بعد زيارة لافروف لبغداد.. خبراء يتحدثون للجزيرة نت عن الأهداف واحتمال رد أميركي
بغداد – أثارت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للعاصمة العراقية بغداد مؤخرًا ولقاؤه بالرئاسات الثلاث الكثير من اللغط والتساؤلات، وانقسمت الآراء حول خفاياها ما بين أن تكون خطوة أولى نحو التمهيد لاصطفاف جديد على مستوى العالم والمنطقة، واحتمال أن يتحوّل العراق إلى بوابة استثمارية واقتصادية جديدة لروسيا، التي تعيش عزلة مالية واستثمارية بسبب حربها على أوكرانيا والعقوبات الغربية.
وعلى الرغم من أن العراق ما زال يُعاني من أزمات كثيرة، بدءا من انقسامه السياسي الداخلي وانتهاءً بالأزمة الاقتصادية وتذبذب عملته المحلية أمام الدولار، فإن امتلاكه الثروات الطبيعية من النفط والغاز جعله -بحسب مراقبين- محطّ أنظار الكثير من الدول، لاسيما أن العراق يقع ضمن من تُفكر روسيا بالاستفادة منهم عبر حلفائها في المنطقة على حساب أميركا.
المصالح الروسية
وتملك روسيا العديد من الشركات النفطية العاملة في العراق منها “غازبروم” (Gazprom)، ولديها مشاريع في إقليم كردستان العراق وفي حقل بدرة بمحافظة واسط، الذي تقدر احتياطياته بثلاثة مليارات برميل من النفط، حيث تمتلك الشركة الروسية 40% منه.
أما شركة “لوك أويل” (Lukoil) الروسية فتملك 75% من مشروع حقل غرب “القرنة 2” النفطي، وهي المشغل الرئيسي للحقل الذي يقع في محافظة البصرة (جنوبا)، حيث أحيل المشروع للشركة ضمن جولات التراخيص النفطية عام 2009، وتقدر احتياطاته القابلة للاستخراج بـ14 مليار برميل، وتصل فترة العقد الموقع مع الشركة عام 2010 إلى 25 عامًا.
وبالانتقال إلى شركة “روزنفت” (Rosneft) الروسية، فلديها عقود في إقليم كردستان، ولها حصص كبيرة في أنابيب النفط، بيد أنها لا تملك عقودا في بقية المناطق العراقية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنها تقع تحت طائلة العقوبات الأميركية منذ عام 2020.
ويعود تاريخ التعاون العراقي مع الشركات الروسية إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات الروسية في قطاع الطاقة بالعراق 13 مليار دولار، وفقًا لحديث سابق كان قد أدلى به السفير الروسي السابق ببغداد ماكسيم ماكسيموف.
أهداف الوفد الروسي
ويُمكن التماس ثقل زيارة لافروف إلى بغداد من خلال ترؤسه وفدًا دبلوماسيا واقتصاديا واستثماريا رفيع المستوى، بالإضافة إلى شركات نفطية وغازية ومن قطاعات أخرى، في الوقت الذي تعيش فيه موسكو على وقع حصار دولي نتيجة العقوبات الغربية التي فُرضت عليها عقب اجتياحها أوكرانيا، الأمر الذي يعني -بحسب أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي- أن الزيارة جاءت بسبب العزلة المالية المفروضة على روسيا.
ووفق رؤية السعدي الاقتصادية، فإنه يحق لروسيا السعي لفك الحصار المفروض عليها، والبحث عن الدولار وبيع الغاز لتجاوز العقوبات الدولية من خلال استغلال الحكومة العراقية الحالية التابعة للإطار التنسيقي الذي تدعمه طهران، حيث تجمع الأخيرة مصالح مشتركة مع موسكو لمواجهة الحصار واللجوء إلى السوق السوداء للحصول على الدولار.
في السياق، لا ينفي السعدي محاولة العراق تخفيف الضغط على السياسة النقدية والحصول على الطاقة من خلال تنويع علاقاته الدولية وتدشين وساطات بين دول غربية وإقليمية، ويضيف “العلاقة مع الجانب الروسي أساسية وإستراتيجية ومهمة للعراق من أجل خلق التوازن”.
