تكرار ظاهرة انهيار العقارات في مصر وسط تساؤلات عن دور أجهزة الحكم المحلي (الجزيرة)

تكرار ظاهرة انهيار العقارات في مصر وسط تساؤلات عن دور أجهزة الحكم المحلي (الجزيرة)

القاهرة – بعد أقل من يوم واحد على انهيار عقار بمحافظة الجيزة غرب القاهرة، انهار عقار آخر بالإسكندرية شمال مصر، في مشهد متكرر لا يمكن توقعه أو إيقافه؛ بسبب وجود آلاف العقارات الآيلة للسقوط، الصادر بشأنها قرارات إزالة في عموم البلاد.

الحادثان اللذان وقعا الأسبوع الماضي، أسفرا عن مقتل 4 أشخاص وإصابة عدد آخر؛ حيث إن الحادث الأول وقع عندما انهار عقار سكني مكوّن من خمسة طوابق بمنطقة إمبابة شمال محافظة الجيزة، بينما وقع الحادث الثاني بمنطقة الدخيلة التابعة لحي العجمي غرب الإسكندرية.

 

وكشفت تحقيقات النيابة الإدارية أن العقار الأول صادر بشأنه قرار ترميم وقرارات إخلاء من السكان، والعقار الآخر غير مرخص وصادر بشأنه قرار إزالة، وكلاهما من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط.

الحادثان أعادا السؤال المُلّح: كيف يمكن وقف ظاهرة انهيار العقارات المعرضة للسقوط في أي لحظة، خاصة مع وجود نحو 100 ألف عقار آيل للسقوط منتشرة في أنحاء الجمهورية، وفق آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي)؟

أبعاد الأزمة وصعوبتها

يقول خبراء ومعنيون إن الأزمة تنقسم إلى جزأين، الأول: يتعلق بالعقارات القديمة المتهالكة التي لا يتم هدمها واستبدالها بأخرى جديدة، نظرًا لارتفاع تكلفة الهدم والبناء، والثاني: يتعلق بالعقارات المخالفة في الارتفاع وعدم اتباع إجراءات البناء السليمة والصحيحة، ورفض سكانها مغادرتها لعدم وجود بدائل.

وفي ظل غياب دور أجهزة الحكم المحلي –المسؤولة عن تراخيص البناء ومتابعتها- فضلًا عن اتهامات بالفساد بالمحليات؛ ظهر أكثر من 150 ألف عقار مخالف خلال العقد الأخير على مستوى محافظات الجمهورية، بينها 3700 عقار يمثّل خطورة داهمة، أغلبها في القاهرة الكبرى والإسكندرية، حسب تقارير نشرتها الصحافة المحلية.

كما تشير إحصاءات حكومية أخرى إلى وجود 3 ملايين و233 ألفًا و635 مبنى بحاجة إلى ترميم، بين قليل ومتوسط وكبير، وتقع أغلب هذه المباني في الريف، الذي يستحوذ على 69.4% من عدد المباني على مستوى الجمهورية.

 

وهو ما أشار إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي -خلال إحدى مداخلاته التفلزيونية في فبراير/شباط 2021- بالقول إن نصف المباني السكنية في مصر عشوائية، وإنها تحتاج إلى 4 تريليونات جنيه (نحو 250 مليار دولار حينها) لهدمها.

وأوضح أن سبب المشكلة هو غياب الدولة سنوات طويلة، والفساد الإداري والتنظيمي، وحجم الطلب على المساكن الذي يصل إلى مليون وحدة سنويًا. وأكّد السيسي أنه لا يستطيع هدم المباني المخالفة؛ لأن توفير البديل يحتاج في مدينة مثل الإسكندرية فقط، إلى مليون وحدة سكنية تصل تكلفتها إلى 400 مليار جنيه (25.5 مليار دولار في وقتها).

مع وجود هذا العدد الكبير من المنازل المهددة بانهيارها فوق رؤوس سكانها لأسباب تتعلق بسلامة العقار، بات هؤلاء من المحكوم عليهم بالموت مع تعليق التنفيذ، في ظل غياب البدائل أمام الكثيرين للنجاة بأنفسهم وأسرهم.

بناء جديد ووضع صعب التغيير

في هذا السياق، يرى رئيس شعبة البناء باتحاد الغرف التجارية أحمد الزيني، أن الدولة تعمل على الحد من انهيار العقارات الناجم عن وجود عيوب فنية وسوء استخدام مواد البناء وتجاوز الارتفاعات المقررة، وذلك من خلال قانون البناء الجديد الذي يضع معايير بناء لا يمكن الحياد عنها.

وأوضح الزيني للجزيرة نت، أن غالبية الانهيارات تعود لعقارات قديمة متهالكة لم تخضع للصيانة، أو عقارات جديدة مخالفة في الارتفاعات ومواد البناء، مع الأخذ بعين الاعتبار غياب دور المحليات في الرقابة والمتابعة.

ودعا الزيني إلى ضرورة حصر المنازل المتصدعة والآيلة للسقوط في كل المحافظات، وتوجيه إنذار بإخلاء العقار مع إلزام الملاك بصيانتها أو قطع الخدمات عنها، ولكن الإجراءات البيروقراطية تحول دون تنفيذ هذا الأمر، بحسب اعتقادته.

