برعاية أممية ووساطة تركية.. اتفاق غير مسبوق بين روسيا وأوكرانيا حول تصدير الحبوب ومطالب غربية بسرعة تنفيذه
في سابقة هي الأولى منذ بدء الحرب، وقعت روسيا وأوكرانيا اتفاقية بوساطة تركيا ورعاية الأمم المتحدة في إسطنبول -أمس الجمعة- لتأمين تصدير الحبوب الأوكرانية العالقة من موانئ البحر الأسود.
وفي حين لاقى الاتفاق ترحيبا من عدة دول وجهات، دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتنفيذ صارم وسريع للاتفاق، في حين اعتبر الرئيس الأوكراني أن الأمم المتحدة مسؤولة عن احترام الاتفاق.
وجرت مراسم توقيع الاتفاق في قصر دولمة بهجة التاريخي بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
ووقع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على الاتفاق بشكل منفصل مع نظيره التركي خلوصي أكار، وبعد ذلك وقع وزير البنى التحتية الأوكراني ألكسندر كوبراكوف على الاتفاقية مع الوزير التركي بإشراف الأمين العام للأمم المتحدة.
وتجنب الوزيران الروسي والأوكراني الجلوس على طاولة واحدة أو التصافح خلال مراسم التوقيع على الاتفاق.
وفي تصريح للجزيرة، وصف الأمين العام للأمم المتحدة الاتفاق بأنه اتفاق إنساني ووفق مبدأ “رابح رابح”، وأضاف غوتيريش أن الاتفاق المذكور دليل على فعالية الدبلوماسية لحل الأزمة ودليل أيضا على إمكانية توصل الطرفين لاتفاق سلام.
وقال فرحان نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في مقابلة للجزيرة إن الاتفاق في مرحلته الأولى وقابل للتمديد إذا رغب الطرفان في ذلك.
من جانبه، قال الرئيس التركي إن التوقيع على الاتفاقية يبعث على الأمل بالسلام والاستقرار بين أوكرانيا وروسيا. مشيرا إلى أنه يفخر بإطلاق هذه الاتفاقية التي ستلعب دورا كبيرا في حل أزمة الغذاء العالمية.
وقي مقابلة مع الجزيرة، قال مسعود حقي جاشين، عضو مجلس الأمن والسياسات الخارجية بالرئاسة التركية، إن ما حدث يعزز الثقة بدور تركيا في الوساطة، وأضاف أن تركيا استخدمت نفوذها وموقعها الإستراتيجي وعلاقتها مع الأطراف لإنجاح المهمة. واعتبر جاشين الاتفاقية مكسبا إنسانيا وتاريخيا سينقذ الملايين في العالم.
تعليق كييف وموسكو
ورأى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الأمم المتحدة مسؤولة عن احترام الاتفاق حول تصدير الحبوب الأوكرانية. وقال في كلمته المصورة اليومية “الجميع يعلم أن روسيا يمكن أن تمارس استفزازات وتحاول تشويه صدقية الجهود الأوكرانية والدولية. لكننا نثق بالأمم المتحدة. مسؤوليتهم الآن أن يضمنوا احترام الاتفاق”.
وكشف زيلينسكي عن أن الاتفاق سيسمح بتصدير 20 مليون طن من محصول العام الماضي عبر البحر الأسود، إضافة إلى إمكانية بيع محصول هذا العام.
وبعيد التوقيع، أعلن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أن بلاده تثق بالأمم المتحدة وليس بروسيا، بينما أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن الظروف متوفرة لتنفيذ الاتفاق “في الأيام المقبلة”.
وقد رحب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتوقيع روسيا والأمم المتحدة على مذكرة التعاون والمساعدة في مسألة توريد المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية للأسواق العالمية، قائلا إن التوقيع على هذه المذكرة يدل على الطبيعة المصطنعة لمحاولات تحميل روسيا مسؤولية أزمة الغذاء، وفق تعبيره.
وأوضح لافروف أن اتفاق إسطنبول يضمن رفع العقوبات الغربية عن السلع الغذائية والأسمدة الروسية ويسمح بتوريدها إلى الأسواق العالمية.
