القاهرة- يبوح المتحف الجيولوجي في مصر بخبايا وأسرار تاريخ الحفريات في مصر، التي طالما خرج الحديث عن اكتشافات مذهلة تثير الجدل والشغف داخل الوسط العلمي وبين المهتمين بعلوم الأحياء في مصر والعالم.
فمصر كانت موطنا صاخبا يعجّ بالحياة منذ ملايين السنين لكائنات حية منقرضة كالديناصورات التي يتضح وجودها من الرفات والحفريات بين الحين والآخر خلال البعثات الاستكشافية المختلفة.
قصة الديناصور هابيل
وتوصل الباحث بمركز المنصورة للحفريات الفقارية التابع لجامعة المنصورة بلال سلام في التاسع من يونيو/حزيران الجاري، بالتعاون مع باحثين بجهاز شؤون البيئة، ومركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية؛ إلى اكتشاف فقرة عنقية لديناصور من فصيلة تسمى أبيلوصوريد، والمعروف باسم “ديناصور هابيل” (Abelisauridae).
ويشبه هذا الديناصور إلى حد كبير ديناصور “تي ريكس”، أشرس الكائنات الحية آكلة اللحوم، التي عاشت بمنطقة الواحات البحرية بصحراء مصر الغربية، ويعود عمره حسب التقديرات إلى نحو 98 مليون سنة.
الديناصورات ومصر القديمة
وهناك علاقة بين الموقع الجغرافي لمصر ووجود الديناصورات بها منذ ملايين السنين، فلطالما كانت هناك مناطق تشكل بؤر تواجد البعثات العلمية من مصر وخارجها الساعية لكشف لغز تاريخ الكائنات المنقرضة؛ وهو ما تراه بوضوح حينما تزور المتحف الجيولوجي الذي أُنشئ عام 1901.
وبالتأكيد ستخطف انتباهك هياكل وعظام ديناصور باراليتيتان الكبيرة، وهو من الديناصورات آكلة الأعشاب، وكان يعيش في العصر الطباشيري المتأخر بمنطقة الواحات البحرية منذ نحو 95 مليون سنة، وهناك أيضا طائر أركيوبتركس، الذي يجمع بين صفة الطيور والزواحف، وهو طائر من ديناصورات الثيربودا وانقرض من نحو 150 مليون سنة.
ولا يقتصر الأمر على الديناصورات؛ ففي المتحف حفريات لحيوانات أخرى انقرضت من فصيلة الثدييات، مثل: جمجمة حوت باسيلوسورس إيزيس، وهي حفرية من وادي الحيتان، ويعود عمر هذا الحوت إلى عصر الأيوسيني الأوسط، من 37 إلى 42 مليون سنة، حسب تقديرات العلماء.
النطاق الجغرافي للاكتشافات
وقد يرى البعض أن تعايش كائنات حية مثل الديناصورات أو الحيتان في منطقة فقيرة الموارد وغير قابلة للحياة مثل الصحراء الغربية ضرب من الخيال، بالنظر إلى كونها محاطة بأرض شاسعة لا توجد بها سوى صخور ورمال.
إلا أن هذه الرمال والصخور كانت ولا تزال تبوح بأسرارها للبعثات الاستكشافية التي تحاول كشف النقاب عن خبايا تلك المناطق منذ أعوام طويلة.
وهناك علاقة بين الموقع الجغرافي لمصر وتواجد الديناصورات فيها منذ ملايين السنين، فلطالما كانت هناك مناطق تشكل بؤر تواجد البعثات العلمية من مصر وخارجها والساعية لكشف لغز تاريخ الديناصورات والحيتان القديمة.
ومن تلك البؤر المهمة صحراء مصر الغربية التي توجد بها منطقة الواحات البحرية التابعة لمحافظة الجيزة، والتي تقع على منخفض مساحته نحو 2000 كيلومتر بقلب الصحراء الغربية، ومرورا بمنطقة وادي الحيتان التابعة لمحافظة الفيوم، التي توجد ضمن نطاق الصحراء الغربية الجغرافي أيضًا وتغطي مساحة 1759 كيلومترا.
