 مسلما، مع تسجيل قضايا ضد 800 آخرين تحت بند “الأمن القومي”، مما يعني أن المعتقلين لن يتمكنوا من الحصول على الإفراج بكفالة لسنوات، إذ إن المحاكم تتريث كثيرا في الإفراج عن أشخاص معتقلين تحت بنود الأمن القومي أو الإرهاب. وأعلنت الشرطة أنها ستصادر أملاك قادة المظاهرة، وسط أنباء عن نوايا لهدم منازلهم أيضا.
ما آخر إجراءات التضييق على المسلمين الهنود؟
منذ أسابيع برزت مطالبات بتحويل مساجد أثرية إلى معابد هندوسية. ويحرك الهندوس دعاوى قضائية متكررة، مطالبين بالحفر في أساسات المساجد بزعم إقامتها على أنقاض معابدهم قبل مئات السنين.
وتقبل المحاكم هذه القضايا، رغم وجود قانون هندي صدر عام 1991، يضمن بقاء كل أماكن العبادة (ما عدا مسجد البابري) على الوضع الذي وجدت فيه يوم الاستقلال في أغسطس/آب 1947.
ويعتقد المراقبون أن الجماعات الهندوسية زادت من دعاويها ضد المساجد بعد أن تمت لها السيطرة نهائيا على أرض مسجد البابري بأمر المحكمة العليا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، التي أعطت أرضه للطرف الهندوسي رغم اعتراف المحكمة نفسها في حيثيات الحكم بأنه كان مسجدا لـ500 عام، وأن التماثيل وضعت فيه في ديسمبر/كانون الثاني 1949.
وعقب السيطرة على أرض مسجد البابري وهدمه، أعدّت الجماعات الهندوسية قائمة بثلاثة آلاف مسجد يطالبون بتحويلها إلى معابد، مما يعني أن التضييق على مسلمي الهند آخذ في التصاعد.