بعد رصد أكثر من 100 هزة أرضية.. مخاوف أردنية من زلزال بالبحر الميت وخبراء يطمئنون
عمّان – على وقع تسجيل مرصد الزلازل في الأردن “عاصفة من الهزات الزلزالية المتكررة”، بات الأردنيون يتخوفون من تكرار سيناريو زلزال مدمر مماثل لما وقع في جنوبي تركيا وشمالي سوريا، خاصة مع وجود صدع البحر الميت الزلزالي، وفق مختصين.
ويزيد من مخاوف الأردنيين وجود أبنية قديمة في العاصمة عمّان مهددة بالانهيار، إما لبنائها على سفوح جبلية، وإما لإنشائها بطريقة قديمة وغير هندسية، وتشكل تلك الأبنية التي يزيد عمرها عن 40 عاما ما نسبته 23% من أبنية العاصمة، بحسب دائرة الإحصاءات العامة.
وكان نقيب المهندسين الأردنيين أحمد سمارة الزعبي حذر من خطورة تلك الأبنية، وضرورة عمل الصيانة الهندسية لحمايتها، خاصة وأن عمّان قريبة من صدع البحر الميت النشط زلزاليا، فأي نشاط زلزالي قد يؤدي لكوارث خاصة بالأبنية القديمة، على حد قوله.
مبان حديثة وقديمة وأثرية
الأبنية القائمة في العاصمة الأردنية عمّان تقسم إلى 3 أقسام -بحسب أمانة عمّان- منها الحديثة وتشكل نحو 60% ويعود إنشاؤها لـ30 عاما ماضية، والقديمة التي مر على بنائها من 40 إلى 70 عاما وتشكل 35%، والأبنية التراثية والأثرية العريقة، وتشرف عليها لجنة خاصة من دائرة الآثار العامة وأمانة عمان الكبرى.
وعام 2008 أُجريت دراسة لجميع مباني العاصمة الأردنية من ناحية بنائها وفق معايير مقاومة الزلازل، وقياس درجة تحملها للنشاطات الزلزالية، من خلال فريق علمي متخصص من جامعة اليرموك وباحثين من تركيا وبالتعاون مع المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، والدفاع المدني، والمرصد الوطني للزلازل، وأمانة عمّان.
وشملت الدراسة وفق أستاذ “هندسة المساحة والاستشعار عن بعد” بجامعة اليرموك الأردنية عبد الله الروابدة غالبية المباني المقامة في مناطق عمان الـ27، بهدف تقييم وضع الأبنية القائمة، وكان عدد سكان العاصمة في ذلك الحين 1.8 مليون نسمة، وقدرت الخسائر المادية في الأبنية المهدمة كليا وجزئيا في حال حدوث زلزال مدمر بـ21% من الناتج القومي الإجمالي.
وبخصوص تطبيق معايير مقاومة الزلازل، قال الروابدة -المشارك في إعداد الدراسة- للجزيرة نت إن العمل بدأ بها عام 2005، لكن المعايير تُطبق على المخططات الهندسية، وعند التنفيذ تتفاوت نسب الالتزام بها لأنها مكلفة للبناء، مشيرا إلى أن معظم المباني التجارية تخضع بنسب متفاوتة لمعايير مقاومة الزلازل.
3 سيناروهات
وبحسب الدراسة، فإن هناك 3 سيناريوهات للزلازل بالأردن، وهي سيناريو البحر الميت وسط المملكة، ووادي الأردن شمالي المملكة، ووادي عربة جنوبي المملكة.
ووفق نتائج الدراسة، يقول الروابدة إن سيناريو زلزال البحر الميت هو الأسوأ من حيث الأضرار، إذا وقع لا قدر الله، إذ قُدر إجمالي خسائر المباني كما يلي: انهيار كامل لحوالي 1576 مبنى، وإصابة 4950 مبنى بأضرار جسيمة، ويرجع السبب في ذلك لقرب البحر الميت من عمان، حيث يبعد مسافة 25 كيلومترا عنها.
أما سيناريو زلزال ووادي الأردن شمالي المملكة فأظهر عددا أقل من المباني المنهارة تماما، بواقع 1213 مبنى، في حين ستعرض 3906 مبان لأضرار جسيمة.
لكن الأضرار كانت أقل بكثير في سيناريو وادي عربة جنوبي المملكة، حيث يُتوقع تضرر 47 مبنى بشكل كامل، في حين ستلحق بـ211 مبنى أضرار جسيمة.
وكان الغرض من الدراسة تقييم مخاطر الزلازل المحتملة والخسائر المرتبطة بها داخل مباني أمانة عمان الكبرى، وتقييم التوزيع الجغرافي من الخسائر البشرية والمادية المحتملة بسبب سيناريوهات الزلزال المقترح، واستخدام مخرجات الدراسة لتخطيط وتنفيذ خطط لإدارة وتخفيف الكارثة الزلزالية والأضرار داخل منطقة دراسة، وفقا للقائمين عليها.