تاريخ التنقيب عن الديناصورات
يحملنا هذا للحديث عن تاريخ البعثات الاستكشافية للديناصورات في مصر، وكيف قامت ومتى بدأت.
فخلال رحلته الاستكشافية الثالثة بمصر عام 1911، اكتشف عالم الحفريات الألماني آرنست ستروم -المعروف “بأبو الحفريات المصري”- مع مساعده ريتشارد ماركغراف في منطقة الواحات أكثر من 4 هياكل شبه متكاملة لديناصورات.
والهياكل تعود إلى الديناصور سبينوصور، الذي يبلغ طوله ما بين 50 و57 قدما. وديناصور كاركارودونتوصور، وهو آكل للحوم وتشبه أسنانه أسنان سمك القرش. وديناصور باهارياصور، الذي يتوقع أنه عاش في العصر الطباشيري منذ 95 مليون سنة. وديناصور الإيجيبتوصور، أو السحلية المصرية القديمة، التي عاشت في أفريقيا في العصر نفسه.
إلا أنه وبعد نقل ستروم هذه الحفريات إلى متحف ميونخ للحفريات، تدمرت بالكامل بسبب قصف المتحف من سلاح الجو البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية، حسب الدوريات العلمية المختلفة.
وتوالت الاكتشافات بعد ذلك، التي كان من بينها اكتشاف عالم الحفريات المصري هشام سلام مع فريق بحثي من مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، في يناير/كانون الثاني 2018.
ففي منطقة الواحات البحرية، وتحديدا في واحة الداخلة بالصحراء الغربية، اكتشف الفريق ديناصورا أُطلق عليه اسم منصوراصورس، كاسم تعبيري عن مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، الذي كان له الفضل في اكتشافه، وينتمي إلى الديناصورات النباتية طويلة العنق التي كانت شائعة خلال العصر الطباشيري، وتسمى عائلة “تيتانورسوريا”.
محمية وادي الحيتان
ومع توالي الاكتشافات، تأكد العلماء من أن وادي الحيتان بالصحراء الغربية منطقة غنية بالحفريات لكائنات بحرية منقرضة، لاعتقادهم أن الوادي كان جزءا من قاع بحر تيثس، وهو بحر كبير كان البحر الأبيض المتوسط جزءا منه.
ولذلك اختارت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة المنطقة كأفضل مناطق التراث العالمي للهياكل العظمية للحيتان عام 2005.
وتعد منطقة وادي الحيتان متحفا جيولوجيا مفتوحا، حيث تضم رماله حفريات لحيتان متنوعة، منها حوت باسيلوسورس إيزيس، الذي كان يبلغ طوله 18 مترا، ويعد أولى الحفريات التي كشف النقاب عنها العالم الجيولوجي “بيد تل” عام 1903 خلال حملة مسح بيولوجي قام بها وقتذاك، من هنا أُطلِق على المنطقة وادي الحيتان، تَيمّنا باكتشافات الحيتان هناك.
ما أهمية اكتشاف الحفريات بمصر؟
يقول الدكتور هشام سلام أستاذ علم الحفريات الفقارية بالجامعة الأميركية بالقاهرة ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، والذي أشرف على آخر اكتشاف للديناصور “هابيل”، والذي يحمل اسم مكتشفه العالم روبرتو هابيل؛ إن أهمية اكتشاف ديناصورات أو حفريات في مصر تتمثل في اكتشاف التاريخ الجيولوجي ومعرفة لغز الكائنات الحية العملاقة التي كانت تعيش على كوكب الأرض.
وأشار سلام -في تصريحات صحفية- إلى أهمية الاحتفاظ بالحفريات المصرية وتسجيلها لتكون شاهدا على حياة هذه الكائنات بمصر، خاصة بعد أن خرجت عدة حفريات من مصر ولم تعد مجددا، كما حدث مع 4 حفريات اكتشفها عالم الحفريات الألماني آرسنت ستروم، والتي تدمرت بالكامل بعد نقلها لخارج البلاد.