أزمة عصية على الحل

بدوره، توقّع عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء محمد عبد الرؤوف استمرار انهيار العقارات السكنية، وقال إن هذه الأزمة مستمرة ولا يمكن وقفها؛ لأن الكثير من العقارات السكنية القديمة يحكمها قانون إيجار قديم.

 

وأضاف عبد الرؤوف إن ذلك القانون يكبّل يد المالك في إجراء أي صيانة لها؛ لأن الكثير منها قيمتها الإيجارية بضعة جنيهات وملكيتها تفرّقت بين ورثة كثر، ومن ثمّ يجب تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر للحد من أزمة الانهيارات.

وأشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى ما وصفه بالتخبّط الواضح بشأن قانون التصالح في مخالفات البناء، ما يطيل من أمد الأزمة.

وأثار عبد الرؤوف مسألة غياب الأرقام الخاصة بحصر العقارات التي تشكل تهديدًا حقيقيًا على المواطنين للوقوف على حجم المشكلة، ومراعاة خصائص كل محافظة ومنطقة عند إصدار قانون التصالح في مخالفات البناء حتى يمكن تطبيقه.

ويلقي عدد من نواب البرلمان باللوم على سوء إدارة ملف العقارات المخالفة من قبل المحليات في المحافظات المختلفة وغياب الرقابة؛ الأمر الذي أدّى إلى زيادة المباني المخالفة، وانهيار العقارات وارتفاع الأدوار المخالفة للعقارات.

4 مسارات للحد من الانهيارات

وتقول الحكومة المصرية إنها أخذت على عاتقها وقف نزيف انهيار العقارات من خلال مسارات عدة، أبرزها: القضاء على العشوائيات والمناطق السكنية الخطرة، وبناء مساكن بديلة للمواطنين، ما يسهل عليهم الانتقال إلى مكان آخر وترك منازلهم.

وتعهّدت الحكومة بإعلان مصر خالية من المناطق العشوائية مع نهاية عام 2021، لكنه لم يصدر بيان رسمي بهذا التعهّد بعد، إلى جانب خلوها من المناطق غير المخطّطة في 2030، وذلك في إطار جهود توفير سكن آمن وكريم لكل المصريين. واستفاد 1.2 مليون مواطن من تطوير المناطق غير الآمنة، التي بلغ عددها 357 منطقة في 25 محافظة، بإجمالي 246 ألف وحدة سكنية، بتكلفة بلغت 63 مليار جنيه (4 مليارات دولار حينها)، وهي تكلفة المشروعات والقيمة التقديرية للأرض، حسب التقرير الحكومي.

 

المسار الثاني، إجراء حصر لكل العقارات المخالفة والقديمة والمتهالكة والآيلة للسقوط في كل محافظة، تمهيدًا لاتخاذ إجراءات بشأنها، ومتابعة هدم العقارات الصادر بشأنها قرارات إزالة، لكن هذا المسار يتّسم بالبطء في التنفيذ، ويواجه الكثير من العراقيل أبرزها: عدم وجود بدائل للسكان، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

المسار الثالث، بناء المزيد من المدن الجديدة، وتوفير وحدات سكنية تناسب جميع الشرائح المجتمعية، حيث تقول وزارة الإسكان إنه تم توفير 2.8 مليون وحدة سكنية، من عام 2014 إلى 2022، وفّرت الدولة منها 1.2 مليون وحدة. كما تستهدف الوزارة تنفيذ 950 ألف وحدة سكنية جديدة، خلال الـ 3 سنوات القادمة، بإجمالي استثمارات 450 مليار جنيه، (الدولار = 24.45 جنيه).

المسار الرابع والأخير، العمل على إصدار قانونين، هما قانون البناء الموحّد، وقانون التصالح في مخالفات البناء منذ عام 2019، والذي تم إعادته للبرلمان لإجراء تعديلات بعد اكتشاف صعوبات في تطبيقهما، وسط انتقادات برلمانية ومجتمعية للتأخّر في إصدارهما، وعدم طرحهما للنقاش المجتمعي بشكل واف وكاف.

ومنذ ذلك الحين، أوقفت الحكومة إصدار تراخيص البناء في عموم البلاد باستثناء المدن الجديدة لحين إصدار تعديلات جديدة على قانون البناء الموحّد الذي يهدف إلى وضع اشتراطات فنية، وتحديد معايير هندسية لضمان السلامة الإنشائية للمبنى، ووقف البناء العشوائي وسرعة مواجهة المخالفين.

وقال السيسي نهاية العام الماضي خلال افتتاح مدينة أسوان الجديدة إن “الدولة سوف تظل تبني 10 سنوات قادمة، ولن يسمح بالبناء مرة أخرى لحين عمل آليات منضبطة بشأن تراخيص البناء”. وأضاف أنه لا توجد آليات منضبطة، وهذا ليس عيب المحافظ أو الوزير، وألقى باللوم على ما أسماه بالثقافة الشعبية التي امتدّت وخرجت عن السيطرة، وأصبحت ممارسات يصعب بالوسائل التقليدية والنظم مواجهتها.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة

About Post Author