القاهرة- اضطرت الحكومة المصرية إلى تجميد أحد مصادر التمويل التي كانت تعوّل عليها لضمان استمرار التدفقات الاستثمارية الخارجية بقرارها تأجيل طرح أول صكوك سيادية إسلامية قبل نهاية الشهر الجاري يونيو/حزيران.
ورغم استعداد الحكومة لهذه الخطوة، فإن ظروف الأسواق الدولية الحالية غير مواتية لتنفيذ الطرح وفقا لما كان مقررا قبل نهاية العام المالي الجاري، بحسب تصريحات صحفية لوزير المالية المصري محمد معيط.
كانت مصر اقتربت من طرح صكوك إسلامية سيادية، لأول مرة، منتصف العام الجاري، حيث قامت بتعيين 6 بنوك لإدارة إصدارها الأول من الصكوك السيادية بقيمة ملياري دولار بعد الانتهاء من إعداد قانون خاص بها.
وصدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أغسطس/آب 2021 على قانون الصكوك السيادية الذي أقره مجلس النواب نهائيا في يونيو/حزيران الماضي، بعد جلسة ساخنة شهدت جدالا واسعا حول القانون ما بين مؤيد ومعارض لكنها انتهت بالموافقة عليه بالأغلبية.
ما علاقة التجميد باحتمالات خفض تصنيف مصر الائتماني؟
ويبدو أن قرار تجميد إصدار الصكوك تأثر بتصنيف مصر الائتماني من قبل وكالة “موديز” (Moody’s) وتغيير النظرة المستقبلية إلى سلبية بدلا من مستقرة، نهاية الشهر الماضي، وتحذيرها من أن المزيد من الانخفاض في الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى خفض تصنيف البلاد للمرة الأولى منذ مارس/آذار 2013.
لكن توقعات “موديز” بخصوص تراجع الاحتياطي النقدي تحققت لاحقا وانخفض إلى 35.5 مليار دولار بنهاية مايو/أيار الماضي من 37.1 مليار دولار في أبريل/نيسان الماضي بنسبة انخفاض بلغت 4.4%، وفق البنك المركزي المصري.
وتحذر الوكالة من أن ارتفاع تكاليف الاقتراض المحلي، في حال استمراره، سيؤدي إلى تفاقم مخاطر السيولة وتحديات القدرة على تحمل الديون، وكلاهما من نقاط الضعف طويلة الأمد في ملف الائتمان في مصر.
والصكوك السيادية هي أوراق مالية حكومية اسمية متساوية القيمة وقابلة للتداول وتصدر لمدة محددة، لا تزيد على 30 عاما، قابلة للتجديد، وتمثل حصصا شائعة في حقوق منفعة الأصول وفقا لما تحدده نشرة الإصدار، وهي متوافقة مع الشريعة الإسلامية، ولكنها تتميز بعائد مرتفع، نظرا لارتفاع حجم المخاطر فيها.
ومع زيادة الالتزامات الخارجية والداخلية بالعملات الأجنبية، تسعى مصر إلى تنويع مصادر التمويل، ما بين سندات دولارية وخضراء و”يوروبوند” وصكوك سيادية وجذب شريحة جديدة من المستثمرين، في ظل ارتفاع تكاليف استيراد السلع الأساسية مثل الحبوب والنفط، وارتفاع العائد على عمليات الاقتراض.
لماذا جُمدت الصكوك السيادية؟
يعتقد الدكتور أحمد خزيم الخبير الاقتصادي ورئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة، أن قرار الحكومة المصرية تجميد عملية طرح أول صكوك هو “نتيجة حتمية لأمرين؛ اضطرابات أسواق المال في العالم، وتغيير نظرة وكالة موديز النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، ما يعني رفع الفائدة على الاقتراض.
وأكد خزيم، في تصريحات للجزيرة نت، أن القرار صائب ويجنب الحكومة التورط مجددا في تحمل فوائد مرتفعة، خاصة أن مصر استنفدت حصتها من صندوق النقد الدولي وحصلت على أضعافها، معتبرا أنه مؤشر على أن المفاوض المصري قطع شوطا طويلا من المفاوضات بشأن قرض جديد مع الصندوق ولذلك آثرت مصر تأجيل عملية الطرح.
ودخلت الحكومة المصرية بالفعل في مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 3 إلى 5 مليارات دولار، بخلاف الـ20 مليار التي اقترضتها البلاد خلال الفترة من 2016 إلى 2020، عبر 3 اتفاقيات مختلفة.
وارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة وحذر المستثمرين الأوسع نطاقا من الأسواق الناشئة تشير إلى أن مصر ربما تدفع مبالغ باهظة لتمويل عجز متوقع قدره 30 مليار دولار في ميزانية السنة المالية التي تبدأ يوليو/تموز المقبل، وفق تقرير لوكالة “رويترز”.
وفي خطوة تزيد من تكلفة العائد على الاقتراض، أعلن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، الأربعاء أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ حوالي 30 عاما، مع رفعه معدل الاقتراض المرجعي بمقدار 75 نقطة أساس لتصل إلى ما بين 1.5% و1.75% بهدف مواجهة ارتفاع التضخم.
بدائل الحكومة المصرية
وقّعت مصر في الآونة الأخيرة عدة اتفاقيات دولية ضخمة بمليارات الدولارات بين قروض ومنح ومساعدات مع العديد من المؤسسات والبنوك الدولية؛ من أجل تمويل شراء السلع الأساسية مثل القمح والحبوب والمواد البترولية، في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأعلنت الحكومة المصرية، في 3 يونيو/حزيران الجاري، توقيع الاتفاقية الإطارية المعدلة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة بشأن توريد السلع الأساسية بحد ائتماني بقيمة 6 مليارات دولار.
في غضون ذلك، تستعد مصر للحصول على أكثر من 600 مليون دولار (بواقع 497.5 مليون دولار من البنك الدولي، و107 ملايين دولار من الاتحاد الأوروبي) لدعم واردات القمح وتحسين نظام صوامع التخزين، حسب رويترز.
وكشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال اجتماعها مع السيسي في القاهرة، الأربعاء، عن قيام الاتحاد الأوروبي بتوفير 100 مليون دولار لمصر لمواجهة أزمة الأسعار والغذاء.
إلى جانب ما سبق، تعوّل الحكومة المصرية -والحديث لا يزال للخبير الاقتصادي أحمد خزيم- على بيع أصول مملوكة للدولة لتوفير عشرات مليارات الدولارات خلال السنوات القليلة المقبلة للتخفيف من حدة الاقتراض والتزامات الفوائد التي ارتفعت بشكل كبير.
وأعلنت الحكومة المصرية منتصف الشهر الماضي رؤيتها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، من بينها إتاحة أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي لمدة 4 سنوات، وطرح 10 شركات تابعة للقطاع العام في البورصة، ودمج أكبر 7 موانئ مصرية تحت مظلة شركة واحدة، فضلا عن طرح نسب من أكبر الفنادق المميزة في البورصة.