بعد 4 أشهر من الحرب.. كييف تعود لطبيعتها رغم منغصات الحياة
كييف- للوهلة الأولى قد لا يشعر زوار كييف اليوم بأن مدينتهم عاصمة دولة تشهد حربا واسعة النطاق تشنها الجارة الروسية منذ فبراير/شباط الماضي؛ فمشهد الحياة فيها عاد إلى طبيعته بنسبة كبيرة مع عودة ثلثي النازحين، ليبلغ تعداد سكانها 2.5 مليون من أصل 3.5 ملايين قبل الحرب.
ويشمل المشهد اليوم في كييف عودة الزحام المروري المعهود، وحركة المواصلات والموظفين صباحا والمتنزهين مساء، بعد أن فتحت معظم المحلات والمطاعم والشركات أبوابها مجددا، ورُفع كثير من ركام السيارات المحطمة والحواجز الأمنية التي قطعت أوصال الطرق أو حُيدت جانبا؛ حتى أصبحت بعض أكوامها الترابية مكانا تنبت عليه الأعشاب.
وعاد شارع “كريشاتيك” الشهير المؤدي إلى ميدان الاستقلال (وسط العاصمة) -الذي تقع قريبا منه معظم المقرات الحكومية الرئيسية- إلى صخبه المعهود، ولم يعد فيه المارة يأبهون بأصوات صافرات الإنذار التي تطلق بين الحين والآخر، كأن الأمر لم يعد يهمهم.
فضلا عن ذلك، فإن كييف -المُهدّدة قبل أشهر- تحولت اليوم إلى ملاذ لآلاف النازحين من مناطق الشرق الملتهبة، كما كانت -ولا تزال- حال مدن الغرب الأوكراني “الأكثر أمنا”.
ألم ومعاناة
لكن مشهد الحياة في العاصمة يخفي جوانب مؤلمة ومعاناة فرضتها الحرب على عشرات آلاف الأسر، ويصعب على كثير من “العائدين” تجاهلها والاعتقاد بأن حياتهم عادت بالفعل إلى طبيعتها، في ظل تحذيرات مستمرة من السلطات تؤكد أن الخطر على كييف لم ينته، وتدعو إلى التريث قبل اتخاذ قرار العودة.
في حي سفياتوشينسكي بالمدينة، توقف فيتالي ناظرا من داخل سيارته إلى المبنى الذي كان يسكنه بعد أن احترق بالكامل جراء قصف روسي في بداية مارس/آذار الماضي.
وردا على سؤال حول مشاعره لوّح بيده في إشارة لا مبالاة تقلل حجم المصيبة، وقال “هذا كله يعوض، أشكر الله لأن أسرتي سالمة وآمنة الآن في بولندا”.
لكنه تابع “أنا حزين على فراقها، وعدم القدرة على اتخاذ قرار عودتها، حتى لا تتعرض للخطر من جديد. آمل أن يتغير شيء ما نحو مزيد من الوضوح قبل بداية العام الدراسي في سبتمبر/أيلول، وإلا فإن على الأطفال الالتحاق بالمدارس هناك”.
حال فيتالي تتطابق مع حال كثيرين عادوا إلى بيوتهم وأعمالهم في كييف من دون أزواجهم أو أطفالهم الذين بقوا في بلاد اللجوء الأوروبية، حتى أن محطات القطارات والحافلات أصبحت يوميا مكانا لاستقبال ووداع الزوجات والأسر في إطار “زيارات قصيرة لا تؤثر على وضعهم كلاجئين، وعلى المعونات التي يحصلون عليها في هذا الإطار”، كما قال عدد منهم للجزيرة نت.
منغصات
والجوانب الأمنية والاجتماعية ليست المنغصات الوحيدة التي تركتها الحرب في حياة سكان كييف، بل ثمة أمور أخرى لا تقل أهمية وأثرا.
على عكس الأيام والأسابيع الأولى للحرب، يكاد السكان لا يكترثون بتحضيرات التهديدات الجوية، لكنهم يدركون جيدا أن خطر عودة الحرب إلى كييف باق، بدلالة التحصينات والمعسكرات التي تملأ الطرق المؤدية إليها والغابات المحيطة بها.
وحديث السكان لا يتوقف كذلك عن أزمة شح الوقود وغلائه والطوابير الطويلة أمام المحطات القليلة التي تعمل، وكذلك عن تراجع قيمة الهريفنا الأوكرانية أمام الدولار وباقي العملات، وكيف أدى ذلك إلى قفزات قياسية في أسعار كثير من المواد الغذائية والسلع والخدمات والمواصلات.
هذا بالإضافة إلى حقيقة أن كثيرا من السلع المستوردة تغيب عن رفوف المحلات التجارية والإلكترونية، بسبب إغلاق الأجواء والموانئ أمام الطائرات والسفن.
وقد يكون في الحديث عن السياحة والاستجمام إفراط ومبالغة في الشكوى تحت وقع الحرب، لكن الأوكرانيين محرومون في 2022 ولأول مرة منذ الاستقلال من السفر إلى الخارج بهدف الراحة، ومن زيارة الغابات في أيام العطل، الأمر الذي كان يعد من “الأولويات السنوية” بالنسبة لكثير منهم.