شلل اقتصادي وخسائر بالملايين.. بريطانيا تواجه أكبر إضراب لعمال القطارات منذ عقود
لندن– تعيش بريطانيا على وقع إضرابات متتالية هي الأكبر منذ عقود، وتمس بقطاعات حساسة مرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين، وفي مقدمتها خدمة النقل، وخصوصا السكك الحديدية وقطارات الأنفاق.
وأعلنت النقابات الممثلة للعاملين في قطاع السكك الحديدية (نحو 120 ألف عامل) دخول إضراب اليوم الأحد سيشل حوالي 90% من القطارات في البلاد، وسيجعل من التنقل بين المدن البريطانية الكبرى مهمة شبه مستحيلة.
ويعد هذا الإضراب هو الأكبر منذ نصف قرن، وتتبعه إضرابات أخرى في قطاعات حيوية مثل البريد، والتعليم والتمريض، وكلها إضرابات من المتوقع أن تشهدها البلاد خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
والمحرك الأساسي لكل هذه الإضرابات هو ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا بشكل قياسي، بعد بلوغ مستوى التضخم 10%، ورغم قرار رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس وضع سقف لفواتير الغاز والكهرباء حتى لا تتجاوز 2500 جنيه إسترليني في السنة (2900 دولار)، فإن الموظفين ما زالوا يطالبون بزيادة في الأجور المجمدة منذ سنوات.
شلل في البلاد
اختار عمال السكك الحديدية موعد الإضراب بعناية، فهو يصادف اليوم الذي سينطلق فيه المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في مدينة بيرمنغهام، وسيجد الآلاف من المشاركين في المؤتمر صعوبة في الوصول إلى المدينة والمشاركة في أشغاله.
كما أدى هذا الإضراب إلى مزيد من الارتباك في وصول المشاركين في ماراثون لندن الشهير، واشتكى عدد من المشاركين من عدم قدرتهم على الوصول إلى العاصمة لندن قبل يوم من انطلاق هذا السباق العالمي.
وأدى الإضراب التي شاركت فيه 3 نقابات -هي الأكثر تمثيلا- إلى بقاء 10% من القطارات في الخدمة في عموم البلاد، وتحاول الحكومة البريطانية الجديدة الدخول في مفاوضات مع نقابات العمال، مع تهديد الأخيرة بإضرابات مشابهة خلال الشهر الحالي.
وتواجه الحكومة معضلة حقيقية أمام المطالب المتزايدة لأكثر من قطاع برفع الرواتب، مقابل رفض البنك المركزي هذه المطالب، بدعوى أن أي زيادة في الرواتب ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
وحسب دراسة مركز أبحاث التجارة والاقتصاد (CEBR)، الذي يوجد مقره في العاصمة البريطانية لندن، فإن إضرابات القطارات تؤثر بشكل يومي على حياة نحو 250 ألف شخص، كما أن كل يوم إضراب يتسبب في خسائر اقتصادية بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني (125 مليون دولار).
ورغم تأثر عشرات الآلاف من المواطنين بهذه الإضرابات، فإنها تجد مساندة شعبية، فحسب استطلاع رأي لمؤسسة “إيبسو موري”، (Ipso Mori) فإن هناك تزايدا لحجم الدعم الشعبي لإضرابات عمال القطارات، حيث أكد 41% أنهم يؤيدون قرارات النقابات بالإضراب، بينما عبّر 31% عن رفضهم.
كما أكد 52% من المستجوبين أنهم يتعاطفون مع مطالب النقابات، بينما قال 64% إنهم لا يوافقون قرار الحكومة بعدم زيادة رواتب العاملين في قطاع السكك الحديدية.
عاصفة من الإضرابات
لن يبدأ إضراب عمال السكك الحديدية اليوم الأحد، حتى يكون إضراب آخر قد انتهى، ألا وهو إضراب عمال البريد الملكي (Royal Mail)، الذي يوظف حوالي 170 ألف شخص.
ودام الإضراب ليومين، وهو الأول من بين 3 إضرابات قادمة خلال هذا الشهر والشهر الذي يليه، وتخطط نقابات عمال البريد لخوض 19 يوما من الإضراب، في حال رفضت المؤسسة الاستجابة لرفع أجور العاملين بأكثر من 8%.
ويقول عمال النقابات إن الشركة تحقق أرباحا منذ سنوات دون أن تقْدِم على زيادة أجور الموظفين، في المقابل، تقول الشركة إن كل يوم إضراب يكلفها خسارة بحوالي مليون جنيه إسترليني، مما يعني أن استمرار الإضراب لمدة 19 يوما سيكلف الشركة 200 مليون جنيه إسترليني.
كما انطلق عمال ميناء ليفربول في إضراب قد يستمر لـ10 أيام، وذلك بعد رفض عرض الشركة المُسيّرة للميناء -الذي يعد من أكبر الموانئ في أوروبا- والقاضي بزيادة رواتب العاملين بنسبة 8%.
وما زال الجميع يترقب تصويت نقابات الممرضين والمعلمين على قرار خوض إضرابات في أكتوبر/تشرين الأول الجاري ونوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتعد نقابات التعليم والممرضين من الأكبر في البلاد، وفي حال إقرار المعلمين أو الممرضين لخوض الإضراب، فإن هذا سيشل أكبر قطاعين في البلاد، في فترة حساسة، يكون فيها الإقبال على الخدمات الصحية على أشده.
يحدث كل هذا في وقت تتحول فيه حركة “لا تدفع” (DON’T PAY UK)، المطالبة بعدم دفع فواتير الطاقة، إلى حركة احتجاجية تنزل إلى الشارع بعد أن كانت مجرد حملة على الإنترنت للضغط على الحكومة لخفض أسعار فاتورة الطاقة، وقالت الحركة إنها سوف تنزل في أي مظاهرة عمالية تطالب برفع أجور العمال.