ترحيب ومطالب
وفي ردود الفعل الدولية دعت الولايات المتحدة الجمعة روسيا إلى تنفيذ “سريع” للاتفاق. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي “ننتظر أن يبدأ تنفيذ اتفاق اليوم سريعا للحؤول دون غرق الأشخاص الأكثر هشاشة في العالم، في انعدام أمن وسوء تغذية أكبر”.
كما قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن واشنطن ستحاسب روسيا في حال “أخلت” باتفاق تصدير الحبوب الموقع حديثا بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركية.
من جهته، قال جوزيب بوريل، غرد الممثل الأعلى للشؤون الخارجية وسياسات الأمن في الاتحاد الأوروبي على تويتر قائلا، إن الاتفاقية الخاصة بإخراج الحبوب الأوكرانية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه دعا إلى تنفيذها بسرعة.
ودعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إلى التنفيذ الصارم لاتفاق استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية وإنجاحه، قائلا إنه يمكن للاتفاق أن يفيد الملايين حول العالم.
من جانبها، قالت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة باربرا وودورد -في مقابلة مع الجزيرة- إن اتفاقية الحبوب بين روسيا وأوكرانيا تمثل مصدر أمل إزاء أزمة الغذاء في العالم، وشددت على أن أهمية الاتفاقية تكمن في تنفيذ بنودها.
أما وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، فأكدت أن عودة الأمن والاستقرار الاقتصادي في العالم تتطلب أن يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضع حد للحرب وأن ينسحب من أوكرانيا.
وفي مقابلة مع الجزيرة، قالت الأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ريبيكا غرينسبان إن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بفعل عدم إمكانية تصدير الحبوب انطلاقا من البحر الأسود.
وأضافت غرينسبان أن مذكرة التفاهم الموقعة بين الأمم المتحدة وروسيا مدتها 4 سنوات، وهدفها استثناء المواد الغذائية من العقوبات المفروضة على روسيا.
بدوره، قال المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، روبرت مارديني، إن الصفقة التي تسمح للحبوب بمغادرة موانئ البحر الأسود لا تقل عن إنقاذ حياة الناس في جميع أنحاء العالم الذين يكافحون لإطعام أسرهم.
بنود الاتفاق
ووفقا للاتفاق، سيُستأنف تصدير الحبوب الأوكرانية من 3 موانئ في مقاطعة أوديسا جنوب أوكرانيا والمطلة على البحر الأسود، وهي أوديسا وتشورنومورسك ويوجني.
وينص الاتفاق على إنشاء مركز مشترك للتنسيق والقيادة مقره إسطنبول للإشراف على سير العمليات وحل الخلافات، وسيشارك في المقر الطرفان المتحاربان ومسؤولون من تركيا والأمم المتحدة.
ويعتقد مسؤولو الأمم المتحدة أن إنشاء المركز سيستغرق 3 إلى 4 أسابيع، وهذا يعني أن شحنات الحبوب قد لا تبدأ بالتدفق قبل النصف الثاني من أغسطس/آب المقبل.
ولا تريد أوكرانيا أن تتحقق روسيا من عدم وجود شحنات أسلحة على متن سفنها لدى عودتها إلى مرافئها.
وعوضا عن ذلك، ستشرف الأطراف الأربعة على تفتيش السفن في أحد المرافئ التركية لدى عودتها إلى أوكرانيا، وسيكون ذلك على الأرجح في إسطنبول.
ولم يعرف بعد على وجه التحديد من سيُسمح له بالصعود على متن السفن الأوكرانية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية الجمعة فتح ممرين إنسانيين لحركة السفن باتجاه البحر الأسود وبحر آزوف ودونيتسك جنوب وشرق أوكرانيا.
وأسفرت الحرب في أوكرانيا عن تعطيل الإمدادات العالمية من الغذاء والوقود والأسمدة، وأدى ذلك إلى تفاقم الوضع المأساوي لملايين الأشخاص في جميع أنحاء القارة الأفريقية، وتعقيد عمل وكالات الإغاثة التي تكافح من أجل مساعدتهم.
وتعد أوكرانيا وروسيا من بين أكبر الدول المصدرة للمواد الغذائية في العالم، وتخضع موانئ أوكرانيا -بما فيها ميناء أوديسا الرئيسي- لحصار يفرضه أسطول روسيا في البحر الأسود.