آثار ضربة صاروخية على تقاطع شارعين رئيسيين وسط مدينة كييف (الجزيرة)

آثار ضربة صاروخية على تقاطع شارعين رئيسيين وسط مدينة كييف (الجزيرة)

كييف- بدا التقاطع بين شارعي “بولفار شيفتشينكو” و”فلاديميرسكا” وسط العاصمة “كييف”، اليوم الاثنين، مسرحا لإحدى عمليات القصف الروسية. فبالإضافة إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 24 في المكان وقريبا منه، تضرر نحو 40 مبنى في الجوار بسبب موجة الانفجار الواسعة.

ومن تلك المباني المقر الرئيس لجامعة الأديب “تاراس شيفتشينكو” وهي واحدة من أكبر وأشهر جامعات أوكرانيا، وكذلك متحف كان فيما سبق أول مقر للبرلمان.

 

وهنا على الأرجح، سيذكر الأوكرانيون طويلا تاريخ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2022، الذي قد يكون بداية مرحلة جديدة يكتبها التاريخ لحرب شنتها روسيا على بلادهم.

وعادت صباح الاثنين أجواء الحرب الثقيلة خلال فبراير/شباط ومارس/آذار إلى كييف وكثير من مدن البلاد، حتى تلك التي كانت بمنأى عن الاجتياح البري والقصف العنيف في مناطق الوسط والغرب.

فخلال أقل من 3 ساعات، وبحسب بيانات عسكرية، تعرض 21 موقعا في 15 منطقة لعمليات قصف بواسطة صواريخ بعيدة المدى أطلقتها طائرات حربية روسية من أجواء بحر قزوين، وبواسطة مُسيرة “إيرانية الصنع” أطلقتها من أراضي بيلاروسيا شمالا، وشبه جزيرة القرم المحتلة جنوبا.

فرق الخدمات عملت طويلا على إزالة مخلفات القصف من شوارع ومباني وسط العاصمة كييف
إزالة مخلفات القصف الروسي من شوارع ومباني وسط العاصمة كييف (الجزيرة)

دمار وعودة إلى الملاجئ

وجّهت القوات الروسية 84 صاروخا نحو 29 موقعا للبنية التحتية، رغم إعلان هيئة الأركان الأوكرانية اعتراض 43 منها، وهو ما أدى إلى انقطاع التيار الكهرباء وإمدادات المياه عن أرجاء واسعة من البلاد، ودمار واسع لحق بشوارع ومبان سكنية.

ولم يستطع السكان في كييف التعامل مع الأمر إلا بمنتهى الجدية هذه المرة، بعد أن ظنوا -على مدار الشهور الماضية- أن الحرب قد ابتعدت عنهم، فعادوا إلى حياتهم وأعمالهم بصورة طبيعية إلى حد ما. لكن العودة أمس كانت إلى الملاجئ وأقبية المباني السكنية.

 

وسرعان ما انقلب حال المدينة كلها رأسا على عقب، لتصبح خالية تقريبا ومقطعة الأوصال بسبب الإجراءات الأمنية في بعض أحيائها، وباتت معظم محلاتها مغلقة.

كما توقفت حركة مترو الأنفاق تماما، وتحولت محطاتها مجددا إلى ملاجئ مكتظة بالآلاف من السكان في الجوار، ومن لم يصلوا إلى أعمالهم ووظائفهم.

حتى أن سفيرة ألمانيا آنكا فيلدهاوزين غرّدت على تويتر من أحد الملاجئ، لأن الخوف من القصف شملها وطال طاقم سفارتها وباقي السفارات الأجنبية، على ما يبدو، وإن كانت قد عبرت من خلال تغريدتها عن “الاندهاش بهدوء السكان” مستخدمة وسم “نقف مع أوكرانيا”.