تكرار الهزات الأرضية
وسجل مرصد الزلازل الأردني خلال الأيام الماضية أكثر من 130 هزة أرضية، كان آخرها ليلية أمس الأربعاء وبقوة 4.3 درجات على مقياس ريختر، وبعمق 10 كيلومترات.
ويقول مدير مركز رصد الزلازل الأردني السابق محمد القريوتي إن تكرار تلك الهزات “لا يؤشر على حدوث زلزال كبير ومدمر بصدع البحر الميت”، مضيفا أنه بعد كل زلزال مدمر تقع “عاصفة هزات أرضية” وتتفاوت قوتها.
ولفت القريوتي إلى أن النشاط الزلزالي يتكرر، لكنه يكون أقل من 4.5 درجات على مقياس ريختر، وهذا لا يشكل خطورة، متوقعا استمرار الهزات الخفيفة لعدة أشهر قادمة، وقد يصل عددها إلى آلاف.
وأشار القريوتي إلى أن البناء في الأردن “مقاوم للزلازل”، مدللا على ذلك بالزلزال الذي وقع في جنوب خليج العقبة بمسافة 90 كيلومترا وبقوة 7.3 درجات على مقياس ريختر عام 1995، حيث لم يحدث دمار في الأبنية إنما تشققات، وهذا “مؤشر على متانة الأبنية”، مقارنة مع “زلزال بقوة 5.2 درجات في القاهرة أدى لتهدم الكثير من الأبنية”.
وهذا لا ينفي وقوع دمار في حال حدوث زلزال بقوة 6.5 درجات على مقياس ريختر في البحر الميت، لكن ليس بالصورة التي رأيناها في تركيا وسوريا، على حد قوله.
وتعرض الأردن خلال القرن الماضي لعدة زلازل، أبرزها زلزال أريحا عام 1927، وحصل فيه دمار كبير وخسائر بالأرواح البشرية وقدرت قوته بـ6.5 درجات.
وفي عام 1995 تعرض الأردن لزلزال بالبحر الأحمر وكانت قوته 7.3 درجات، وشعر به سكان خليج العقبة، ولم يسجل خسائر بالأرواح أو الأبنية، وحدث أيضا زلزال في البحر الميت عام 2004 قوته 5 درجات شعر به السكان بالشرق الأوسط، دون خسائر.
معايير هندسية
وقال فوزي مسعد نائب نقيب المهندسين الأردنيين إن الأبنية القديمة أنشئت دون رقابة هندسية، لكن الميزة بهذه الأبنية أنها ليست مرتفعة، ولا تزيد عن 4 طوابق، وبالتالي من الممكن أن لا تشكل خطورة حال وقوع الزلازل.
وأضاف أن الأبنية القديمة القائمة على سفوح الجبال معرضة لخطر الزلازل، مؤكدا ضرورة قيام أصحابها بالصيانة اللازمة والضرورية ضمن رقابة هندسية تمكّنها من مقاومة الزلازل.
وعام 1993 صدر قانون البناء الوطني الأردني، وتضمن معايير هندسية معينة تتعلق بـ”الأحمال والقوى” ولاحقا “معايير هندسية مخصصة للزلازل”.
وتتميز الأبنية الحديثة الأردنية بالبناء الحجري، ووجود جدران حاملة وقادرة على مواجهة الزلازل، و”تشكل أكثر من 60% من أبنية المملكة”.
وخلال سبتمبر/أيلول الماضي، انهارت عمارة سكنية قديمة بمنطقة اللويبدة وسط عمان، وأسفرت الحادثة عن وفاة 14 شخصا وإصابة 10 آخرين تم إنقاذهم، وأرجع مختصون السبب في الانهيار لعبث وإزالة مالك العمارة أسس وقواعد رئيسية بالبناء دون استشارة هندسية.
الأبنية القديمة ليست آيلة للسقوط
في المقابل، أكد مصدر مسؤول في أمانة عمان أنه ليست جميع الأبنية القديمة في العاصمة عمان “آيلة للسقوط ومعرضة للانهيار”، مضيفا أن أصحاب تلك الأبنية مطالبون بعمل الصيانة اللازمة للحفاظ عليها.
وأوضح المصدر أن أي شكوى تصل لأمانة عمان حول المباني القديمة يتم تحويلها للجهات المختصة للقيام بالفحص اللازم، والتحقيق في مدى ملائمتها للسكن وتوفر وسائل السلامة العامة فيها.
كما شكلت السلطات لجنة فنية مختصة لمتابعة الأبنية القديمة بعمان، وتضم اللجنة: محافظ العاصمة، ولجنة السلامة العامة بأمانة عمان، والدفاع المدني، والأمن العام، والأشغال العامة، والإسكان، ومؤسسات أخرى.