ورغم أن السعدي يبدو -في حديثه للجزيرة نت- مؤيدا للتقارب الروسي العراقي، فإنه في الوقت ذاته يُحذر العراق من مخاطر ما وصفها بـ”المغامرة” في سياساته الخارجية واستفزاز غضب واشنطن التي لا تزال تضغط على العراق بسبب ما أسماها “أجنحة” مقربة من طهران داخل الحكومة العراقية.
ويستدل السعدي برأيه على ما حصل مؤخرًا من وساطة كل من الأردن وتركيا في قضية استقرار سعر صرف الدولار بالعراق، وهو ما أسفر عن لقاء محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق ببراين نيلسون مساعد وزير الخزانة الأميركية في تركيا الجمعة الماضية.
وبالتالي، يرى أستاذ الاقتصاد الدولي ضرورة أن تراعي حكومة محمد شياع السوداني احتمال تعرض العراق لضغوطٍ أكبر فيما يخص الدولار أو حتى احتمال تعرضه لعقوبات اقتصادية من واشنطن إذا ذهبت بغداد بعيدًا في العلاقات الدولية التقليدية مع روسيا وإنقاذ الأخيرة من الحصار الأميركي والأوروبي المفروض عليها.
عن ماذا يبحث لافروف؟
ما الذي يبحث عنه لافروف في زيارته العراق؟ تساؤل يجيب عليه عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي مُثنى أمين بقوله إن الحكومة الروسية قلقة من إمكانية تصدير العراق للغاز، لاسيما من إقليم كردستان إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، لافتا إلى أن ملف الطاقة تحوّل لورقة ضغط كبيرة بيد الروس ضد الدول الأوروبية والغربية.
ووفق النائب العراقي الذي تحدث للجزيرة نت، فإن موسكو لا تُريد أن تفقد هذه الميزة الإستراتيجية، وهذا ما يدفعها لبناء علاقات أفضل مع العراق، معلقا بالقول “أي تعاون بين البلدين سيكون له بكل تأكيد آثار إيجابية في فكّ العزلة الروسية ماليًا واقتصاديًا”.
وعن رد واشنطن المتوقع على التقارب العراقي الروسي الأخير، يقرّ أمين بأن العراق غير مؤهل للدخول في مشاريع مع روسيا، مبررا ذلك بما أسماها “الهيمنة” الأميركية على الدولار والكثير من الملفات الاقتصادية الحساسة، فضلا عن العلاقات الإستراتيجية المُتشابكة التي تجمع النظام العراقي بواشنطن، ويضيف “الفيتو الأميركي له دور كبير في إيقاف مثل هذه المشاريع”.
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة أسعد كاظم شبيب أن سعي روسيا للحفاظ على علاقات سياسية واقتصادية جيدة من العراق لا يخرج عن كونه محاولة روسية للحفاظ على مصالحها واستثماراتها الاقتصادية، لاسيما وأن لموسكو تفاهمات حول ملف الطاقة الذي تعول عليه في حربها مع الغرب، مع التأكيد على استمرار عمل شركاتها العامة في قطاع النفط بالعراق، فضلا عن الشراكات الكبيرة التي تجمع موسكو وبغداد في مجال التسليح.
وفي حديثه للجزيرة نت، يتابع شبيب “قد تكون التحركات الأخيرة للحكومة العراقية بالتوجه نحو عقد شراكة إستراتيجية مع دول بارزة في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا، تسببت في هواجس لدى موسكو حول مستقبل علاقتها السياسية والاستثمارية في العراق”.
ليس هذا فحسب، إذ تمتلك روسيا مصالح ونفوذا في العراق نابعا من عمق علاقتها مع طهران، بما قد يعني -بحسب شبيب- أن زيارة لافروف ما هي إلا تأكيد على علاقة موسكو مع العراق في الوقت الذي تعيش فيه روسيا أزمة الحرب والصراع مع الغرب في أوكرانيا.
ويختتم حديثه للجزيرة نت بالقول “تريد روسيا من خلال هذه الزيارة أن تستمر في الحفاظ على سياستها الخارجية مع الدول المتأرجحة في علاقتها الخارجية بين الولايات المتحدة وبين خصومها مثل الصين وإيران”.