السليمانية- ابتكر الفنان العراقي الشاب ياسين عبد الرحمن (27 عاما) مسارا مغايرا عن أقرانه في عالم الرسم، وذلك عبر رسم لوحات ثلاثية الأبعاد تحمل طابعا إنسانيا على الجدران والأرضيات والطرق والأماكن العامة، مما يجعله صاحب أول بصمة في إدخال هذا النوع من الرسم إلى مدينته في قضاء رانيه بمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق.
واقعية بخدع بصرية
تحمل لوحات عبد الرحمن لمسات إبداعية مغايرة عن أعمال أقرانه؛ فأسلوبه قريب إلى الواقعية الممزوجة بخدع بصرية أكثر منه إلى الرسم، فهو يجمع بين التفاصيل والظلال والتكوين والمنظور، فعليك أن تلمس اللوحة بيديك أحيانا لتتأكد من أنها مجرد لوحة فنية وليست حقيقية كما تبدو لك عند النظر إليها.
وإلى الجانب الإبداع في أعماله، لم يغب الطابع الإنساني عن لوحات الشاب العراقي -الحاصل على البكالوريوس في الشريعة من كلية العلوم الإسلامية من جامعة السليمانية عام 2016- فلوحاته المكتظة بالحياة والتوعية والسلام والحفاظ على الصحة أصبحت محل نظر المارة في الطرق الرئيسية العامة.
ولا يحصر عبد الرحمن لوحاته في زاوية الرسم فقط، إذ إنه يحاول أن يقدّم رسالة ذات أبعاد إنسانية، ففي إحدى لوحاته مثلا يُحفز المُدخنين على ضرورة استبدال السيجارة بفرشاة أسنان، للتحذير من مضار التدخين على الصحة ومنافع الفرشاة.
شهد عام 2013 أولى خطوات الشاب الفنان في عالم الرسم عندما انخرط في مجموعة فنية تضم شبابا هواة، إلا أن غياب الدعم المالي شلّ المجموعة، وحلّها لاحقا، لكن ياسين قرّر عدم الاستسلام وإزالة كل صخور المصاعب من طريقه بفرشاة لوحاته، فراح يرسم هنا وهناك، ويأتي بالجديد والإبداع، وما هو مُثير فنيا في أي عمل يُنجزه، حتى صار له جمهوره واسمه في مدينته، مع استمراره في إكمال دراسته الجامعية.
المكان قبل الفكرة
في بداية أي عمل فني، يختار الشاب المكان أولا، ومن ثمّ يحدد الفكرة، وبعدها يقوم بتطبيقها على أرض الواقع من خلال الرسم، ويحاول دائما أن يبث رسائل تربوية وتوعوية وإنسانية من خلال أعماله، بالابتعاد عن المظاهر السلبية التي تهدم المجتمع مثل تدخين الأرجيلة والسجائر واستخدام السلاح وعدم المُطالعة وممارسة الرياضة وغيرها.
يختار ياسين عادةً الأماكن البارزة، مثل الطرق الرئيسية والجامعات والحدائق العامة لتكون مركزا للوحاته ثلاثية الأبعاد، إلا أن أكثر عمل شكل منعطفا مهمًا في مسيرته القصيرة أنه استطاع أن يرسم مكتبة داخل سجن للنساء دعما للقراءة والمُطالعة وتحفيزا على استغلال الوقت بما هو إيجابي ومفيد.
وجد الشاب العراقي في الفن الوسيلة الأفضل والطريق الأقصر لإظهار الوجه الإيجابي للأشياء إلى الناس، فهو يريد أن يقول إن القلم أفضل من السلاح، فالثاني يفتك بالأرواح لكن القلم يزيد المعرفة والعلم، ويحوّل الإنسان من كائن هامشي إلى مُنتج.
غياب الدعم المالي يُدخل الشاب بين الحين والآخر في مطبّات تؤخر إنجازاته الفنية كثيرا، وهو الطامح إلى الخروج من المحلية إلى العربية والعالمية بمشاريع لم ترَ النور بعد، فهو ما زال طائرا مهاجرا في مدينته يبحث عمن يمد له يد المساندة لتوسيع طموحه الذي لم يتحقق حتى الآن إلا الجزء اليسير منه.
اتباع الإجراءات الروتينية من أجل الحصول على موافقات لرسم لوحة في مكان عام بتقديم طلب وشرح مفصل عن فكرة العمل ومضمونه إلى الجهات المعنية يُعقد التنفيذ أكثر بالنسبة للفنان الشاب، إذ تم رفض فكرة إنجاز عمل فني في أحد الأماكن العامة لعدم استيعاب البُعد الفني والإبداعي للعمل المُقدم من قبل الشخص المعني بالموافقة عليه، كما يقول ياسين للجزيرة نت.
تصل تكلفة تنفيذ بعض اللوحات إلى نحو 1500 دولار أميركي، لكن في أحيان أخرى لا تتجاوز الكُلفة 20 دولارا أميركيا، ويعتمد ذلك على طبيعة المواد المستخدمة، وحجم اللوحات، ويصرف هو عادة شخصيا من ماله الخاص لتوفير المستلزمات.
خارج المألوف
تمثل موهبة ياسين خطوة جديدة في عالم رسم لوحات ثلاثية الأبعاد، واستطاع أن يكون صاحب الفضل في إدخال هذا الفن إلى قضاء رانيه، وفقا للكاتب والصحفي ملبند غازي، الذي يقول إن هذا الشاب جاء بما هو خارج المألوف لمدينته.
ويؤكد غازي (وهو مالك محطة محلية في قضاء رانيه) للجزيرة نت ضرورة أن يتلقّى ياسين الدعمين المادي والمعنوي الكاملين ليخرج من المساحة المحلية إلى العربية والعالمية ومساندته للمشاركة في معارض دولية لأنه يحمل الكثير من الأفكار والأعمال المميزة.
أما الناشط شيروان عبدول فيرى أن لوحات الفنان الشاب لا تختلف عن وظيفة أي مرشد تربوي؛ فالأول يخاطب الناس ويُوعيهم من خلال لوحاته وفنه، والثاني من خلال محاضراته وعلمه.
ويُحذر الناشط المدني في حديثه للجزيرة نت من ضياع موهبة الفنان الشاب وهدرها في حال لم تلتفت الجهات المعنية إليه، فهو ما زال في مقتبل عمره، وضائع بين إيجاد لقمة العيش لعائلته، وتطوير فنه وطموحه والاستمرارية والوصول إلى العالمية.