 

 عودة الطوابير دون نزوح

وكذلك عادت مشاهد الطوابير سريعا أمام محلات بيع المواد الغذائية المغلقة، منتظرة فترات انتهاء الإنذارات الجوية، وفي الداخل نفدت سريعا المواد الأساسية، من خبز وطحين وزيت وسكر وملح وغيرها.

وأمام محطات الوقود المغلقة، تشكلت طوابير مماثلة لسيارات انتظرت طويلا انتهاء حالات الإنذار وملء خزاناتها بوقود بات متوفرا لكن بيعه ممنوع أثناء الخطر.

 

لكن الفارق الرئيس بين تطورات الأمس وبدايات الحرب أن كييف لم تشهد موجة نزوح تُذكر، وكانت حركة المركبات طبيعية عند مداخلها ومخارجها، وإن تراجعت نسبيا.

وهنا في كييف، يعيش المواطن فلاديسلاف منذ سنوات، وهو نازح سابق عن منطقة دونيتسك منذ 2014، قال للجزيرة نت “الخوف كبير، لكن تجربة النزوح مؤلمة وصعبة. اضطررنا لخوضها بداية الحرب الراهنة، ولكنني لن أكررها ما دام الاجتياح البري غير وارد”.

وأضاف “جنونهم (الروس بالقصف العنيف) دليل ضعف لا قوة. لقد خسروا الكثير من أوراقهم ولم يبق لديهم إلا ارتكاب الفظائع وتهديد العالم بالسلاح النووي، لكن النتيجة حتمية وهي انتصار أوكرانيا ونهاية بوتين”.

ويبدو أن الأوضاع تتجه فعلا نحو تصعيد غير مسبوق، فقد تجددت عمليات القصف الثلاثاء على مختلف المناطق. ولأول مرة منذ بداية الحرب، بعثت خدمة الطوارئ الحكومية رسالة قصيرة إلى السكان بأن “التهديد بضربات صاروخية مستمر على مدار اليوم”.

القصف ألحق أضرارا كبيرة بكييف وقطع أوصال بعض أحياء وسطها بالإجراءات الأمنية
القصف ألحق أضرارا كبيرة بكييف وقطع أوصال بعض أحياء وسطها (الجزيرة)

انتقام ورسائل

وفي حين تبرر روسيا هذا القصف المكثف واسع النطاق كـ “إجراء انتقامي” بعد اتهام جهاز أمن الدولة الأوكراني بتفجير “جسر القرم” يرى أوكرانيون أنه يحمل رسائل كثيرة للداخل والخارج.

ويتساءل سيرهي سومليني، الرئيس السابق لفرع مؤسسة “هاينريش بول” القانونية الألمانية في كييف، في تغريدة على تويتر، عن ردة فعل المسؤولين في برلين بعد أضرار لحقت بمكتب التأشيرات التابع للقنصلية الألمانية جراء القصف.

 

يقول أوليكسي كوشيل، رئيس مؤسسة “الخيارات الأوكرانية” للدراسات الإستراتيجية “واضح أن القصف يحمل رسائل تحذيرية، فالأهداف الروسية لم تكن عسكرية كما قال بوتين، لكنها كانت على محطات طاقة، وقريبة من مقرات حكومية وأماكن مكتظة بالمدنيين. وبالتالي قد يكون القادم أسوأ من وجهة نظر الروس”.

ويؤيد -في حديثه للجزيرة نت- تصريح رئيس مجلس الأمن والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف حول أن “هجوم روسيا الإرهابي لن يخيفنا وهو دليل على اقترابها من الهزيمة”.

ويقول “قد لا تكون بداية تصعيد لصالح روسيا، بل بداية هزيمة لها، حتى وإن كان ذلك صعبا علينا ومكلفا. وقد رأينا ردود الفعل الغربية التي تسارع اليوم لتزويدنا بنظم الدفاع الجوي المتطورة، ومنها الألمانية، بعد أن وصلتها -عمليا- رسالة تهديد روسية واضحة، لها وغيرها من دول أوروبا الداعمة لكييف”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author